خطر السب والشتم واللعن
ومَنْ يَجْعَل المَعْروفَ مِنْ دُونِ عِرضِهِ *** يَفَرْهُ، ومَنْ لَا يَتَّقي الشَّتْمَ يُشْتَم
الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالاَ فَعَلَى الْبَادِئِ منهما:
من خطر السب على صاحبه، أن أثمه وأثم من بادله السباب، على من ابتدأ السب.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالاَ فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ».[1]
قال النووي: مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْم السِّبَاب الْوَاقِع مِنْ اِثْنَيْنِ مُخْتَصّ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا كُلّه إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَز الثَّانِي قَدْر الِانْتِصَار، فَيَقُول لِلْبَادِئِ أَكْثَر مِمَّا قَالَ لَهُ.[2]
اللَّعْنُ لَا يَذْهَبُ سُدَى:
من خطر اللعن أنه لا يذهب سدى، بل لابد أن يصيب مقتلاً، فإذا كان الَّذِي لُعِنَ أهلاً لهذه اللعنة أصابته، وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا.
فعَنْ أَبَي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهِبْطُ إِلَى الأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا».[3]
حُكْمُ لَعْنِ الْمُعَينِ:
ربما يستشكل بعض الناس النهي عن اللعن من النصوص الواردة التي نقلناها مع نصوص أخرى فيها اللعن أو الأمر باللعن مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ».[4]
وغير ذلك من النصوص ونقول للجمع بين هذه النصوص لعن المعين ولو كان كافرا لا يجوز إلا من لعنه الشارع بعينه مثل إبليس ومثل أبي لهب، أما لعن من اتصف بوصف فيلعن من اتصف بذلك فلا حرج في ذلك كأن يقول لعنة الله على الظالمين، أو لعن الله اليهود، لأن اللعن قد ورد في حقهم.
قال النووي: اتفق العلماء على تحريم اللعن فانه في اللغة الإبعاد والطرد وفى الشرع الإبعاد من رحمة الله تعالى فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية فلهذا قالوا لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان أو كافرًا أو دابةً إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر أو يموت عليه كأبي جهل وإبليس، وأما اللعن بالوصف فليس بحرام كلعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، والمصورين والظالمين والفاسقين والكافرين، ولعن من غير منار الأرض، ومن تولى غير مواليه، ومن انتسب إلى غير أبيه، ومن أحدث في الإسلام حدثاً أو آوى محدثاً، وغير ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية بإطلاقه على الأوصاف لا على الأعيان والله اعلم. [5]
لا تسبن أحدًا ولو كان ظالمًا:
سَمِعَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا يَسُبُّ الْحَجَّاجَ، فَقَالَ: "مَهْ أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّكَ لَوْ وَافَيْتَ الْآخِرَةَ كَانَ أَصْغَرُ ذَنْبٍ عَمِلْتَهُ قَطُّ أَعْظَمَ عَلَيْكَ مِنْ أَعْظَمِ ذَنْبٍ عَمَلُهُ الْحَجَّاجُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمٌ عَدْلٌ، إِنْ أَخَذَ مِنَ الْحَجَّاجِ لِمَنْ ظَلَمَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا أَخَذَ لِلْحَجَّاجِ مِمَّنْ ظَلَمَهُ فَلَا تَشْغَلَنَّ نَفْسَكَ بِسَبِّ أَحَدٍ".[6]
قَالَ زُهَيْرٌ:
ومَنْ يَجْعَل المَعْروفَ مِنْ دُونِ عِرضِهِ *** يَفَرْهُ، ومَنْ لَا يَتَّقي الشَّتْمَ يُشْتَم
وَقَالَ مالِكُ بنُ الرَّيْبِ:
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى *** وعنْ شَتْمِ إبنِ العَمّ وَالجارِ وانِيا
[1] رواه مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن السباب - حديث: 4794.
[2] شرح النووي على مسلم - 8 / 398.
[3] رواه أبو داود- كتاب الأدب، باب في اللعن - حديث: 4280، والبيهقي في الشعب- فصل، حديث: 4928 بسند حسن.
[4] رواه مسلم- عن علي رضي الله عنه ، كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله - حديث: 3752.
[5] شرح النووي على مسلم - 2 / 67.
[6] شعب الإيمان - رضي الله عنه 9/ 57)..
______________________________________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب
- التصنيف:
- المصدر: