الدرة من حديث لقيط بن صبرة (2)
وهنا ينظر في المصلحة، فإن كانت الزوجة بذيئة اللسان وليس له منها ولد ورأى المصلحة في تطليقها طلقها، وإن كان له ولد فإنه ينظر ويتأمل ويعظها ولا يعجل.
بسم الله الرحمن الرحيم
«قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا يَعْنِي الْبَذَاءَ قَالَ: (فَطَلِّقْهَا إِذًا) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ. قَالَ: (فَمُرْهَا يَقُولُ عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ»
وهنا ينظر في المصلحة، فإن كانت الزوجة بذيئة اللسان وليس له منها ولد ورأى المصلحة في تطليقها طلقها، وإن كان له ولد فإنه ينظر ويتأمل ويعظها ولا يعجل.
قوله: (ولا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ) الظعينة: المرأة، سميت بذلك لأنها تظعن مع الزوج، وتنتقل بانتقاله .. وأصل الظعينة المرأة تكون في الهودج على البعير، وكان يطلق على الهودج اسم ظعينة، ثم أطلق على المرأة. والأمية: تصغير أمة، صغرها لتحقير قدرها بالنسبة إلى الحرة.
والمراد بالأمة والخادمة في الحديث: التي تباع وتشترى، إذ كان هذا هو المعروف عندهم، فالخدم سابقاً كانوا يؤخذون من أرض الجهاد، كان المسلمون يقاتلون الأعداء ويجاهدون ويسترقون، فيصير هناك رق بسبب الجهاد، وأما الخادمة في زمننا فهي مستأجرة وليست خادمة، ويقال لها: خادم، وخادم أفصح من خادمة، يقال للذكر والأنثى، وكذلك الزوج أفصح من الزوجة.
إذا الأمة قد تضرب وتؤدب، وأما الزوجة فلا، لأن الضرب قد يؤذيها، وقد يسيء العشرة، والواجب أن يعمل مع المرأة كما قال الله عز وجل، فأولاً: يعظها إذا خاف النشوز، ثم يهجرها في المضجع، ثم يضربها ضرباً غير مبرح، فآخر الطب الكي، والضرب آخر شيء.
قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34]، ولكن الضرب يكون ضرب تأديب، فلا يكسر عظماً، ولا يجرح جسداً، بل يكون كضرب الصبي الصغير الذي لم يبلغ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) أي: ضرب تأديب.
عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ) فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ). [رواه أبو داود]
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم: (أكمَلُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخِيارُكم خِيارُكم لنِسائهم خُلُقًا) [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]
ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أنَّ كمال الإيمان يُوجِبُ حُسن الخلق والإحسان إلى الناس، وخاصَّة حُسن المعاشرة مع النِّساء؛ لأنهنَّ محلُّ الرحمة لضعفهنَّ وحاجتهن إلى العَطف وحُسن الرِّعاية.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إني أُحَرِّج عليكم حقَّ الضعيفين: اليتيم، والمرأة) [صحيح: أخرَجه النسائي] .. أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما فأحذره من ذلك تحذيراً بليغاً وأزجره زجراً أكيداً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "شِدَّة الوَطأة على النِّساء مذموم؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم، وترك سيرةَ قومه". [فتح الباري:9/202]
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ)
(أسبغ الوضوء) أي: أكمله وتممه، وهذا من أصرح الأدلة على وجوب إسباغ الوضوء؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والمقصود بالإسباغ: تبليغ الماء إلى المحل المطلوب، يعني: أن يغسل الإنسان وجهه كله، وذراعه ويده كلها، ويمسح برأسه كله، ويغسل رجليه كلتيهما مستوعباً المحل المفروض، فهذا هو الإسباغ، وهو واجب بلا شك، ولعل هذا يصلح أن يكون دليلاً لوجوب استيعاب مسح الرأس كله.
وهل هذا الأمر بالإسباغ يقتضي الوجوب أو يقتضي الاستحباب؟
فنقول: إن الإسباغ لفظ مشترك، فإن كان الإسباغ لأعضاء الوضوء بحيث يعممها، فهذا إسباغ واجب .
فإن كان من النوع الثاني: وهو «تثليث الأعضاء» فيكون الإسباغ مستحباً.
فإن كان وهو النوع الثالث: إذا كان التثليث واقعا وحصل معه الدلك للأعضاء، فإنه يكون فاضلاً.
فتحصل من هذا: أن الإسباغ ثلاثة أنواع، إما أن يكون واجباً، وإما أن يكون مستحباً، وإما أن يكون فاضلاً .. ومن ثم فإن الأمر يكون واجبا في النوع الأول، ويكون مستحبا ومسنونا في النوعين الأخريين.
ومن الفوائد بيان فضيلة الإسباغ، ولاسيما إذا حصل حرج ومشقة على المسلم، ولذلك بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أن مما يرفع الله عز وجل به درجات العبد، إسباغ الوضوء على المكاره، ففي الحديث (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط) [مسلم والترمذي]
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: