أسباب المودة والمحبة بين الزوجين
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَّكئُ في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن» [متفق عليه].
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...أما بعد: فمن أكبر الأسباب لاستمرار ودوام الحياة الزوجية السعيدة أن تكون بينهما مودة ومحبة, والمودة والمحبة لكي توجد وتبقي لها أسباب كثيرة, وقد ذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله عدداً منها في مصنفاته, وقد يسّر الله الكريم فجمعتُ بعضها, ومنها:
حسن معاملة الزوج لزوجته:
قال الشيخ رحمه الله: اعلم أن معاملتك لزوجتك يجب أن تقدر كأن رجلاً زوجاً لابنتك كيف يعاملها؟ فهل ترضى أن يعاملها بالجفاء والقسوة؟ الجواب: لا، إذاً لا ترضى أن تعامل بنت الناس بما لا ترضى أن تعامل به ابنتك، وهذه قاعدة ينبغي أن يعرفها كل إنسان.
وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أترضى أن يزنى أحد بأختك، أو ابنتك، أو أمك، قال: لا، فلم يزل يقول: بكذا وكذا، كل ذلك يقول: لا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فاكره ما كره الله، وأحب لأخيك ما تحب لنفسك» .
وهذا مقياس عقلي واضح جداً، فكما أن الإنسان لا يرضى أن تكون ابنته تحت رجل يقصر في حقها، ويهينها، ويجعلها كالأمة يجلدها جلد البعير، فكذلك يجب أن يعامل زوجته بهذا، لا بالصلف، والاستخدام الخارج عن العادة.
وقال رحمه الله: أهمُّ شيء أحبُّ أن أنبه عليه هو أنه يجب على الإنسان أن يتقي الله في زوجته، وأن يعاشرها معاشرة بالمعروف، وأن يعلم أنها ستكون خصمه يوم القيامة إذا فرط فيما يجب عليه لها، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال في حجة الوداع وهو يخطب الناس في أعظم مجمع: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فُروجهن بكلمة الله» فيجب على الإنسان أن يكون خير الناس لأهله بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقوله علية الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» .
وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس.. فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام.»
قال الشيخ رحمه الله: في الحديث حسن معاملة الرسول صلى الله عليه لأهله، وذلك في موقفين: الأول: مراعاتها حتى تجد العقد.
الثاني: أنه كان نائماً على فخذها، وهذا مما يوجب المودة بين الزوجين والألفة.
حسن معاملة الزوجة لزوجها:
قال الشيخ رحمه الله: وعلى الزوجة أيضاً أن تعامل زوجها معاملة طيبة، أطيب من معاملته لها، لأن الله تعالى قال في كتابه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة: 228] ولأن الله تعالى سمى الزوج سيداً، فقال عز وجل في سورة يوسف: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25].
عدم الغضب من كل شيء:
قال الشيخ رحمه الله: ينبغي للإنسان أن لا يغضب على كل شيء، لأنه لا بد أن يكون قصور، حتى الإنسان في نفسه مقصر، وليس صحيحاً أنه كامل من كل وجه، فهي - أيضاً - أولى بالتقصير.
صبر كلا الزوجين على تقصير صاحبه:
قال الشيخ رحمه الله: إذا كان الزوجان يُريدان زوجية هنيئة فإن عليهما مراعاة الواجب والقيام به, والصبر على تقصير صاحبه فيه, لا سيما ما يأتي من قبل الزوجة لنقصان دينها وعقلها عن الرجل,وقال رحمه الله: وينبغي للإنسان أن يصبر على الزوجة، ولو رأى منها ما يكره، لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).والمرأة كما هو معلوم ناقصة عقل دين، وقريبة العاطفة، كلمة منك تبعدها عنك بُعد الثريا، وكلمة منها تدينها منك حتى تكون إلى جنبك، فلهذا ينبغي أن يراعى الإنسان هذه الأحوال بينه وبين زوجته.
وقال رحمه الله: وعليه أن يأخذ ما تسهَّلَ من أخلاقها ويتسامح في الباقي، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حين قال: «(لا يفرك مؤمن مؤمنة)» أي لا يكرهها، ولا يبغضها،: «(إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)» فأشأر إلى المعادلة، لا تكن كالمرأة إذا رأت إساءةً واحدةً قالت: ما رأيت خيراً قط، كن رجلاً حازماً صبوراً، خذ ما عفا من أخلاقها، وتجاوز عما لا ينبغي.
مراعاة نفسية الزوجة أثناء حملها:
قال الشيخ رحمه الله: الأُمُّ أحق بحسن الصُّحبة من الأب، لأنها تتكلف من المشاق ما لا يتكلفه الأبُ، فالولد من حين يكون في بطنها تجدُ من الآلام وضيق الصدر، حتى إنها تعزفُ عن زوجها أحياناً وتكرهه، ولا تُريدُهُ، وكذلك ربما تعزف حتى عن الجلوس بين النساء، وهذا يوجد كثيراً في بعض النساء.
ومن العجب أن بعض الأزواج إذا رأى من الزوجة ذلك يرى أن هذا سوء عشرة منها، فيلومها ويُوبخها ويكرهها، وهذا من جهله بالواقع، لأن المرأة حين الحمل قد يعتريها ما يسمونه بالوحم، بواوٍ وحاءٍ وميمٍ، وهي صفة نفسية تكره فيها المرأة أشياءَ كثيرةً، حتى الزوج، فلا تُحبُّ أن تنام معه على فراش.
والواجب على الرجل الزوج العاقل المؤمن أن يقدُر المرأة حقَّ قدرها، وأن يعرف أحوالها ونفسيتها حتى يعاملها بما تقتضيه هذه الحال، وما تقتضيه هذه النفسية.
مساعدة الزوج زوجته في شؤون البيت:
عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنف في بيته؟ قالت: كأن يكون في مهنة أهله – تعنى خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. قال الشيخ رحمه الله: هذا من تواضع النبي علية الصلاة والسلام أنه يكون في البيت في خدمة أهله، أي يساعد أهله فيما ينوب البيت من تغسيل وتنظيف وغير ذلك، وهذا مع كونه هدى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أقوى ما يكون جلباً للمودة والمحبة بين الرجل وأهله، فإذا شعرت الزوجة بأن زوجها يساعدها في شؤون البيت، ويكون معها، فإنها تُحبُّه أكثر بلا شك، لأن عادة الرجال في الغالب أن يترفعوا عن هذا الأمر، فإذا تواضع.. وصار يساعد زوجته، صار في هذا جلب للمودة والمحبة... فإذا غسل الأواني هو وإياها على المغسلة فرُبما يقع بينه وبينها مزاح
وقال رحمه الله: وانظر إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واقتدِ به، فقد كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، يساعد أهله علية الصلاة والسلام، ويُرقِّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلُب الشاة لأهله.
حديث الزوج مع زوجه:
قال الشيخ رحمه الله: حديث الزوجة فيه مصلحة للرجل، وهي صناعة المحبة والألفة بين الزوجين، والله عز وجل قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } [الروم: 21] وهذا الأمر يصنع المودة والألفة بين الزوجين.
أن تكون الزوجة قريبة من زوجها تخدمه وتُطيبه:
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: « كنتُ أطيبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إحرامه حين يُحرمُ، ولحلِّه قبل أن يطوف بالبيت» ) [متفق عليه].
قال الشيخ رحمه الله: في هذا الحديث: دليل على علاقة الزوجية التامة بين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعائشة رضي الله عنها حيث كانت تُباشر تطييبه وهذا يدلُّ على كمال المودة والصلة بينهما.
وعنها رضي الله عنها قالت: « أنا طيبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح مُحرماً» [متفق عليه].
قال الشيخ رحمه الله: وفي هذا الحديث: دليل على قُرب عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث كانت هي التي تباشر تطييبه رضي الله عنها، وجزاها عنَّا خيراً حيث أكرمت نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا لا شك أنه من الخصال الحميدة، ومما يوجب قوة المودّة بين الرجل وبين زوجته.
وقال الشيخ رحمه الله: هناك فرقاً بين أن تُطيِّب المرأة زوجها، أو يتطيب هو بنفسه، فإذا طيبت زوجها كان في ذلك من جلب المودة والإدلال بين الزوج وزوجته ما لا يكون فيما لو تباعدت عنه، وهذا أمر واضح.
وهذا يدلُّ على أنه ينبغي للإنسان أن يفعل كل ما يُقرَّبه إلى زوجته، ويُقربها منه.
اغتسال الزوجين مع بعض:
عن عائشة رضي الله عنها قال: ( «كنتُ أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ كلانا جنب، تختلف أيدينا فيه» ) [ متفق عليه ] قال الشيخ رحمه الله: يعني أن يدها تنزلُ ويد الرسول صلى الله عليه وسلم تخرجُ، يعني تُنزلُ يدها لتغترف والرسول يكون قد اغترف ورفعه أو بالعكس، ولاشكَّ أن هذا يجلبُ المودة بين الزوجين وعدم الكلفة بينهما، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون مع أهله لطيفاً رفيقاً مُتحبِّباً لديهم، وكذلك بالنسبة للزوجة، ينبغي أن تكون لطيفة مُتحببة إلى زوجها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «تزوجوا الودود الولود» ) الودود يعني كثيرة التودد لزوجها.
قال الشيخ رحمه الله: كان الرسول علية الصلاة والسلام يغتسل هو وعائشة من إناء واحد وتقول: دع لي، دع لي، فكل هذا مما يجلب المودة.
وقال رحمه الله: انظر إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.. إذا أراد أن يغتسل اغتسل هو وزوجه عائشة رضي الله عنها من إناءٍ واحدٍ، وهذا يحصل به ألفة عظيمة، واغتسال الرجل مع امرأته لا بُدَّ ألا يكون عليهما ثياب، ويغتسلان في إناءٍ واحدٍ، وهذا يجلب المودة، ومن لم يجرب فليجرب، وسوف يجدُ أن ذلك فيه مصلحة عظيمة.
وقال الشيخ رحمه الله: وإذا تأملت هذه الأحاديث وجدت بساطة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أهله... وهذه غاية التبسُّط، وهذا لا شك أنه مما يُوجب المودة والأُلفة، بخلاف الإنسان الكَلِّ الذي لا يتكلم كلمةً بعد كلمة.
نوم الزوجين على فراش واحد:
وعن عروة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي، وعائشة مُعترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه» .[متفق عليه].
قال الشيخ رحمه الله: وفي هذا الحديث دليل على فوائد، منها: أن فراش المرأة وزوجها واحد، لقوله: (على الفراش الذي ينامان عليه) وهذا هو السنة، والأفضل والأكمل والأقرب للألفة، خلافاً للمترفين التالفين الذين يدَّعون أن المرأة تكون في فراش وحدها، والرجل في فراش وحده، وما علموا أن الله قال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } [البقرة: 187] وأيُّ شيء أدنى من لباس الإنسان إليه؟ لكن هؤلاء لا يعرفون من السنة شيئاً، ويجعلون الأمور تابعة لأذواقهم.
اتكاء الزوج في حجر زوجته:
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَّكئُ في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن» [متفق عليه].
قال الشيخ رحمه الله: قولها: ( يتَّكئُ) أي يعتمد على يده في حجرها... ومن فوائد هذا الحديث: بساطة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله حيثُ يتكئُ بحجرهم ويقرأُ القرآن، وهذا لا شكَّ أنه تواضع وتنازل مع الأهل يُوجب المحبة والألفة وعدم الكلفة، ويا ليتنا نتأسى بالرسول علية الصلاة والسلام في هذه الأخلاق الفاضلة الطيبة....فكلما حصل تقارب بين الزوجين، فهو أحسن لما في ذلك من الألفة والحياة السعيدة وعدم التفرقة.
نوم الزوج على فخذ زوجته:
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره...فانقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس.. فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام
قال الشيخ رحمه الله: وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز نوم الإنسان على فخذ امرأته، كما فعل النبي علية الصلاة والسلام، ولا يُعدُّ هذا من الدناءة أو خلاف المروءة، فإن بعض الناس قد يقول: وهل أنا رضيع لأنام على فخذ امرأة؟! فيُقال: نام من هو أفضل منك: رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن في هذا فيه جلب مودَّة بين الزوج وزوجته أن ينام على فخذها، وبإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينام على الأرض، ويجعل له وسادة، ولكنه اختار ذلك، لأن فيه جلباً للمودة بينه وبين أهله.
الدعاء وسؤال الله أن يؤلف بينهما:
قال الشيخ رحمه الله: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملاً يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملاً يكون به عطف الزوجة عليه، لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك: أن تسأل الله عز وجل دائماً أن يحبب زوجها إليها، وأن يؤلف بينهما... نسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها، وأن يبارك لهما وعليهما، وأن يجمع بينهما في الخير.
اللهم ارزق كل زوجين المودة والمحبة بينهما, وثبتها وزدها.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: