عبادات تدفع الخوف والحزن
{وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وهذا أمر مجرب مشاهد أن الإنسان إذا أنفق يبتغي بها وجه الله انشرح صدره, وسرت نفسه, واطمأن قلب.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فتمرُّ بالإنسان أحداث ومواقف تجعله يحزن ويخاف, ومما يتمناه كل خائف وحزين أن تندفع عنه تلك المخاوف والأحزان ليعيش بسلام واطمئنان, وراحة بال, وقد ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم: القرآن العظيم, عبادات من قام بها دفعت عنه الحزن والخوف, منها:
اتباع هدى الله:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] فالله سبحانه جعل اتباع هداه وعهده الذي عهده إلى آدم سبباً ومقتضياً لعدم الخوف والحزن,...وهذا الجزاء ثابت بثبوت الشرط, مُنتفٍ بانتفائه...ونفي الخوف والحزن عن متبع الهدى نفي لجميع أنواع الشرور...ومتابعة هدى الله التي رتب عليها هذه الأمور هي: تصديق خبره من غير اعتراض شبهةٍ تقدحُ في تصديقه. وامتثال أمره من غير اعتراض شهوةٍ تمنع امتثاله. وعلى هذين الأصلين مدار الإيمان, وهما: تصديق الخبر, وطاعة الأمر. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ( فمن تبع هداي ) أي: أخذ به تصديقاً بأخباره, وامتثالاً لأحكامه...ومن فوائد الآية: أن من اتبع هدى الله فإنه آمن من بين يديه, ومن خلفه, لقوله تعالى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وقال العلامة السعدي رحمه الله: فمن اتبع هداه, حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى, وانتفى عنه كل مكروه من الخوف, والحزن, والضلال, والشقاء. فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب.
الإيمان والعمل الصالح:
قال عز وجل: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: 62] فالإيمان والعمل الصالح يجعل الإنسان يعيش في أمن, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الإيمان والعمل الصالح يطردُ الخوف, ويطردُ الحزن في الدنيا والآخرة, ولهذا كان أشرف الناس صدراً, وأنعمهم بالاً وأشدهم طمأنينة, أي: أشدهم طمأنينة في القلب هم المؤمنون العاملون عملاً صالحاً
ومن العمل الصالح الطارد للهموم والغموم: الإحسان إلى الناس بالصدقات وتفريج الكروب, قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274] وقال الله عز وجل { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262] قال الإمام الشوكاني رحمه الله: وقوله: ( ولا خوف عليهم ) ظاهره نفي الخوف عنهم في الدارين لما تفيده النكرة الواقعة في سياق النفي من الشمول, وكذلك ( ولا هم يحزنون ) يفيد دوام انتفاء الحزن عنهم.
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإنفاق يكون سبباً لشرح الصدر، وطرد الهم والغم لقوله تعالى: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وهذا أمر مجرب مشاهد أن الإنسان إذا أنفق يبتغي بها وجه الله انشرح صدره, وسرت نفسه, واطمأن قلب.
الإخلاص والمتابعة:
قال الله عز وجل: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] قال ابن عثيمين: من فوائد الآية: انتفاء الخوف والحزن لمن تعبد الله سبحانه وتعالى بهذين الوصفين وهما الإخلاص والمتابعة
وقال الله جل جلاله: { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام: 48] قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ( فلا خوف عليهم ) بوجه من الوجوه, ( ولا هم يحزنون) بحال من الأحوال. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله: { وَأَصْلَحَ} أي أصلح العمل وإصلاح العمل لا يتم إلا بأمرين الإخلاص لله....المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم...ومن جمع بين هذين الوصفين الإيمان والإصلاح فليبشر أنه لا خوف عليه ولا حزن.
تقوى الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي:
قال عز وجل{فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأعراف: 35]
وقال الله عز وجل: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] قال الإمام الشوكاني رحمه الله: أي: يؤمنون بما يجب الإيمان به, ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه, والمراد بنفي الخوف عنهم أنهم لا يخافون أبداً كما يخاف غيرهم, لأنهم قاموا بما أوجب الله عليهم, وانتهوا عن المعاصي التي نهاهم عنها, فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظن بربهم, وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب, لأنهم يعلمون أن ذلك بقضاء الله وقدره فيسلمون للقضاء والقدر, ويريحون قلوبهم عن الهم والكدر, فصدورهم منشرحة, وجوارحهم نشطة, وقلوبهم مسرورة.
الاستقامة على الطاعة:
قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13]
قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: ذهب كثير من الناس إلى أن معنى الآية: ثم استقاموا بالطاعات والأعمال الصالحات.
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: ( ولا هم يحزنون ) المعنى: أنهم لا يخافون من وقوع مكروه بهم, ولا يحزنون على فوات محبوب, وأن ذلك مستمر دائم.
فجاهد نفسك في القيام بها ليذهب عنك الخوف والحزن, أذهب الله الكريم الرحيم بمنه وفضله عنك المخاوف والأحزان, وحفظك من كل سوء ومكروه.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: