مدرسة الحجرات (2)
وليعلم كل منا أنه لن تكون أخوة إلا بالصبر وجهاد النفس والتنازل عن بعض الحقوق فى سبيل تحقيق المصلحة العامة
مازلنا مع مدرسة الحجرات نتربى ونتأدب بآدابها فإذا كانت أول السورة بينت لنا كيف يكون المسلم صالحاً فى نفسه وربط ذلك بالإيمان كلما صدق الإيمان كلما زادت استجابته لأوامر الله وطاعته والإيمان يحتاج الى تطبيق عملى بأن يخرج المسلم إلى المجتمع فيصلح بين الناس ويسعى لحقن الدماء مهما كانت الظروف ولا يستجيب لنداءات الشيطان وإيحاءاته أنه على الحق فى العداء وأنه يجب أن ينتصر لكرامته بقتل أخيه المسلم فيجب أن نعظم حرمة دم المسلم فى قلب المسلمين وأن يدرك أن مصلحة الغرب فى أن يبقى المجتمع الإسلامى مشتتاً لا يجتمع على كلمة تأكله الحروب وليرفع شعار " فأصلحوا بينهم " وبيان أهمية السعى بالصلح بين الفرق والطوائف فلا يذهب كل حزب بما لديه فرحاً مستكبراً يظن أنه جمع الحق كل الحق بين يديه وأن ليس للآخر وجه حق ويقيم العدل بين المتخاصمين ويؤلف بين القلوب انطلاقا من علمه أن الأخوة ميزان الإيمان كلما زاد الإيمان زاد ترابط المجتمع فتتنزل الرحمات بها يرحم أحدنا الآخر حتى لا يعم الظلم على الصالح والطالح وأى صلاح والقلب يمتلىء غيرة وحقدا على أخيه المسلم فعلى المسلم أن يسعى جاهدا لتطهير قلبه من الضغائن وأمراض القلوب وأن يعلم أن نداء الله للطائفتين بالمؤمنين رغم بغيهم على بعض وإشعال القتال بينهم دليل على أنه لا يجب أن نحكم على بعض بالكفر بارتكاب معصية فقد قبل الله توبة أصحاب الحدود من زنا وحرابة وسرقة وقتل إذا تابوا وعرفوا الحق وأنابوا إلى الله فقد عفا الله عن حقه وسامح فلما لا يسامح البشر ويصنع بالأخوة والألفة نسيجاً واحداً لا ينفذ إليه حاقد
وعليه أن يرفع أكف الضراعة إلى الله :" {ربنا لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا } ....." وليعلم كل منا أنه لن تكون أخوة إلا بالصبر وجهاد النفس والتنازل عن بعض الحقوق فى سبيل تحقيق المصلحة العامة فعلينا أن ندفع بالتى هى أحسن التى بها ننال حميمية العلاقة بالآخر ونكسب وده وتلك هى الثمرة المرجوة
وتستمر الآيات فى نسيج واحد تبين آداب التعامل مع المجتمع فكما حظرت من القتال ودعت إلى الصلح بين المتقاتلين وهو واجب اجتماعى بينت أسباب المشاحنات بين الناس والآفات التى تؤدى إلى خراب النفوس وبالتالى فساد ذات البين منها ثلاثة ظاهرية وهى السخرية واللمز والتنابز بالألقاب والثلاثة الأخرى خفية لا يعلمها إلا الله وهى الظن السيئ والغيبة والتجسس فهى التى تدمر العلاقات وتؤجج نار الفتن فيكون القتال وأن الناظر للثلاث آفات الأولى الظاهرية يجدها تنبع من إحساس النفس أنها أعلى من غيرها فيأخذها الغرور والكبر فتترجم ذلك فى سخرية من غيرها واستصغار شأنهم والتحقير منهم وما هذا إلا لنقيصة فى نفوسهم وقد شدد على أن هذا يحدث فى الأقوام وفى النساء لأن الأقوام تتفاخر فيما بينها بالأحساب والأنساب وتتعصب لذويها و النساء من الفئات التى تكون مجالسهم بيئة خصبة للسخرية والهمز واللمز قد تضعف النفوس فتعلى من شانها على حساب الآخرين وتحب أن يكون لها الصدارة فى المجلس قد تسخر الجميلة من القبيحة وقد يسخر الغنى من الفقير ويسخر ذو الأولاد ممن لم ينجبوا وهم لا يدرون أنه مجرد فضل من الله ونعمة تفضل بها عليهم وليس لأنهم كفء أويتميزون على غيرهم فى شئ إنما هو ابتلاء واختبار للمؤمن
فعليهم أن يتبرأوا من هذه الأفعال ويتوبوا منها بعد أن أكرمهم الله بالتوبة والهداية والصلاح ولو لم يستجب لنداءات الرحمن فهو ظالم لنفسه بارتكاب ما نهى الله عنه وظالم لغيره بالطعن فيه والإساءة إليه فإن الله يغفر ما كان فى حقه فماذا عن حقوق العباد يوم لا ينفع مال ولا بنون ؟وتبين لنا الآيات بعد ذلك أن الهمز واللمز والسخرية قد يؤدى إلى استجاشة الظنون السيئة وكلنا بشر فمن يسمع الناس تلمزه وتهمس عليه فلابد للأوهام والوساوس أن تتحرك بداخله لذلك حذرت الآيات من اتباع هذا الظن لأنه قد يؤدى دون أن يدرى إلى ارتكاب إثم فلا يتبع الظن بتجسس وتتبع لعورات المسلمين حتى يفضحها ومن ثم تنتقل هذه الأفكار وهذا التجسس إلى نطق باللسان وذكر الناس بما يكرهوا فى غيبتهم وشبهه بمن يأكل لحم أخيه بعد الموت فالموت هنا دليل على غياب الإنسان عن المشهد فيجد من ينهش فى سيرته وينتقص من قدره ولا يجد من يدافع عنه فتأتى الآيات لتحرم كل ما يؤدى إلى التشاحن والتباغض بين الناس
و يختم هذه الآية بحثهم على المسارعة للتوبة وطلب المغفرة إن كانوا مستمسكين بتقوى الله
- التصنيف: