نحن ورمضان والقرآن

منذ 2021-04-14

وقال سفيان : كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه .[ انظر اللطائف359،360 ]

قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة [ النسائي و الحاكم ] ، وقال ابن جرير : نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه .

في ليلة السابع عشر من رمضان نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم بأول كلمات النور :

{اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم}

قبل هذا النزول وتشريف الرسول صلى الله عليه وسلم والأمة بالبعثة والرسالة كان الناس في عماية, وطلاب الحق في الأرض يومئذ قليل, وبقايا الرسالات السابقة والأخبار الحقيقية نادرة شحيحة, حتى أن عداس رضي الله عنه أسلم بمجرد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لاسم وبلدة النبي الصالح يونس بن متى لخفاء مثل هذه المعلومات على قلتها في سائر جزيرة العرب.

وفي قصة إسلام سلمان الفارسي وما قاساه من سفر وارتحال للحصول على الحقيقة وما أخبرنا عنه من ندرة أهل الحق قبل البعثة وقلة العلم واندثار الحقائق من الأرض ما يؤكد أن القرآن نزل لينتشل الناس من ظلام دامس ويبث في القلوب والعقول نوراً غير مسبوق ومنهج كامل يفسر ما كان وما سيكون وسبيل النجاة.

وقد أوضح القرآن هذه المعاني بأجمل بيان حين قال تعالى:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ۖ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} المائدة

قال السعدي في تفسيره:

يدعو تبارك وتعالى أهل الكتاب -بسبب ما من عليهم من كتابه- أن يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويشكروا الله تعالى الذي أرسله إليهم على حين { {فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ} } وشدة حاجة إليه. وهذا مما يدعو إلى الإيمان به، وأنه يبين لهم جميع المطالب الإلهية والأحكام الشرعية. وقد قطع الله بذلك حجتهم، لئلا يقولوا: { {مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } } يبشر بالثواب العاجل والآجل، وبالأعمال الموجبة لذلك، وصفة العاملين بها. وينذر بالعقاب العاجل والآجل، وبالأعمال الموجبة لذلك، وصفة العاملين بها. { {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } } انقادت الأشياء طوعا وإذعانا لقدرته، فلا يستعصي عليه شيء منها، ومن قدرته أن أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأنه يثيب من أطاعهم ويعاقب من عصاهم.

حالنا مع القرآن وحال السلف الصالح:

لأننا ولدنا في نعمة لم يشعر الكثير من أبناء الإسلام بقيمتها الحقيقية, فبعد أن كان يسافر طالب الحق من البلدان ليعلم فقط بعض من أخبار يوسف عليه السلام , ثم تأتيه غير كاملة, إذا به يفتح المصحف اليوم بكل سهولة ليقرأ قصة يوسف بكل تفاصيلها حتى نهايتها.

وكذا بعد التخبط الهائل في أصول العقائد وادعاء ألوهية بعض الرسل أو نسبتهم إلى الله نسبة الولد للوالد وغير هذه الانحرافات, ها هو القرآن يوضح لنا العقيدة بكل تفاصيلها بكل يسر ووضوح بيان.

وبالرغم من ذلك نجد الإعراض وقلة الإقدام والزهد في القرآن وفي العلم عموماً , وبالكاد يكاد يتفاخر البعض أنه يقرأ القرآن في رمضان ثم يزهد فيه باقي العام؟؟؟!!!!

أما حال أئمتنا وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فغير حالنا بكثير:

عن ابن عباس قال « كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»

[ البخاري 6 مسلم 2308 ].

وفي حديث فاطمة رضي الله عنها «عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة و أنه عارضه في عام وفاته مرتـــين » [ البخاري 3624 و مسلم 2450 ] 

أما الصحابة رضي الله عنهم فلم يتلقوا القرآن تلقيًا باردًا، بل تلقوه للعمل، وأخذوا به على أنهم هم المعنيون، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت الله جل وعلا في كتابه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك» يعني: أصغ إليها وأعطها أذنك «فهي إما خير تُؤمر به أو شر تُنهى عنه»  .

الصحابة رضي الله عنهم فاقوا الأمة في جوانب عديدة، من ذلك قراءتهم للقرآن؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم لازموا قراءة هذا القرآن، فكان أحدهم يلقى أخاه في الطريق فيقول: اجلس بنا نؤمن ساعة، فيقرأ أحدهم على الآخر سورة العصر، وكانوا إذا اجتمعوا- كما ثبت عنهم رضي الله عنهم- جعل أحدهم يقرأ والبقية يستمعون للقرآن، فالقرآن كان مخالطًا لحياتهم؛ في قلوبهم، في مجالسهم، في تذكرتهم وموعظتهم، فالقرآن دخل معهم في كل أمر، وكانوا رضي الله عنهم مقترِنين به، مقبِلين عليه، مشتغِلين به عن غيره، فلذلك فاقوا غيرهم في الفقه، وفاقوا غيرهم في العمل، وفاقوا غيرهم في الجهاد، وفاقوا غيرهم فيما كتب الله على أيديهم من النصر، كل هذا كان بسبب ما كانوا عليه من تعاهد القرآن والإقبال عليه، والأخذ به، والاستكثار منه..

إن الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم يقرأ القرآن في مجلسه، ويقرأ القرآن في صلاته، وفي طريقه، وفي كل شأنه، وقد كان عثمان رضي الله عنه ليلة مقتله تاليًا لكتاب الله جل وعلا، حتى إنه ذُكر أن الذي قتله- عليه من الله ما يستحق- قتله وكان في يديه كتاب الله جل وعلا.

وعلى دربهم سار التابعين ومن بعدهم من علماء الأمة وصالحيها, فهذا عثمان بن عفان يقول: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، لكن ما رأيت أشد مواظبةً على الخير وقراءة القرآن والعمل لله تعالى منه، رضي الله عنه.

وقال آخر: ما رأيت أحسن انتزاعًا لما أراد من آي القرآن من أبي سهيل بن زياد، وكان جارنا، وكان يديم صلاة الليل والتلاوة، فلكثرة درسه صار القرآن كأنه بين عينيه، يعني في الاستشهاد والاستفادة مما في هذا القرآن من الأحكام.

يقول أيضًا آخر في وصف ما كان عليه مالك بن أنس إمام دار الهجرة: قيل لأخت مالك بن أنس: ما كان شغل مالك بن أنس في بيته؟ قالت: المصحف والتلاوة. 

وحالهم  مع القرآن في رمضان كان عظيماً:

كان الزهري إذا دخل رمضان يقول : إنما هو قراءة القرآن و إطعام الطعام .
قال ابن الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم .
قال عبد الرزاق : كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن .
وقال سفيان : كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه .[ انظر اللطائف359،360 ]

وكانت لهم مجاهدات من كثرة الختمات رواها الأئمة الثقات الأثبات رحمهم الله .
كان الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين ، وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة ، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة ، وقال ربيع بن سليمان : كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة ، وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء ، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ، وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب و العشاء في كل ليلة من رمضان ، قال مالك : و لقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين في رمضان قال : كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة . [ البيهقي في الشعب] قال النووي : وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان ، و تميم الداري ، و سعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة [ التبيان 48 ][وانظر اللطائف 358-360 و صلاح الأمة 3/5-85 ]
قال القاسم عن أبيه الحافظ ابن عساكر : كان مواظبا على صلاة الجماعة و تلاوة القرآن ، يختم كل جمعة و يختم في رمضان كل يوم [ سير أعلام النبلاء20/562 ]

وأخيراً :

هيا بنا نقبل على كتاب الله إقبال مؤمن  مصدق عامل بما فيه. 

 

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 3
  • 1
  • 4,684

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً