الخوف من أسلمة الغرب واقترانه بصعود الأحزاب الدينية المتشددة

منذ 2020-12-28

ظاهرة صعود الأحزاب الدينية في معظم الدول الأوربية من الظواهر اللافتة التي تحمل آثارًا خطيرة تمهد لسياسات تمييزية وعنصرية تجاه المسلمين، خصوصًا الذين يعيشون في أوروبا.

ظاهرة صعود الأحزاب الدينية في معظم الدول الأوربية من الظواهر اللافتة التي تحمل آثارًا خطيرة تمهد لسياسات تمييزية وعنصرية تجاه المسلمين، خصوصًا الذين يعيشون في أوروبا.

 

فبروز اليمين المتطرف في أوروبا أصبح من أكثر الظواهر السياسية أهمية، وفي عام 2012م بلغ عدد المسلمين في أوروبا 13 مليون مسلم؛ مما أسهَم في تصاعد أحزاب اليمين المتطرف أكثر فأكثر[1].

 

أحزاب اليمين المتطرف هي مجموعة حزبية تعتنق منطلقات فكرية واحدة، وعلى الرغم من إمكانية وجود اختلافات طفيفة من دولة إلى أخرى، فإنهم يشتركون في أفكار واحدة تُعد الأساس الذي تستند عليه هذه الأحزاب المتشددة؛ منها: حماية الخصوصية الثقافية، ورفض الهجرة والمهاجرين بشكل قاطع، والعداء ضد الإسلام والمسلمين، واعتبار المواطن الأوروبي أعلى شأنًا من غيره من المهاجرين، خاصة المسلمين الذين يتم اعتبارهم مصدرًا للإرهاب والأزمات وعدم الاستقرار، وسببًا في ارتفاع معدلات البطالة[2].

 

تُعتبر الهجرة المتزايدة للمسلمين باتجاه الغرب إحدى العوامل التي عززت من كراهية الإسلام والخوف منه، ويرجع هذا الموقف السلبي للغرب إزاء الإسلام إلى الخوف من فقدان الإطار الثقافي في ظل التعددية الثقافية الناجمة عن زيادة الهجرة، والسبب الثاني يعود إلى زيادة أعداد المسلمين، وهو ما يزيد من احتمالية أسلمة الغرب، والسبب الاقتصادي يتمثل في المنافسة على فرص العمل، ثم الرغبة في الحفاظ على الخصوصية والهوية[3].

 

وقد ارتبط باليمين المتطرف مفهوم أسلمة أوروبا؛ حيث يقصد به أن المسلمين الذين يمثلون الحضارة الدونية - من وجهة نظرهم - تغلغلوا في المجتمعات الأوروبية، وازداد نفوذهم بما يشكل تهديدًا للهوية والثقافة الأوروبية، وفي المقابل تتبنى الأحزاب اليمينية المتطرفة مفهوم الاستعلائية باعتبار أنفسهم أعلى شأنًا من المسلمين؛ لذلك الأحزاب اليمينية المتطرفة تعادي وبشكل صريح الإسلام والمسلمين المهاجرين للدول الأوروبية، وبالتالي هذه الأفكار تُعد الأساس الذي تستند عليه الأحزاب لخلق سياسات عنصرية ضد المسلمين وتقييد حرياتهم، ووجود حملات مختلفة لتشويه صورة المسلمين في المجتمعات الغربية، بالإضافة إلى رفض بناء المساجد وغيرها من المؤسسات الإسلامية، فهم يعتبرون المهاجرين عبئًا على الدولة، وسببًا في البطالة وارتفاع معدل الجريمة والإرهاب، وتهديد هُويتهم وثقافتهم، وترجع هذه السياسات التمييزية ضد المسلمين في فرنسا مثلًا، خشيةً من انتشار الإسلام في فرنسا، خصوصًا مع انتشار الفكر اليميني المتطرف الذي يقوم على فكرة "الاستعلائية" التي تعتبر الأوروبيين أفضل من المسلمين، ولا بد من حماية هويتهم من هؤلاء الأفراد الأقل شأنًا[4].

 

وقد كان الفكر الغربي قد تأثر بالنزعة الاستعلائية لدى الرومان الذين كانوا يرون أن روما وحدها هي صاحبة الامتياز والسيادة، وأن كل ما حولها عبيد[5].

 

في هذا الإطار تُعد صرخة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا حلقة في مسلسل العداء الصليبي المتأصل في الروح الأوروبية ضد الإسلام والمسلمين، وتتخلص أهم النقاط في خطاب ماكرون: إن الإسلام دين انعزالي، وإن المسلمين في فرنسا يعيشون في مجتمعات منغلقة، وإن الإسلام - بوصفه دينًا - يعادي المرأة وينتقص من حقوقها، ويتبنى سياسات عنصرية من فرض الحجاب عليها، ومنع اختلاطها بالرجل، وهذا ضد المفاهيم العلمانية التي يقوم عليها المجتمع الفرنسي، ويقول: إن الإسلام يمر بأزمة عالمية في كل مكان، ويدعو إلى ضرورة اتخاذ سياسات معينة؛ منها إدماج المسلمين في المجتمع الفرنسي وتقيُّدهم بقوانين، ومنع الحجاب والنقاب وبناء المساجد، وإخضاع الأئمة والخطباء لمراقبة صارمة، ويخلط ماكرون في تصريحه بين الإسلام والإرهاب، ونَسِيَ التاريخ الصليبي الدموي لفرنسا وحملاتها المشؤومة للقضاء على الإسلام والمسلمين، واستغلال ثروات البلاد الإسلامية التي تقوم عليها حضارة فرنسا والغرب عمومًا، ويتهم الدين الإسلامي بأنه يعيش في أزمة، ولو كان هذا حقيقة، فأنتم سببه يا ماكرون بحروبكم ومكركم، ومحاولاتكم المستمرة للقضاء عليه، وإذا كان المسلمون يعيشون في أزمات وفي مشكلات، فأنتم من صنعتم مشاكلنا، وأنتم سبب نزوح المسلمين نحو الغرب، فأنتم لستم بعيدين عن خلق المآسي التي تتعرض لها الشعوب المسلمة.

 

وإذا كان الإسلام - بوصفه دينًا - يعيش حقيقة في أزمة عالمية، فالأزمة نتيجتها الضعف، والضعف يؤدي إلى نهاية الخصم، فإذا كان الإسلام ضعيفًا هكذا لماذا تخاف منه يا ماكرون؟

 

لماذا تخاف من قطعة قماش تضعها المرأة المسلمة على رأسها، وتغطي بها وجهها، وتسن القوانين لتعريتها وإدماجها في مجتمعاتكم المتفسخة؟ أليس هذا ضد مبادئ العلمانية التي تنادي بها من احترام لحقوق الإنسان أم أنها صليبيَّتك وانتصارك لدينك بعد ما رأيت الفرنسيين قبل غيرهم يدخلون في دين الله أفواجًا، وإفلاس الكنيسة، وعدم قدرتها على مناطحة الدين الإسلامي بعدما بذلتم الجهد والمال للقضاء على الإسلام، وانتزاعه من صدور أبنائه، فغزاكم بحمد الله في عقر داركم.

 

وإذا كانت تصريحاتك لأغراض انتخابية، وجزء من جهد مبذول للحصول على الرئاسة، أو إشغال مواطنيك عن الظروف الاقتصادية التي تعاني منها فرنسا مؤخرًا، فأنت فضحت نفسك بأنك تتودَّد إلى شعبك والأحزاب المتطرفة في بلدك بما يرضيهم ويتوافق مع ميولهم من كره للإسلام والمسلمين.

 


[1] صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا: دراسة حالة فرنسا في الفترة 1984 - 2017م، إعداد يمنى عاطف محمد، المركز الديمقراطي العربي، على الرابط التالي: https://democraticac.de/

[2] المصدر نفسه.

[3] الإسلاموفوبيا في أوروبا: الخطاب والممارسة، مجموعة باحثين، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين ـ ألمانيا، الطبعة الأولى، 2019م ، ص 67 ـ 68.

[4] صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا: دراسة حالة فرنسا في الفترة 1984 ـ 2017م، يمنى عاطف محمد.

[5] الفكر الإسلامي في مواجهة الفكر الغربي، الدكتور فؤاد محسن الراوي، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن، الطبعة الأولى، 1430هـ - 2009م، ص120.

_________________________________

الكاتب: ميسون سامي أحمد

  • 4
  • 0
  • 1,412

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً