آيات من القرآن أثرت في أولياء الرحمن - 2
عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت: ( لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون ) [آل عمران:92] دعا ابن عمر رضي الله تعالى عنه، جارية له فأعتقها.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
آيات من القرآن جعلت عباد الرحمن ينفقون في سبيل الله:
* سمع أبو الدحداح رضي الله عنه, قوله تعالى: ( { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون } ) [البقرة:245] فقال: أو يقبل الله منا القرض, فتصدق ببستان له فيه ستمائة نخلة.
* عن مخلد بن الحسن عن هشام بن حسان, قال: خرجنا حجاجاً, فنزلنا منزلاً في بعض الطريق, فقرأ رجل كان معنا هذه الآية: ( {لها سبعة أبواب} ) [الحجر:44] فسمعته امرأة, فقالت: أعد رحمك الله, فأعادها, فقالت: خلفت في البيت سبعة أعبد, أشهدكم أنهم أحرار, لكل باب واحد منهم.
* عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت: ( {لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون} ) [آل عمران:92] دعا ابن عمر رضي الله تعالى عنه، جارية له فأعتقها.
* عن أنس رضي الله عنه, قال: كان أبو طلحة رضي الله عنه, أكثر الأنصار مالاً من نخل, وكان أحب أمواله إليه بيرحاء, وكانت مستقبلة المسجد, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب, فلما أنزلت: ( {لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون} ) [آل عمران:92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال: يا رسول الله, إن الله تبارك وتعالى يقول: ( {لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون} ) وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء, وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله, فضعها يا رسول الله حيث أراك الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( « بخ ذلك مال رابح, وإني قد سمعت ما قلت, وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» ) فقال أبو طلحة: افعل يا رسول الله, فقسمها في أقاربه وبني عمه.[متفق عليه]
آية من القرآن جعلت الصديق يعفو عن مسطح, رضي الله عنهما:
كان أبو بكر الصديق ينفق على ابن خالته مسطح رضي الله عنهما, فلما وقع مسطح في عرض عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك, حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق عليه, فلما نزل قول الله عز وجل : {ولا يأتل أُلوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أُولى القُربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [ [النور:22] قال أبو بكر رضي الله عنه : بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا, ثم صار ينفق على مسطح.
آية من القرآن جعلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعفو عمًن جهل عليه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة, فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس, وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر, وكان القرَّاءُ أصحاب مجالس عمر ومشاورته كُهولاً أو شباناً, فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي, لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه, قال: سأستأذن لك عليه, قال ابن عباس: فاستأذن الحرُّ لعيينة, فأذن له عمر, فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب, فوالله ما تعطينا الجزل, ولا تحكم بيننا بالعدل, فغضب عمر حتى همَّ به, فقال له الحر: يا أمير المؤمنين, إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف:199] وإن هذا من الجاهلين, والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه, وكان وقافاً عند كتاب الله.[أخرجه البخاري]
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: فهذه الآية ينبغي للإنسان أن يسير عليها في معاملة الناس, فيأخذ ما سهل من أخلاقهم وأفعالهم ومعاملتهم معه, ويأمر بالعرف, ويدلهم على ما فيه الخير والرشاد, ويُعرض عن الجاهلين.
آية من القرآن جعلت ثابت بن قيس رضي الله عنه يخاف, ويلزم بيته:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } ﴾ [الحجرات: 2] إلى قوله: ﴿ {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} ﴾ [الحجرات: 2]، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنتُ أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي، أنا من أهل النار، وجلس في بيته حزينًا، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ فقال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي، وأجهر بالقول حبط عملي، وأنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال: ( «لا، بل هو من أهل الجنة» )؛ [متفق عليه]قال العلامة العثيمين رحمه الله في هذا دليل على أن الخوف قد تكون عاقبته خيرًا فهذا الرجل خاف أن يكون من أهل النار؛ لأنه كان جهوري الصوت وكان أحد خُطباء النبي صلى الله عليه وسلم, وكان فصيحًا بليغًا رضي الله عنه فلما نزلت هذه الآية فلشدة خوفه من الله عز وجل احتبس في بيته يبكي، حتى كان لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ففقده النبي علية الصلاة والسلام، وسأل عنه فقال رجل: أنا أُخبرك خبره فذهب إليه، فقال: ما الذي حبسك؟ قال: (شر) يعني: بحسب ظنه لا بحسب الواقع, وهو أنه كان يرفع صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم فخاف أن يحبط عمله وهو لا يشعر هكذا قال الرجل، فأخبر الرجل النبي صلى الله عليه وسم بذلك ولكنه بشَّرهُ هذه البشارة العظيمة قال له: (إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة) وقال في رواية (أما ترضى أن تعيش حميدًا وتُقتل شهيدًا وتدخل الجنة) وقُتل رضي الله عنه شهيدًا في غزوة اليمامة
آية من القرآن جعلت معقل بن يسار رضي الله عنه, يُعيدُ أخته إلى زوجها:
عن الحسن رضي الله عنه قال: حدثني معقل بن يسار قال: زوجتُ أختًا لي من رجل، فطلَّقها، حتى إذا انقضَتْ عِدتُها جاء يَخطبها، فقلت له: زوَّجتُك وأفْرَشتُك وأكرمتُك، فطلَّقتها ثم جئتَ تخطبها؟ لا والله لا تعود إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريدُ أن ترجع إليه، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: ﴿ { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} ﴾ [البقرة: 232]، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه، فترك الحَمِيَّة واستقاد لأمر الله؛ [أخرجه البخاري]، وفي رواية: فلمَّا سمِعها معقل قال: سمعًا لربي وطاعةً، ثم دعاه، فقال: أُزوجك وأُكرمك؛ [أخرجه الترمذي]
آية من القرآن مرض منها عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
* سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه, رجلاً يتهجد في الليل, ويقرأ سورة الطور, فلما بلغ إلى قوله تعالى: {إن عذاب ربك لواقع * ما له من دافع} [الطور:7-8] قال عمر: قسم ورب الكعبة حق, ثم رجع إلى منزله, فمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.
آيات من القرآن جعلت الصحابيات يرتدين الحجاب ويغطين وجوههن:
عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما, قالت: والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار, أشد تصديقاً بكتاب, ولا إيماناً بالتنزيل, لقد أنزلت سورة النور: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل إليهن فيها, ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة, ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله في كتابه, فأصبحن يصلين وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح متعجرات, كأن على رؤوسهن الغربان.[ أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير]
وعنها رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول, لما أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [النور: 31] شققن مروطهن فاختمرن بها.[متفق عليه] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قولها: ( فاختمرن ) أي: غطين وجوههن, وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع, قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها, وتكشف ما قدامها, فأمرن بالاستتار.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وقوله: {بخمرهن على جيوبهن }أي: بحيث يكون الخمار نازلاً من الرأس على الوجه على الجيب, لأجل أن يستر الوجه والنحر سترً كاملاً.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت: {يدنين عليهن من جلابيبهن}[الأحزاب:59] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية.[أخرجه أبو داود]
وختاماً فحري بكل مسلم أن لا يمضي يوم بدون أن يقرأ شيئاً من القرآن, فذلك من أعظم الأعمال التي يتقرب العبد بها إلى الله, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل: كثرة تلاوة القرآن, وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم, قال خباب بن الأرت لرجل: تقرَّب إلى الله ما استطعت, واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيءٍ هو أحبُّ إليه من كلامه.
وهذه العمل متاجره عظيمه في الدنيا والآخرة, قال الإمام الآجري رحمه الله: وقد أعلم الله تعالى خلقه أن من تلا القرآن, وأراد به متاجرة مولاه الكريم, فإنه يربحه الربح الذي لا بعده ربح, ويعرفه بركة المتاجرة في الدنيا والآخرة.
ومن أراد التلذذ بالقرآن فليجتنب الأمور التي تمنعه من ذلك, قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: من موانع فهم القرآن والتلذذ به: أن يكون التالي مصراً على ذنب, أو متصفاً بكبر, أو مبتلى بهوى مطاع, فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: اعلم أن للغناء خواص,...فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره, والعمل بما فيه, فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً, لما بينهما من التضاد, فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى, ويأمر بالعفة, ومجانبة شهوات النفوس, وأسباب الغي وينهى عن اتباع خطوات الشيطان والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه ويُهيج النفوس إلى شهوات الغي, فيثير كامنها, ويزعج قاطنها, ويحركها إلى كل قبيح.
ومن أراد السعادة والهداية والراحة النفسية وحياة القلب والشفاء من جميع الأدواء فعليه بتلاوة القرآن بحضور قلب, ليصل القرآن إلى القلب, فتتحرك فيه الحياة, فتقع الآيات فيه موقعاً عظيماً, وتعمل فيه عملاً عجيباً, وشواهد الواقع تدل على ذلك.
قال الشيخ بدر بن ناصر البدر في كتابه" التأثير بالقرآن والعمل به" نقلاً عن كتاب خصائص القرآن للدكتور فهد بن عبدالرحمن الرومي : فكم من مسلم إذا تكالبت عليه الهموم توضأ وتطهر, ثم انتحى زاوية في بيته, وأخذ المصحف يتلو ويتلو, فتنزاح عنه الهموم وتنجلي, فيقوم كأنما نشط من عقال, وكم من مسلم اضطجع على جنبه الأيمن عند نومه, وقرأ على نفسه آيات, يبتغي بها رضى ربه والالتجاء إليه, فينام قرير العين, أمناً بحفظ الله ورعايته, وكم من مسلم أصابته الوحشة, واستولى عليه الخوف, فآنس نفسه بآيات فوجدها نعيم الأنيس, أزالت وحشته, وأذهبت خوفه, وكم من مسلم اضطرب وارتعد, فتلا آيات فأنزل الله عليه سكينته, وآمن روعته, وكم من مسلم التمس الشيطان إلى قلبه سبيلاً, وألقى إليه بالشبهات والشكوك, فما تكاد تنقدح شرارتها حتى يدعوه داعي الإيمان إلى ترتيل آيات من القرآن فتقضي على كل شبهة, وتقطع كل شك فيعود قلبه مطمئناً, وكم من مسلماً ناله الفقر ومسه الجوع, فوجد في القرآن غناه, وفي تلاوته غذاءه, وكم من مسلم كاد أن يطغيه غناه, وتذهب به بهجته, فأنقذه الله بالقرآن يتلوه, فانكشف الستار, وتذكر نعمة ربه فابتغى ما عند الله بما عنده, فإن جرب أحد شيئاً من هذا فاستعصى عليه, أو لم يجد فلينظر في حاله, وليفتش عن العلة في نفسه فإنه من قبله هو أتي.
وقال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: خلق كثير لا يحصيهم إلا رب العالمين سبحانه وتعالى, زالت أمراضهم, وشفيت أسقامهم بسماعه, والاستشفاء به, والقصص في هذا كثيرة جداً, وكثير من الناس يتحدث أن هدايته بسبب آيةٍ واحدةٍ سمعها وأخذ يرددها, ويُجيلها في نفسه, وتتكرر في قلبه, حتى جعل الله سبحانه وتعالى فيها هدايته وصلاحه.
جاء في كتاب " ليدبروا آياته " المجموعة الأولى, ص:86: أحد الشباب كان يعاني من تعلقه ببعض الفواحش, وكان يجد شدة في تركها, حتى أذن الله بذهاب حبها من قلبه بسبب تدبره لقوله تعالى _ عن يوسف عليه السلام : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) [يوسف:24] فرجع لنفسه وقال: لو كنت مخلصاً لأنجاني ربي كما أنجى يوسف, ولم يمض وقت طويل حتى صار هذا الشباب أحد الدعاة إلى الله.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب غمومنا.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: