الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ
فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر ، المركبة على الجهل والظلم .
كما أن حسن الظن بالله من أجل العبادات واعظمها ، فإن سوء الظن بالله من أسوأ المعاصي وأقبحها ، وسوء الظن بالله علي درجات متفاوتة في القبح والإثم ، وهو ناشيء عن جهل العبد بربه ، وما يستحقه من كمالات ، ومن حسن ظنه بنفسه وأنها تستحق فوق ما قدر لها من رزق ونصيب .
وأكبر محك أو اختبار لتعرف حقيقة نفسك ، وهل أنت واقع في سوء الظن أم لا ، هو حالك عند نزول مصيبة أو بلاء ، أو عدم تحقق ما تتمناه من حظ دنيوي ، مع ملاحظتك لغيرك وأنه قد أوتي ما هو أفضل منك ، وحينها لا يستمسك بحسن الظن بالله إلا صحيح الإيمان ، سليم القلب .
ولابن القيم رحمه الله تحليل دقيق ونفيس في ( زاد المعاد 3 / 211 ) يستحق القراءة والتأمل ، حيث قال :
" فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله .
ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ، ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد .
فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده، ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبا على القدر ، وملامة له ، واقتراحا عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا
فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر ، المركبة على الجهل والظلم .
فهي - أي نفسه - أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين ، وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام ، والحمد التام والحكمة التامة، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه ، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كذلك، كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلها حسنى.
فلا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل "
- التصنيف: