وينسى الجذع في عينه
فأخطاء الآخرين عندنا عظائم وموبقات ، وأخطاؤنا هنات ومجرد سوء تقدير ، وأخطاء شيوخنا ومن نحبهم أو نوافقهم في المشرب والتوجه الفكري أو السياسي لها مائة تأويل ومخرج
«يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه»
هذا حديث روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وروي موقوفا على أبي هريرة ، وهو الأظهر ، لكن ما يهمني هنا هو أننا جميعا - وما أبرئ نفسي - واقعون في هذا المسلك ما بين مستقل ومستكثر .
فأخطاء الآخرين عندنا عظائم وموبقات ، وأخطاؤنا هنات ومجرد سوء تقدير ، وأخطاء شيوخنا ومن نحبهم أو نوافقهم في المشرب والتوجه الفكري أو السياسي لها مائة تأويل ومخرج ، فإن عجزنا عن تأويلها فهي مغفورة ومغمورة في بحور حسناتهم العظيمة ، أما أخطاء مخالفينا فكوارث ومصائب تهدم الدين والدنيا .
وثمة فريق آخر يظن نفسه منصفا ، فإن رأى أخطاء محبيه ، ولم يستطع لها هضما ولم يجد لها تسويغا ، سكت عنها وكأنه لم يسمع بها ، ولم ينكرها ولو بكلمة عابرة أو داور وناور في الكلام ، أما إن رأى أدنى زلة من مخالفيه فهو يقيم عليها حفلات ، ويعيد الكلام فيها ويزيد ، ويتلذذ بجمع كل شاردة وواردة حولها .
وقد توعد الله المطففين فقال سبحانه { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} وليس التطفيف قاصرا على البيع والشراء بل يدخل بعموم معناه في الحكم على الأشخاص والأفكار ، وتقويم الناس والاتجاهات والمذاهب ، والتعامل مع الموافقين والمخالفين .
والله سبحانه المطلع على القلوب والسرائر ، والأعلم بخفايا النفوس وأهوائها ، والأعلم بالمفسد من المصلح ، ومن تكلم لله ونصرة لدينه ، ومن تكلم لحظ نفسه وهواها ، وتعصبا وبغيا على المخالفين ، والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا به .
- التصنيف: