صوم اللسان
احذَرْ لسانَك أيها الإنسانُ *** لا يَلدغنَّك إنه ثعبانُ
قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
♦ إذا أحَبَّ الله عبدًا ورضي عنه، وفَّقه للخير، وسدَّد خطاه في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، حتى إنه ليفعل الشيء أو يتكلم الكلمة لا يُلقي لها بالًا فيُرفَع بها الدرجات.
♦ وإذا أبغض الله العبد وسخط عليه، خذَلَه في كل موقف، وتخلَّى عنه في كل شدة، حتى إنه لَيفعلُ الشيء أحيانًا غير مفكِّر في عاقبته، فيهوي في النار سبعين خريفًا.
فقد صح عن رسول الله أنه قال: «إن العبد لَيتكلَّمُ بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد لَيتكلَّمُ بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم» [1]، وهذا الحديث يوضح أن العبد المشمول برضوان الله موفَّقٌ ومسدَّد، وأن العبد المغضوب عليه من ربِّه مخذولٌ ومؤاخذ.
وللِّسان صيامٌ خاص يَعرِفه الذين هم عن اللغو معرِضون، ويعرفه عباد الرحمن الذين لا يشهدون الزُّور، وإذا مرُّوا باللغو مرُّوا كرامًا، وصيام اللسان دائمٌ في رمضان وفي غير رمضان، ولكن اللسان في رمضان يتهذب ويتأدب؛ فقد صح عن رسول الله أنه قال لمعاذ رضي الله عنه: «أَمسِكْ عليك هذا»، وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: وإنَّا لَمؤاخَذون بما نتكلَّم يا رسول الله؟! فقال عليه الصلاة والسلام: «ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم»؟!؛ لذلك فخطر اللسان عظيم ليس له حد، ولا لمنتهاه رد.
جعل صدِّيقُ الأمَّة يأخذ بلسانه ويبكي ويقول: هذا الذي أورَدَني الموارد. وجعل ابن عباس يخاطب لسانه ويقول: "يا لسان، قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن شرٍّ تَسلَم".
فاللسان سبع ضارٍ، وثعبان ينهش، ونار تلهب.
وصدق القائل:
احذَرْ لسانَك أيها الإنسانُ *** لا يَلدغنَّك إنه ثعبانُ
لما تأدَّب قوم بالكتاب والسُّنة صوَّموا ألسنتهم، ووزَنوا ألفاظهم، واحترموا كلامهم، فكان نطقُهم ذِكرًا، ونظرُهم عِبرًا، وصَمْتُهم فكرًا، ولما خاف الأبرار من لقاء الواحد القهار، أعمَلوا الألسنة في ذكره وشكره؛ لأنهم تعلَّموا قوله سبحانه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114].
فوائد حفظ اللسان:
♦ الجنة لمن حفظ لسانه: لقوله عليه الصلاة والسلام: «من يَضمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين فخذيه، أضمنْ له الجنة».
♦ النجاة: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كيف النجاة؟ قال: «أَمسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتك» [2].
♦ الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمُتْ» [3].
♦ حفظ بقية الجوارح: فمَن حَفِظَ لسانه حَفِظ جوارحه، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلَّها تُكفِّرُ اللسانَ، تقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا» [4].
♦ كيف يصوم من أطلق لِلسانه العنان؟! كيف يصوم من لعب به لسانُه، وخدعه كلامه، وغرَّه منطقه؟! كيف يصوم من كذب واغتاب، وسب وشتم ونسي يوم الحساب؟!
كيف يصوم من شهد الزور، ولم يكُفَّ عن المسلمين الشرور؟! فقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن: ((المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده)).
♦ كم من صائم أفسد صومه يوم فسد لسانه، وساء منطقه، واختلَّ لفظُه! ليس المقصود من الصيام الجوع والظمأ؛ بل التهذيب والتأديب.
أقوال في حفظ اللسان:
يقول ابن مسعود: "ما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان".
يقول أبو الدرداء: "أنصِفْ أُذنيك مِن فيك؛ فإنما جُعلتْ لك أذنان وفمٌ واحد لِتسمعَ أكثرَ مما تتكلم به".
وقال مخلد بن الحسين: ما تكلمت منذ خمسين سنة بكلمة أريد أن أعتذر منها.
وهذا قليل من كثير، فاحرص على استجلاب رضوان الله ومحبته، وتفكَّر في عاقبة الكلمة قبل النطق بها، وتذكَّر - أيها الصائم - أن كلمة واحدة تُفسِد صومك، وتكون سببًا في دخولك النار، وأن كلمة واحدة قد تكون سببًا في دخولك الجنة.
واجب عملي:
اجعل من شهر رمضان فرصة لتدريب اللسان على الصوم عن فحش القول، والاشتغال بذكر الله تعالى، ولا تكثر من الكلام في المجالس؛ فإن من كثُر كلامُه كثُر خطؤه.
حكم النون والميم المشددتين:
الحرف المشدَّد: أصله مكوَّن من حرفين؛ الأول منهما ساكن، والثاني متحرك، فيُدغَم الحرف الساكن في الحرف المتحرك، بحيث يصيران حرفًا واحدًا كالثاني مشدَّدًا، والنون والميم المشددتان إمَّا أن يكونا متوسطتين أو متطرفتين، وإما أن يكونا في اسم أو فعل أو حرف.
♦حكمها: إذا وقعت النون والميم مشددتين، وجب إظهارُ الغُنَّة فيهما حال النطق بهما، ويسمَّى كل حرف منهما حرفَ غنةٍ مشدَّدًا.
♦تعريف الغنة: لغة: صوتٌ له رنين في الخيشوم.
اصطلاحًا: صوت لذيذ مركب في جسم النون، لا عمل للسان فيه، وقيل: إنه شبيه بصوت الغزالة إذا ضاع ولدها.
• مخرج الغنة: تخرج من الخيشوم، وهو أعلى الأنف.
• مقدارها: مقدار الغنة حركتان بحركة الإصبع قبضًا أو بسطًا.
• أمثلة: (ويمنِّيهم) - (إنَّ) - (أمَّتكم) - (ثمَّ).
♦كيفية النطق بالغنة: هي تابعة لما بعدها تفخيمًا وترقيقًا، فإذا كان ما بعدها حرف استعلاء فُخِّمت مثل (ينطقون)، وإن كان ما بعدها حرف استفال رُقِّقت مثل (ننسخ).
علوم القرآن:
المكي والمدني:
للعلماء في تعريف المكي والمدني أقوال، والراجح منها أن:
المكي: هو ما نزل قبل هجرة النبي إلى المدينة، وإن كان قد نزل خارج مكة. كما حدث في نزول قول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ ﴾ [الأحقاف: 29]، فإنها نزلت بموضع يدعى نخلة على مسيرة ليلة من مكة، أثناء رجوع النبي من رحلة الطائف.
المدَني: فهو ما نزل بعد الهجرة، وإن كان نزوله في غير المدينة، حتى لو كان بمكة، مثل آية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، فإنها نزلت في شأن عثمان بن طلحة عام الفتح في جوف الكعبة، لما أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مفتاحها منه ثم ردَّه إليه.
فوائد معرفة المكي والمدني:
1) معرفة الناسخ من المنسوخ.
2) معرفة تاريخ التشريع وتدرجه، حتى أخذ المكلفين بما كلفهم به.
3) الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية.
4) تذوق أساليب القرآن، والاستفادة منها في الدعوة إلى الله تعالى؛ حيث يدرك الدارس مراعاة القرآن لأقوال المدعوِّين، وأن لكل مقام مقالًا.
5) الثقة بالقرآن الكريم، وبوصوله إلينا سالمًا من أدنى تحريف؛ نظرًا لاهتمام المسلمين به كل هذا الاهتمام، حتى قال ابن مسعود: "والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمَ نزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلُغُه الإبلُ لَركبتُ إليه"[5].
كيف تحفظ القرآن؟
حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك:
مما يعين على الحفظ أن يجعل لنفسه مصحفًا خاصًّا لا يغيره مطلقًا؛ وذلك أن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع، وذلك أن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة والنظر، فإذا غيَّر الحافظ مصحفه أدى ذلك إلى تشتيت الذهن، ويصعب عليه الحفظ جدًّا؛ لذا كان الأفضل الالتزام بمصحف واحد، ويفضَّل المصحف الذي تبدأ صحفاته بآية وتنتهي بآية.
[1] رواه البخاري عن أبي هريرة (6478).
[2] رواه الترمذي (2448)، وأحمد (17122).
[3] رواه البخاري (6018)، ومسلم (136).
[4] رواه الترمذي (2449) وأحمد (11653).
[5] رواه البخاري (5002).
___________________________________________________
الكاتب: عصام محمد فهيم جمعة
- التصنيف:
- المصدر: