مسائل في صدقة الفطر

منذ 2021-05-07

الأمور الشائعة في "مسائل صدقة الفطر"

مسائل في صدقة الفطر

بسم الله الرحمن الرحيم


1 ) صدقة الفطر؛ أي: الصّدقة التي سببُها الفطر من رمضانَ من باب إضافة الشيء إلى وقته، وهي متعلقةٌ بالأبدان، بخلاف زكاة الأموال فإنّ تعلقها بالأموال، وهي الصَّدقة التي تُخرج في آخر رمضان، في ليلة عيد الفِطر، وصباح عيد الفِطر قبل خروج النّاس إلى صلاة العيد، وقد فُرضت في السنّة الثّانية من الهجرة مع فرض الصّيام.

2 ) حكمها الوجوب: وهو قول عامّة أهل العلم لحديث ابن عمر في الصّحيحين، قال: "فَرَض رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم - زكاةَ الفِطر مِن رمضان على النّاس، صاعًا مِن تمرٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ، على كلِّ حُرٍ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى مِن المسلمين"، وذهب نفرٌ قليلٌ من أهل العلم إلى القول بسنيّتها وهو محجوج بالدّليل.

3 ) الحكمة من فرضها: ما نصّ عليه حديث ابن عبّاسٍ عند أبي داود وغيره بإسنادٍ حسنٍ: "فرَض رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم - زكاةَ الفِطر؛ طُهرةً للصَّائم مِن اللَّغو والرَّفث، وطُعمةً للمساكين "، فهي طهرةٌ للصائم من اللغو والرّفث وما يعتري الصّوم من خلل ونقص، وكذا طعمة للمساكين لإغنائهم عن السّؤال يوم العيد.

4) يُشترط لوجوب إخراجها شرطان: الإسلام، والقدرة المالية على إخراجها فلا واجب مع العجز، فتسقط بعدم القدرة عليها.

5 ) يجب على الرّجل إذا كان غنيًّا أن يؤديَها عن نفسه، وعن كلِّ مَن له ولاية عليه؛ وهم ابنه الصّغير وابنته الصغيرة وابنه الكبير إذا كان مجنونًا؛ لأنَّ هؤلاء جميعًا له حق التصرُّف في أموالهم بما يعود عليهم بالنَّفع بدون إذنهم، هذا في حالة كونهم فقراء، أمَّا في حالة كونهم أغنياء فإنّه يخرجها من أموالهم، وخالف بعض أهل العلم في ذلك فقالوا: بعدم وجوبها عن الغير، وإنّما يخرجها الشّخص عن نفسه إن قدر عليها لضعف الأدلة الواردة في ذلك وله حظٌ قويٌ من النّظر.

6 ) وقت وجوب زكاة الفطر عند الحنفيّة والمالكيّة هو طلوع فَجر يوم العيد، واستدلُّوا لذلك بما روي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: أنَّ النبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - أمَر بزكاة الفِطر قبل خروج النّاس إلى الصَّلاة، متفق عليه،
وذهب المالكيَّةُ في قولٍ، والشافعيَّة في المختار، والحنابلة في المعتمد، أنَّ وقت وجوب زكاة الفِطر هو بغروب شمس آخر يوم مِن رمضان، وهو الرّاجح.

7 ) تظهر ثمرة الخِلاف فيمن مات أو وُلد أو أسلم بعد غروب شمس آخر يوم مِن رمضان؛ فمن مات بعد غروب الشمس عند الشافعيَّة والحنابلة و المالكيَّة في قولٍ لهم تُخرج عنه صدَقة الفطر؛ لأنَّه كان موجودًا وقت وجوبها، ومن مات قبل غروب الشمس ليلة العيد، لم تجب فطرته لأنّه مات قبل وجود سبب الوجوب، ومن وُلد أو أسلم بعد غروب شمس ليلة العيد لم تجب فطرته، فلا بدّ أن يدرك جزءاً من رمضان وجزءاً من شوال حتى تجب عليه؛ لأنّ سببها الفطر والصّوم، قال ابن حجرٍ الهيتمي في المنهاج القويم: "وتجب زكاة الفطر بشروط" منها: "إدراك" وقت وجوبها بأن يكون حيًّا بالصفات الآتية عند "غروب الشمس ليلة العيد" بأن يدرك آخر جزء من رمضان، وأول جزء من شوال؛ لإضافتها إلى الفطر في الخبر، وأيضًا فالوجوب نشأ من الصوم، والفطر منه، فكان لكل منهما دخل فيه، فأسند إليهما دون أحدهما لئلا يلزم التّحكم، فلا تجب بما يحدث بعد الغروب من ولد، ونكاح، وإسلام، وغنى، وملك قنّ، ولا تسقط بما يحدث بعده من نحو موت، ومزيل ملك كعتق، وطلاق ولو بائنًا، أو ارتداد وغنى قريب، ولو قبل التمكن من الأداء؛ لتقررها وقت الوجوب. انتهى كلامه.
وعند الحنفيَّة وفي القول الثّاني للمالكيَّة من مات بعد غروب الشّمس لم تُخرج عنه صدقة الفِطر؛ لأنّه لم يكن موجودًا وقت الوجوب،
ومَن وُلد بعد غروب آخر يوم مِن رمضان أو أسلم تُخرج عنه صدقة الفِطر؛ لأنَّه كان موجودًا وقت وجوبها.

8 ) وقت إخراج صدقة الفطر قبل خروج النّاس لصلاة العيد فمن أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات لحديث ابن عبّاس عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - وفيه: "مَن أدَّاها قبلَ الصّلاة فهي زَكاة مَقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدَقة مِن الصَّدقات، رواه أبو داود وغيره وحسّنه غير واحدٍ من أهل العلم، وكذا حديث ابن عمر في الصحيحين وفيه: "وأمر بصدقة الفطر قبل خروج النّاس إلى الصلاة ".

9) عامّة أهل العلم على وجوب إخراجها بعد الصّلاة إن لم يخرجها قبل الصّلاة لتعلق حق الفقراء بها، ويأثم بتأخيرها لغير عذرٍ؛ أي: أنّها لا تسقط بخروج وقتها، ونص الحديث أنّها اذا أُخّرت بعد الصّلاة لغير عذرٍ فهي صدقة من الصّدقات وليس زكاةَ فطرٍ، فيجب المصير إليه إذا لم يكن ثمّة عذر.

10) يجوز إخراج صدقة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين لحديث ابن عمر عند البخاري: "أنَّه كان يُعطيها الّذين يَقبَلونَها، وكانوا يُعطُونَ قبل الفِطرِ بِيَومٍ أو يومينِ "، وهو مذهب المالكية والحنابلة وقول عند الأحناف خلافاً للشّافعيّة.

11 ) أفضل وقتٍ لإخراجها هو قبل الخروج لصلاة العيد، وتجوز ليلته وقبله بيوم أو يومين لحديث ابن عمر المتقدم.

12 ) المقدار الواجب إخراجه عن الفرد صاع من غالب قوت البلد مثل الأرز والعدس والفاصولياء والفريكة والبرغل والحمص والفول والمعكرونة وغير ذلك ممّا يقتاته النّاس، وإنّما خْصّت الأصناف الأربعة بالذّكر في الحديث لأنّها كانت طعام النّاس في عهد النّبي - صلّى الله عليه وسلّم -.

13) مقدار الصاع أربعة أمداد، والمدّ ملء كفَّي الرّجل المعتدل غير قابضهما ولا باسطهما.

14) يتراوح وزن الصاع ما بين اثنين كيلو إلى اثنين كيلو ونصف وقد يزيد وينقص حسب الصّنف وثمّة نشرات بينت مقدار وزن الصاع من غالب الأصناف التي يخرجها النّاس.

15) عامّة أهل العلم على عدم جواز أخراج القيمة من النقود في صدقة الفطر، قال ابن قدامة في المغني:
"وظاهر مذهبه أنّه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات، وبه قال مالك، والشّافعي، وقال الثوري، وأبو حنيفة: يجوز، وقد رُوي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، والحسن، وقد رُوي عن أحمد مثل قولهم، فيما عدا الفطرة.

16) من الطّوام المنتشرة عند العوام أنّهم يخرجون زكاة الفطر نقودًا لمصلحة الفقير - كما يزعمون - ويخرجون زكاة المال طرودًا غذائيّة وأقواتاً ! ولا ندري أين ذهبت مصلحة الفقير عند إخراج زكاة المال طروداً غذائية؟!

17) عامّة السّلف والخلف من العلماء على عدم إجزاء النقود في صدقة الفطر خلا عددٍ يسيرٍ ممّن أجازها نقوداً.

18) إن أخرجها قوتًا أجزأته عند من يقولون بجواز إخراج القيمة، وهم نفرٌ قليلٌ، وإن أخرجها نقودًا لا تجزئة عند عامّة أهل العلم.

19) أيهم أولى بالمراعاة عند إخراج صدقة الفطر مصلحة الفقير الموهومة ؟! أم مراعاة قبول الصّدقة التي لا تجزئ نقوداً عند عامّة أهل العلم هذا أولاً ؟!،
وثانياً: مقتضى كلامهم أنّ إخراج القوت الذي يحتاجه الفقير يومياً وأمر به النّبي - عليه السلام - وفَعَله ولم يُنقل عنه خلافه، ليس فيه مصلحة للفقير، مع علمنا أنّ حاجة الفقراء للأقوات الضّرورية أشدّ من حاجتهم لغيره من النقود، فالقوت يحتاج إليه الفقير في كل يومٍ بخلاف بعض الحاجات التي قد يحتاجها الفقير في الشّهر أو في السنّة مرةً واحدةً !

20 ) مع العلم أنّ إخراج زكاة الفطر مالاً استثناءً وليس أصلاً، فقد أفتى بعض أهل العلم بجواز إخراج زكاة الفطر مالاً لظروف وأوضاع، خاصة بدافع الزكاة، أو متلقيها، ولم يفتوا بتلك الرخصة، لتكون بديلاً عن التّشريع الأصلي، الّذي جاء به رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم -، وفَعَله وكذا أصحابه من بعده، والعجب أنّنا نرى في أيامنا هذه من يتهكمون ويسخرون ممّن يخرجها قوتاً ويتهمونه بضيق الأفق، وضحالة الفقه، وعدم مراعاة مقاصد الشّريعة مع أنّه التزم بما أمر به الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - ومارسه عملياً ولم يُؤثر عنه أنّه أخرج النّقود بدل القوت !

21 ) ولا شكّ أنّ موافقة فعل الرسول - صلى الله عليه وسلّم - أفضل دائما وهو ما عليه جمهور العلماء وأئمة المذاهب المتبوعة خلا أبي حنيفة والثّوري، وما يُروى عن عمر بن عبد العزيز والحسن، مع العلم أنّ ما استدل به مجوّزوا إخراج القيمة نقوداً من النصوص إمّا ضعيف، أو منقطع لا تثبت به حجّة، أو إعمال للرّأي في مقابل النّص.

22 ) وثمّة فرق بين اتباع الرّخصة ، وبين تفضيل الرّخصة على فعل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - !
فإذا أراد الإنسان أن يتبع أية فتوى، أو رخصة رخص بها أحد العلماء، في دفع زكاة الفطر أو غيرها، فعليه أن يعلم أنّ الاجتهاد قابل للصّواب والخطأ، بينما حكم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وتشريعه منزّه عن الخطأ، ولا يجوز مساواة رخص العلماء بأحكام رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الذي واظب على إخراج زكاة الفطر قوتاً، وأمر به ثمّ يخرج علينا في هذا الزّمن من يتهكم على من يتبع قول وحكم خير البشر !

23 ) ثمّة سؤال لمن يجوّز إخراج زكاة الفطر نقوداً، هل يجوز إخراج بدل الأضحية والعقيقة والهدي نقوداً ؟! أليس إخراجها نقوداً أنفع للفقير ولمصلحته؟!
أليس الفقير أحوج للنّقد منه إلى اللحم،
أليس الفقير أحوج لثمن الدواء، وفاتورة الكهرباء من اللحم ؟!
فلماذا لا تجوّزون إخراج النّقود في الأضحية، والهدي، والعقيقة، ولا شكّ أنّ النّقود أنفع للفقير، وأدفع لحاجته من اللحم !
إن قلتم: ليس عندنا نص يجوّز ذلك، قلنا لكم كذلك: النّصوص الواردة في تجويز إخراج النقود في صدقة الفطر ضعيفة لا تقوم بها حجّة، ولا يثبت لها ساق.

24 ) ثمّة من يقول: إنّ الفقير يتكدّس عند الأرز فيضطر لبيعه بثمنٍ بخسٍ، والجواب أن يُقال: الخلل ليس في الحكم الشّرعي، وإنّما وقع عند من يُخرجون القوت في التّركيز على صنفٍ واحدٍ دون بقية الأصناف، ولو حصل التّنويع في الأصناف وهي كثيرة ولله الحمد، لما وقع الخلل، ولما اضطر الفقير إلى بيع الأرز المتكدّس عنده بثمنٍ بخسٍ.

25 ) كذلك يُقال: زكاة الفطر قليلة بالنّسبة لزكاة الأموال، وفي زكاة الأموال ما يسدّ حاجات الفقراء من ملابس ومصاريف مياه وكهرباء ومدارس وغيرها من النّفقات.

26 ) تُعطى زكاة الفطر للفقراء والمساكين فلا حظّ فيها للأغنياء، لقول ابن عبّاس " فرض رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - صدقة الفطر طهرةً للصائم وطعمةً للمساكين، رواه أبو داود وغيره وحسّنه غير واحدٍ من أهل العلم.

27) الأصل في إخراج زكاة الفطر وسائر الزكوات البلد الذي يوجد فيه المزكّي لقوله- صلّى الله عليه وسلم -: "فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم بأنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم "، متفق عليه،وجوّز بعض أهل العلم نقلها لأسبابٍ معينةٍ إلى غير بلد المزكّي، ففي نصوص الأحناف: لا بأس أن يُخرجها مَن وجبت عليه إلى قرابته مِن أهل الحاجة؛ لِما في ذلك من صِلة الرَّحم، وكذلك إذا نقلها إلى قومٍ هم أحوج مِن أهل بلده إليها، أو إلى مَن هو أصلح أو أورع أو أنفع للمسلمين، أو مِن دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علمٍ..


والله تعالى أعلم

____________________________
 الكاتب: زياد عوض أبو اليمان

  • 5
  • 0
  • 4,030

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً