الإيمان بالله واليوم الآخر وبعض آثاره ..
إن آمنت باليوم الآخر فستصنع كل معروف ممكن ..
ايها الإخوة الكرام إن من اطول وأشهر احاديث النبي عليه الصلاة والسلام حديث جبريل ..
هذا الحديث جمع اصول الدين وتكلم عن كل شيء ومن بين ما جمعه هذا الحديث أنه جمع أركان الإيمان الستة قال جبريل ما الإيمان؟ فقال رسول الله " «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» ..
هذه الأركان الستة هي أركان الإيمان..
بين هذه الاركان الستة ركنين متلازمين متقاربين في القرآن الكريم وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام تلازما وتقاربا يثير الدهشة وهما الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر ...
قال الله تعالي " {ذالكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } " وقال " { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} "
وفي صحيح السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلي جاره»
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت»
والسؤال يقول : وما سبب هذا التقارب والتلازم ؟
والجواب : هو أن الإيمان بالله وحده لايحملك على طاعة الله, أما إذا آمنت بالله تعالي وآمنت مع هذا الإيمان أن عند الله تعالي يوما آخر يبعثك فيه ويحشرك فيه ويحاسبك فيه علي ما كسبت يداك حملك هذا الايمان بجناحيه علي طاعة الله وحبسك عن العصيان ..
إن العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، يعلم من دروس العلم، ومن خطب الجمعة، ومن خلال فطرته, أن السرقة حرام ومع ذلك من بيننا من يسرق , وأن الكذب حرام ومن بيننا من يكذب وأن الاحتيال حرام ومن بيننا من يحتال, وأن العدوان على الأعراض حرام ومن بيننا من يعتدي علي أعراض العباد ...
والسؤال : أين الخلل؟
ليس الإسلام هو بناء مساجد عملاقة فقط فهناك مساجد أنشئت , والذي أنشئ في هذه السنوات الأخيرة من المساجد , لم ينشأ مثله في خمسمئة عام سابقة. ..
هناك مصاحف لها طبعات تأخذ بالألباب , هناك مكتبات إسلامية رائعة هناك مكتبات صوتية , مكتبات مرئية , ومع ذلك الناس يأكلون أموالهم بينهم بالباطل , يعتدون على أعراض بعضهم بعضا
والآية الدقيقة في توصيف احوال الناس هي هذه الآية {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُون} والمعني : أن سبب هذه الجرأة علي العصيان هو غياب الإيماني الحقيقي باليوم الآخر .. {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُون}
عقيدة أهل الكفر هي عدم الإيمان باليوم الآخر..
عقيدة تقول :{ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين}
هذه عقيدتهم سواءً صرحوا بها أو لم يصرحوا، أعلنوها أو لم يعلنوها، الكافر يعتقد أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، فمن كان بها غنياً كان بها سعيداً، ومن كان فيها فقيراً كان فيها شقياً، من كان فيها قوياً أخذ ما له وما ليس له، ومن كان فيها ضعيفاً أُخذ مما في يديه ...
وأعتقد أنه لا يجرؤ مسلم أن يقول هذا الكلام.
لكن إذا دققت في أعمال المسلمين تجد أعمالهم تنطق بهذه العقيدة، فكم من بيننا من هو لا يرى إلا الدنيا، ولا يرى إلا المال، ولا يرى إلا المادة، ولا يرى إلا العز، لذلك إذا دعي من فقير ضعيف لا يلبي الدعوة، ويدَّعي أنّ وقته مزدحم، أما إنْ دعاه غني أو قوي يكن أول الحاضرين ...
من جعل الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، ومنتهى أمله فهو ممن يكذب باليوم الآخر ولو لم ينطق به.فالعبرة بالمعاني لابالألفاظ:
أخواننا الكرام
نحن جميعا، حكم علينا بالموت مع وقف التنفيذ حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا ..
قبل أسابيع أحد إخواننا يجري كل يوم ساعة, ويسبح ساعة ؟ وإذا التقي مع أي إنسان يحدثه عن الطعام القليل, وعن أكل الخضار والفواكه، وعن أكل الخبز الأسمر، وعن الجري، والمشي والرياضة.
إنسان رشيق يتمتع بلياقة جسمية عالية ، ويعتني بصحته عناية تفوق حد الخيال , في دقائق غادر الدنيا.
معنى ذلك أنّ الإنسان لا يدري متى يغادر الدنيا، بلا مقدمات، بلا أمراض، بلا قصة مرضية، بلا شكوى.
نحن جميعاً محكومون بالموت مع وقف التنفيذ مؤقتا وكل واحد منا إذا استيقظ صباحاً يجب أن يعلم ,أن الله سمح له أن يعيش يوماً جديداً، كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ صباحاً يقول:
«الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي رَدََّ عَلَيّ رُوحِي، وَعافانِي في جَسَدِي، وأذِن لي بذِكْرِهِ»
ما لم تعتقد أن الله سيبعثك ليوم لا ريب فيه، وسيسألك عن أي عمل مهما بدا لك صغيراً فأنت لست مؤمنا بالله واليوم الآخر.
أعرابي حظه من العلم معدوم قال يا رسول الله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عظني ولا تطل فقرأ:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}
قال: كفيت. اكتفى بآية, والقرآن بين أيدينا، يعني ستة آلاف آية نقرأه، ونستمع إليه، ونستمع إلى تفسيره، ومع ذلك تجد أنّ معظم المسلمين غيرَ منضبطين.
أما هذا الأعرابي فقال: كفيت، قال عليه الصلاة والسلام: فَقُه الرجل. يقول الله عز وجل:
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
هكذا، فكما أن الله يحيي الأرض الميتة بالمطر، كذلك يحيي هذه الأجساد الفانية بقدرته العظيمة.
أيها الأخوة, ربنا يقسم ويقول:
{وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ}
بالمختصر المفيد: لابد من يوم تسوي فيه الحسابات ويعط كل ذي حق حقه ..
فالذي خلق هذه الأكوان لا يعقل أن يترك الإنسان سدى، بل لابد أن يُحاسَب، ويقف بين يديه ليحقَّ الحق والعدلَ.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}
أيها الأخوة , لن تستطيع أن تستقيم على أمر الله إلا بكتاب الله، وهدي رسوله، لا تقل ضميرا فقط ، فهذا كلام فارغ، ولا تقل: مراقبة ذاتية فقط، فهذا كلام فجٌّ، لا تقل: فلان تربَّى تربية منزلية راقية فقط، فهذا غير صحيح. إن لم تؤمن أن هناك يوماً تُحاسَب فيه عن كل شيء فلن تستقيم ...
إذا لم تكن مؤمنًا باليوم الآخر، وأن الله يراقبك وسيحاسبك وسيعاقبك، لن تستقيم على أمره
فهذا هو الكلام الواقعي، والعلم ما طابق الواقع، العلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل.
التربية الإيمانية المراقبة الذاتية الضمير الحي كل ذلك يعينك فقط علي نفسك لكن لن تستقيم على أمر الله إلا إذا آمنت أن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب " {ذلك لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } "،
بكى طفل صغير يوما فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمه، وقال لها: أرضعيه، فأرضعته، وبعد حين بكى، فقال أرضعيه، فأرضعته،ثم بكى، فذهب وقال لها: يا أَمَةَ السوء أرضعيه..
قالت: ما شأنك بنا ! إنني أفطمه، قال: ولمَ , قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام ..
يروى أن عمر بن الخطاب ضرب جبهته، وقال: ويحك يا ابن الخطاب، كم قتلت مِن أطفال المسلمين ؟ لأنه جعل التعويض العائلي عقب الفطام، لا عقب الولادة.
فكل أم تتمنى أن تأخذ العطاء فتحمل ابنها على الفطام قبل أوانه، فقال: ويحك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين ؟
صبيحتها صلى عمر الفجر بأصحابه، ولم يعرف أصحابه ماذا قرأ من شدة بكائه ؟ وكان يقول عقِب صلاته: يا رب هل قَبلتَ توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها، لقد فعَل هذا كلَّه لأنه مؤمن باليوم الآخر .
ودخلت زوجة عمر بن عبد العزيز عليه في غرفته فرأته في مصلاه يبكي، عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، قالت له ما يبكيك ؟
قال: دعيني وشأني، فألَّحتْ عليه ثانية وثالثة، فقال: دعيني وشأني، فلما ألحت عليه قال: فكرتُ في المريض، والفقير، والأرملة، والمسكين، والشيخ الفاني، وذي العيال الكثير، وذَكَر لها أكثر من ثلاثين نوعًا من حالات مأساوية اجتماعية، فعلمت أن الله سيحاسبني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألا تثبت حجتي، ولهذا أبكي.
إذا آمنت باليوم الآخر تسخر جميع ماتملك في خدمة الخلق أما إذا لم تؤمن تسخر جهود الآخرين لخدمتك:
فأنت عليك أنْ تؤمن باليوم الآخر إيمانًا حقيقيًّا، وحينئذٍ ستنعكس موازينك 180 درجة، إذا آمنت باليوم الآخر ترى كل سعادتك بالعطاء لا بالأخذ، كي يرضى الله عنك، وكي ترقى في جنة عرضها السموات والأرض ...
نسأل الله العظيم أن يرزقنا جميعا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل إنه ولي ذلك ومولاه ..
الخطبة الثانية
بقي لنا في الختام أن نقول :
إذا آمنت باليوم الآخر تبحث عن عمل صالح، تبحث عن حرفة تخدم فيها عباد الله، تبحث عن شيءٍ ترضي الله به، تبذل وقتك، تبذل مالك، تبذلةجهدك ، في سبيل الله، وتسخِّر فكرك، ولسانك، ويدك، ووقتك، وجهدك وعضلاتك في سبيل الله.
أما إذا لم تؤمن فإنّك تستخدم جهود الآخرين، وتعيش على أنقاضهم، وتتمنى أن تعيش وحدك، وأن تأكل وحدك، وأن تستمتع وحدك.
أما عن آثار الإيمان باليوم الآخرفمنها :
أنك إذا آمنت باليوم الآخر فسوف تتغير كل المفاهيم والمقاييس لديك:
إذا آمنت باليوم الآخر تبحث عن عمل صالح يرضي الله
إن آمنت باليوم الآخر تصبح سعادتك بالعطاء لا بالأخذ
إن آمنت باليوم الآخر فسوف تبر والديك
إن آمنت باليوم الآخر فسوف تصل رحمك
إن آمنت باليوم الآخر فستحسن إلي جارك
إن آمنت باليوم الآخر فستصنع كل معروف ممكن ..
إن آمنت بالله واليوم الآخر فسوف ينصلح حالك .. لن تؤذ أحدا لن تظلم أحدا لن تنتهك حرمة لن تتجاوز حدا إيمانك بالله واليوم الآخر يفتح لك كل أبواب الخير ويغلق دونك كل أبواب الشر .. وفي ذلك فلاح وأي فلاح .
أقسم علي ذلك الحكيم العليم سبحانه " {والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي وما خلق الذكر والأنثي إن سعيكم لشتي فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسري وما يغني عنه ماله إذا تردي} ..
نسأل الله العظيم أن يبارك فيكم وأن يشكر سعيكم وأن يجعلكم من عباده المخلصين .. اللهم آمين .
- التصنيف: