من وسائل علاج الأمراض النفسية
قال الشيخ رحمه الله: الشريعة كُلُّ أحكامها تُزيلُ القَلَق والهمَّ والغَمَّ ... الشريعة كُلُّها لإزالة الهَمِّ والغَمِّ عن بني آدم، حتى يبقوا فرِحين مستبشرين دائمًا، وهذا كما أنه غذاء للقلب، فإنه غذاء للنفس والرُّوح
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...أما بعد: فيختلف المعالجون في وسائل علاج الأمراض النفسية, فمن مصيب في ذلك, ومن مخطئ, ومن مقارب لهما, وكما يسمع البعض من أطباء الأبدان, فيحسن بهم أن يسمعوا من ورثة الأنبياء, أطباء القلوب, فأدويتهم نافعة بإذن الله, وقد ذكر العلامة ابن عثيمين بعضها في كتبه ومصنفاته, فمما ذكره من وسائل علاجها:
الالتزام بأحكام الشريعة:
قال الشيخ رحمه الله: الشريعة كُلُّ أحكامها تُزيلُ القَلَق والهمَّ والغَمَّ ... الشريعة كُلُّها لإزالة الهَمِّ والغَمِّ عن بني آدم، حتى يبقوا فرِحين مستبشرين دائمًا، وهذا كما أنه غذاء للقلب، فإنه غذاء للنفس والرُّوح، وفي نفس الوقت غذاء للبَدَن، فإن البَدَنَ يتمدَّد وتزُول عنه الآلام والأوجاع، إذا صار فرحًا مسرورًا ... وإدخال السرور والفرح أمرٌ ينتعش معه البَدَنُ، والقلب يطمئنُّ.
كثرة دعاء الله جل جلاله وسؤاله بإلحاحٍ وطَمَعٍ في الإجابة:
قال الشيخ رحمه الله: الواجب على مَنِ ابتُلي بمرض نفسي من وساوس وغيرها - أن يلجأَ إلى ربِّه عز وجل، ويُكثِرَ السؤال بإلحاحٍ وطَمَعٍ في الإجابة، وحُسْن ظنٍّ بالله عز وجل.
وسئل الشيخ: أشعر بعض الأحيان بالضيق والاكتئاب، فما العلاج مأجورين؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: هناك شيء ينتفع به المرء، وهو أن يقول ما جاءت به السنة{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: 87] هذه واحدة
الثاني: أن يقرأ حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «اللهم إني عبدُكَ، وابنُ عبدِكَ، وابنُ أَمَتِكَ، ناصيتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قضاؤكَ، أسالُكَ بكلِّ اسمٍ هو لَكَ، سمَّيْتَ به نفسَكَ، أو أنزلتَه في كتابِكَ، أو علَّمْتَه أحَدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ به في علم الغيب عندكَ - أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صَدْري، وجلاء حُزني وذَهاب همِّي».
وقال رحمه الله: وليُكثر أيضًا من هذا الدعاء: ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري
الإكثار من ذكر الله:
سُئِل الشيخ: ماذا يفعل الإنسان إذا أحسَّ بضيقٍ في نفسه؟
فأجاب رحمه الله: ليعلم أنَّ مَنْ أُصيبَ بمثل هذا ثمَّ أكثر من ذكر الله بلسانه وقلبه، فإنه لا بُدَّ أن تتغيَّر حالُه، ويطمئنُّ قلبُه لقول الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، لو أن الناس كثُر تعلُّقهم بالله سبحانه وتعالى وبذكره، لزالَتْ عنهم هذه الأمور.
وسُئِل الشيخ: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد، وجِّهُوني مأجورين؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: العلاج المناسب هو كثرة ذكر الله عز وجل؛ قال الله تعالى: { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28].
الإيمان والعمل الصالح:
قال الشيخ رحمه الله: الإيمان والعمل الصالح يطردُ الخوف، ويطردُ الحزن في الدنيا والآخرة؛ ولهذا كان أشرف الناس صدرًا، وأشدهم طمأنينة - أي: أشدهم طمأنينة في القلب - هم المؤمنين العاملون عملًا صالحًا؛ ولهذا قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالَدُونا عليه بالسيوف.
وقال رحمه الله: لا أحد أنْعَم بالًا ولا أشد انشراحًا في الصدر ولا أطيب نفسًا من المؤمن، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا ازداد صدرُه انشراحًا، وقلبُه طُمَأْنينةً، وصار لا يرى شيئًا يُحزِنُه إلا وفرح به رجاء ثوابه عند الله عز وجل...وقال رحمه الله: الطاعة لها تأثيرٌ بالغٌ على القلب وانشراح الصدر والسرور، والأُنْس والحياة الطيبة، أسألُ الله تبارك وتعالى أن يُعيننا جميعًا على ذكره وشُكْره وحُسْن عبادته.
وقال رحمه الله: من فوائد قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الأنعام: 84] أن كل محسن فإن الله تعالى يجعل له من كل هَمٍّ فرجًا.
وقال رحمه الله: قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [الطلاق:2-3-4] فهاتان آيتان تدلان على أن الإنسان كلما اتقى الله زالَتْ عنه الهموم وفُرِّجت عنه.
تناسي مصائب الماضي والاعتماد على الله في أمور المستقبل:
قال الشيخ رحمه الله: الإنسان في الحقيقة له ثلاث حالات: حالة ماضية، وحالة حاضرة، وحالة مستقبلة.
الماضية: يتناساها الإنسان، وما فيها من الهموم، انتهت بما عليه، إن كانت مصيبة، فقل: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، وتناساها.
حال مستقبلة: عِلْمُها عند الله عز وجل، اعتمد على الله، وإذا جاءتك الأمور فاطلُب لها الحلَّ، لكن الشيء الذي أمرك الشارع بالاستعداد له استعدَّ له.
وحال حاضرة: هي التي بإمكانك معالجتها، حاول أن تبتعد عن كل شيء يجلب الهمَّ والغمَّ والحزن، لتكون دائمًا مستريحًا، منشرح الصدر، مقبلًا على الله عز وجل، وعلى عبادته، وعلى شؤونك الدنيوية والأخروية، وإذا جربت هذا استرحْتَ، أما إن أتعبت نفسك بما مضى، أو بالاهتمام بالمستقبل على وجه لم يأذن به الشَّرْعُ، فاعلَم أنك ستتعب، ويفوتك خيرٌ كثيرٌ.
قراءة القرآن:
قال رحمه الله: هناك أمراض لا ينفع فيها الأدوية الحسيَّة مثل الأمراض النفسية، فلا ينفع فيها إلا القراءة، وليعلم أن الذي يشكُّ في قراءة القارئ أو في نفثه لا يستفيد.
البُعْد عن كل ما يجلب الاكتئاب والضيق:
قال رحمه الله: كل ما يحدث الندم للإنسان، فإن الشرع يأمرنا بالبُعْد عنه، ولهذا أصول منها: أن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا} [المجادلة: 10]، والله تعالى إنما أخبرنا بذلك من أجل أن نتجنَّب هذا الشيء، ليس مجرد خبر أن الشيطان يريد إحزاننا؛ بل المراد أن نبتعد عن كل ما يُحزِن؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا يتناجى اثنان دون الثالث، من أجل أن ذلك يحزنه» ؛ [متفق عليه]، فكُلُّ ما يجلب الحُزْن للإنسان فهو منهيٌّ عنه.
ثانيًا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر مَنْ رأى رؤيا يكرهها «أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من شرِّها، ومن شرِّ الشيطان، وينقلب إلى الجنب الثاني، ولا يُحدِّث بها أحدًا، ويتوضَّأ ويُصلِّي»؛ [متفق عليه].
كل هذا من أجل أن يطردَ الإنسان عنه هذه الهمومَ التي تأتي بها هذه المرائي؛ ولهذا قال بعض الصحابة: "لقد كنا نرى الرؤيا فنمرض منها، فلما حدَّثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، يعني: استراحوا" ولم يبق لهم همٌّ، فكل شيء يجلب الهمَّ والحزنَ والغَمَّ، فإن الشارع يريد منا أن نتجنَّبَه؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]؛ لأن الجِدال يجعل الإنسان يحتمي، ويتغيَّر فكرُه من أجل المجادلة، فيحصُل له همٌّ يُلْهيه عن العبادة، المهم اجعل هذه نصبَ عينيك دائمًا أن الله عز وجل يريد منك أن تكون دائمًا مسرورًا، بعيدًا عن الحزن.
عدم اليأس فالله جل جلاله على كل شيء قدير:
قال الشيخ رحمه الله: من آمن بأن الله على كل شيء قدير، فإنه يطرد عنه اليأس؛ لأن الإنسان قد يُصاب بمرض مثلًا فيَيْئَس مِن برئه بعد العلاج، فيُقال له: لا تيئس، إن الله على كل شيء قدير، وأنت إذا أراد الله أن يبقي المرض بك، فقد يكون خيرًا لك؛ لأنك تكسب من ورائه الثواب من الله عز وجل؛ لأنه لا يصيب المؤمن من همٍّ ولا غمٍّ ولا أذًى حتى الشوكة يُشاكها، إلَّا كفَّر الله به - يعني: من ذنوبه - فأنت لا تيئس إذا أصابك مرضٌ لا يُرجى زوالُه مثلًا، فإن الله على كل شيء قدير.
قول: قدر الله وما شاء فعل عند إصابة الإنسان بشيءٍ غير مرغوب:
قال الشيخ رحمه الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابَكَ شيءٌ فلا تقُل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» [أخرجه مسلم].
جزى الله عنا نبيَّنا خيرَ الجزاء؛ فقد بيَّن لنا الحكمة من ذلك؛ حيث قال: «فإن لو تفتح عمل الشيطان» أي: تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا، فلا تقل هكذا والأمر انتهى، ولا يمكن أن يتغيَّرَ عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تُخَلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت.
عدم الاهتمام بالدنيا:
سُئِل الشيخ: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: من العلاج ألَّا يهتمَّ الإنسانُ بأمور الدنيا، وألَّا يكون له همٌّ إلا الآخرة.
الصدقة وبذل المعروف:
قال الشيخ رحمه الله: من فضائل الصدقة أنها سبب لشرح الصدر وسرور القلب؛ لأن الإنسان كلَّما كثُر إنفاقُه في الخير، ازداد انشراحُ صدره للإسلام، وفرِح بذلك.
سُئل الشيخ: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟ فأجاب رحمه الله: من العلاج أن يكون الإنسان باذلًا لمعروفه، سواء ببذل المال، أو ببذل المنافع، وبذل البدن يساعد إخوانه، أو ببذل الجاه، فإن هذا يوجب انشراح الصدر.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: