غزة ترسم الطريق
رسموا لأنفسهم طريقا واحدا لم يحيدوا عنه هو إعاد المسجد الأقصى المبارك مجددا إلى أصحابه وطرد المحتلين وإعادتهم إلى حيث أتوا
غزة مدينة صغيرة تبلغ مساحتها 350 كلم مربع، محاصرة منذ حوالي 15 عاما من القريب قبل العدو، إذا أراد أهلها الخروج عليهم الانتظار طويلا حتى يسمح لهم بذلك، لا يوجد أمامهم سوى البحر الذي يتحكم فيه المحتل، الخدمات فيها شحيحة ومتقطعة، والفقر والبطالة منتشران، وصفتها الأمم المتحدة بأنها أكبر سجن في العالم.
بالرغم من هذا كله، هي المنطقة الوحيدة في فلسطين التي لم ترضخ لليهود القادمين من كل أصقاع الأرض، وهي الوحيدة التي تحارب الصهاينة وتتحداهم، الصهاينة الذين يملكون أحدث الوسائل التقنية في جميع المجالات، والكيان النووي الوحيد في المنطقة، ولديهم قوة عسكرية مهولة، طائرات ودبابات وبوارج بحرية وذخائر ذكية وأقمار اصطناعية، ومن ورائهم أمريكا والغرب عموما بكل إمكانياتهم المادية الضخمة.
في غزة إبداع منقطع النظير، تارة يدشنون مسيرات العودة وتارة يطلقون بالونات حارقة يربكون بها دولة الإحتلال، والمقاومة فيها رفضت وما زالت التدخل في المهاترات والمنازعات بين الدول الأخرى مهما كان الثمن، ومنها انطلق عباقرة من أمثال يحيى عياش وفادي البطش وأحمد ياسين، وصناعة السلاح فيه مزدهرة كالصواريخ التي كانت في بدايتها بسيطة وصغيرة والآن بإمكانها أن تصل لجميع الأراضي المحتلة، ومؤخرا صنعوا غواصات مسيرة وطائرات بلا طيار، لقد أبدعوا ما عجز عنه دول بأسرها بمؤسساتها وإمكانياتها وثرواتها.
بحق وبلا مبالغة أو تجديف، غزة هي البقعة الجغرافية الوحيدة المتحررة من أي احتلال بخلاف جميع الأقطار العربية الأخرى.
شن الصهاينة عمليات عسكرية متوالية أملا بحماية أنفسهم من الخطر الأخير الذي يهدد كيانهم ويفض مضاجعهم، وفي كل مرة يقصفون كل مناطق القطاع بلا هوادة مخلفين ضحايا أبرياء أطفال ونساء وهدوا الكثير من المنازل على ساكنيها، وفي خضم كل معركة يعلنون أنهم قضوا على قدرات المجاهدين، وإذا تبين كذبهم وفشلهم قالوا أنهم سيستئصلون المقاومة نهائيا، وجربوا ذلك بعملية برية عام 2014م إلا أنهم تاهوا وتلقوا ضربات موجعة تركوا على إثرها القطاع لأهله.
بموازين البشر ذلك مستحيل، الصواريخ تزداد بعد كل عدوان، وإسرائيل عاجزة عن إيجاد مكان القادة الميدانيين والسياسيين، والمقاومة تفرض شروطها دائما
ولا مقارنة بين الطرفين، فكيف لهذا ان يحدث؟
إنها الرعاية الإلهية التي يعرفها كل مؤمن{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} والإيمان امتزج بقلوب أهل غزة، إيمان بأن الله معهم يؤيدهم ويعينهم ويمكر لهم ويمدهم بمدد من عنده سبحانه وهم الذين يدافعون عن الأرض والمقدسات، وفيهم صبر منقطع النظير، لم يغيرهم الحصار الخانق وكثرة المتربصين والمشكلات وقلة ذات اليد وسوء الأحوال المعيشية {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}.
وهم من يعرفون جيدا اللغة التي يفهمها الصهاينة، ليس المفاوضات العبثية تستمر إلى قيام الساعة والتنسيق الأمني والرباعية والوساطات وحل الدولتين، وإنما الجهاد، فما تم أخذه بالقوة لا يمكن أن يرجع إلا بالقوة، وهذا ما تقره جميع شرائع وأمم الأرض بما فيها الأمم المتحدة التي تنص المادة 51 فيها على حق الشعوب في الدفاع عن نفسها، تقول جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان سابقا: "إن رصاصة واحدة أكثر فاعلية من كل قرارات مجلس
الأمن"، وهذا الرصاص شل إسرائيل وأوقف مشاريعها وأدخل مستوطنيها صاغرين إلى ملاجئ تحت الأرض.
ومجاهدوا غزة رسموا لأنفسهم طريقا واحدا لم يحيدوا عنه هو إعاد المسجد الأقصى المبارك مجددا إلى أصحابه وطرد المحتلين وإعادتهم إلى حيث أتوا، والعدوان الصهيوني الأخير عليهم أتى بعد قصفهم القدس المحتلة بعدة صواريخ بعد تحذيرهم الصهاينة من مغبة استمرار أعمالهم المشينة، ولا نشك أن ذلك يقرب الهدف من إصابة مرماه، وما ذلك على الله بعزيز.
- التصنيف: