شهامة الكبار !

منذ 2021-06-20

وبعد أن استعاد الملك الناصر الحكم اجتمع بابن تيمية ، وأخبره بوشايات هؤلاء الخصوم - من الفقهاء والقضاة والصوفية - وسعيهم في قتله ، وطلب منه فتوى في الفتك بهم .

من مواقف ابن تيمية العظيمة في المروءة ، والنبل ، والشهامة ، وإنصاف الخصوم ، ما جرى بينه وبين الملك الناصر ، حينما استعاد الحكم بعد أن كان بيبرس الجاشنكير قد عزله .

والجاشنكير هذا كان من معظمي الصوفية جدا ، وله مشايخ مقربون من أصحاب التصوف الفلسفي ، والمتبعين لآراء بن عربي في القول بوحدة الوجود ، وكانوا قد حرضوه على سجن ابن تيمية بل قتله !!

وبعد أن استعاد الملك الناصر الحكم اجتمع بابن تيمية ، وأخبره بوشايات هؤلاء الخصوم - من الفقهاء والقضاة والصوفية - وسعيهم في قتله ، وطلب منه فتوى في الفتك بهم .

فتخيل ماذا كان رده ، رغم أن هؤلاء الخصوم آذوه وتسببوا في حبسه ، ثم إنهم مخالفون له في المعتقد ؟

حكى الحافظ ابن كثير - وهو معاصر لتلك الحقبة - ما جرى " وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضا! وأخذ يحثه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم، وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير .

ففهم الشيخ مراد السلطان، فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكر أن ينال أحدا منهم سوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا،

فقال الشيخ: من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي. وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح "

البداية والنهاية 18 / 94 .

فاعجب من مروءة ابن تيمية رحمه الله ، ودفاعه عن خصومه واعترافه بما لهم من فضل ، ثم اعجب من ذكائه ، ورفضه أن يوظف سياسيا في صراع السلاطين على الحكم ، فرحم الله هذا العملاق وغفر له .

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 8
  • 1
  • 1,644

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً