أربع صفات للتاجر الناجح
أقوى ما يميّز التجّار الناجحين هو الإبداع المتجدد، والاستمرار في توليد الأفكار الجديدة والناجحة، يخرج الأفكار بحسب زمانه، فما يصلح بالأمس يفسد اليوم، وما كان مظنة الخسارة بالأمس اليوم هو مربح، والأفكار بحسب مكانه، فلكل دولة تجاراتها..
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ وسلم على رسول الله الأمين، أما بعد:
ما هي صفات التاجر الناجح وبماذا يتميّزون دون سائر الناس؟
لا أتحدث هنا عن أصحاب الثروات الذين يملكونها بلا سبب منهم، كأن تكون ورثًا أو هبة وغيره، ولا أتكلم عن تاجرٍ كسب في فترة زمنية ثم انقطع وله ثروة ينفق منها ولد ولده لا تنتهي، بل أتكلم عن التاجر الناجح في أزمنة مختلفة، وربما أماكن وبيئات مختلفة، التاجر الذي تشعر بأنه مجبول على ذلك.
أقوى ما يميّز التجّار الناجحين هو الإبداع المتجدد، والاستمرار في توليد الأفكار الجديدة والناجحة، يخرج الأفكار بحسب زمانه، فما يصلح بالأمس يفسد اليوم، وما كان مظنة الخسارة بالأمس اليوم هو مربح، والأفكار بحسب مكانه، فلكل دولة تجاراتها، بل في الدولة الواحدة يختلف شرقها عن غربها، يختلف إنتاجها المحلي وما يرغبه سكانها، وتختلف نسبة العطالة فيها كذلك، فالعاصمة مكان الموظفين الأغنى والتجار الأكثر فيناسبها ما ارتفع ثمنه وعلت جودته مثلًا، والمدن النائية يناسبها من يقدم لها الخدمات الأساسية أو البضاعة قليلة الثمن.
ومن الإبداع ألَّا يحقر أي فكرة مهما بدت ساذجة أو من شخص ساذج لم يخض التجربة، فأحيانًا يكون النجاح الأكبر يبدأ من المحقرات، أو يضيف إليها بحسب خبرته ورؤيته لتصبح ذا منظر بهيج.
وكذلك ما يميّزهم المجازفة، يجازف في ما ظن أن فيه مكسب ولم تملأه الثقة تمامًا بأنه لن يخسر، قد يظهر قوة وقلبه يخفق من خوف الخسارة، ولكن هذا الخوف والهم لا يوقفه عن فعله، وليست بمجازفة عشوائية بل بآلية معينة يعتقد أنه يكسب منها.
أما الذي يطلب العلو وهو منبطح أو خائف من ضياع ماله فهذا يطلب محالًا.
كذلك مما يميّزهم العطاء، فلم أجد يومًا تاجرًا بخيلًا إلا وانقض بخله عليه وعلى تجارته، وهذا العطاء يختلف فليس هو كرم حاتم ولا هو إسراف السفيه، بل تارة يكون لنفع ينالونه كمن يعطي من يعملون عنده ليحفّزهم للعمل ويكافئ المتميز فيهم، وتارة لضرر يدفعونه كمن يدفع لمن يعمل عنده ليأمن شره وسرقاته، أو ليقوم بعمله بشكل أفضل، رغم أنه يقبض مالًا على عمله لكن بعض الناس متلبس بعبودية المال لا ينفك عنها.
وتجد بعض التجّار يعامل من يستأجره معاملة المؤلفة قلوبهم، فإن قوي صاحبنا التاجر واستغنى عن اضطراره لملاطفة صاحبه وعرف المداخل والمخارج أسقط هذا السهم وأبان عن بياض أنيابه وسواد ردات فعله.
كذلك ما يميّز بعضهم، أنهم لا يتكلّفون أعمالهم، ولا يشعرون بمشقتها، ولا يشعرون بثقل الوقت وهو يمر عليهم فيها، فكان الأمر فيهم جبلّة وطبيعة، وهل هي كذلك منذ البداية أم عانوا حتى أصبحت جبلة فيهم، المهم أنهم يمارسون أعمالهم التجارية كما يمارس أحدنا يومياته.
وأخيرًا وجدتُ فئام من التجار يحصدون المال ويكسبونه بلا جهد التجار ولا ذكائهم، بل هم أقرب للضياع من النجاح، لا يُحسن أحدهم أن يتولى إدارة مركزٍ صغيرٍ فضلًا عن خوض صحراء التجارة، ففتشتُ في حياتهم فوجدتُ سبب ذلك تقوى الله والعبادة، فهذا لا يفتر لسانه من تلاوة وذكر، وذلك صدقاته بأنواعها لا تنقطع، وآخر يتميّز ببرّه بوالديه وحسن القصد، والرابع والخامس متلبسين بطاعات لا يتركونها.
ولا شك أنَّ أعظم أسباب الرزق هو طاعة الله وتقواه والتقرب منه، وأنا أتكلم عن تجارب كثيرة جدًّا، لا أتكلم عن نصوص في القرآن والسنة أخبرتْ بهذا الأمر، فأهل العلم الفضلاء قد بيّنوا هذا، ونحن مؤمنين بأن الله هو المعطي المانع، يرزق من يشاء بغير حساب، يهب الرزق الواسع بغير سبب من العبد ويبتدأ النعم قبل استحقاقها فله الحمد والشكر.
وينبغي التنبيه أنه لا يجوز أن تُجعل العبادة لنيل الدنيا ومتاعها فقط، والأصل أن يُبتغى بها وجه الله والدار الآخرة، وقد ذكر العلماء أن النصوص التي وارد فيها بعض الثواب الدنيوي كطول العمر وكثرة المال وانشراح الصدر والبركة في المال والولد وغيرها إنما تُطلب تبعًا لا استقلالًا، فيطلب المسلم بعبادته وجه ربه وما أعده له في جنته، وحسنة الدنيا تبعًا لها، وآية تحقيق الرجل لذلك أنه لا ينقطع عن طاعة إذا لم يرَ فائدة دنيوية، ولا يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن إليه، وإن أصابته شر انقلب على عقبيه وترك العبادة.
_________________________________________
الكاتب: محمد بن عبدالرب آل نواب
- التصنيف:
- المصدر: