من أبجدية السعادة الزوجية - زُر أقاربك وصِلْ رحمَك
إذا ظفرت بود امرئ ** قليل الخلاف على صاحبه فلا تغبطن به نعمة ** وعلق يمينك يا صاح به
مِن أبجِدية السَّعادة الزَّوجية: زُر أقاربك وصِلْ رحمَك
إن من المعانيَ الجميلة والأخْلاق السَّامية النبيلة التي أكَّد عليها الإسلامُ الوُدَّ الجميلَ وصِلةَ الأرحَام، بل إنَّ الله – جلَّ في عُلاه – جعل له اسمًا يجَسِّد هَذه الصِّفة وهو اسْم الله الودود، قال الله تعَالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج: 14] قال القرطبي في تفسيرها:" الودود أي المحبُّ لأوليائه". وروى الضَّحاك عن ابن عباس قال: "كما يود أحدكم أخَاه بالبشرى والمحبة. " وقال على لسَان نبيه شُعيب: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:99]
وقد جَعل الله المودَّة والصِّلة منحةً ربانية ومكافأةً أُخْروية للمؤمنين في جنَّاته قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} [مريم: ٩٦] قال ابن كثير في تفسيره: " يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله - عز وجل - لمتابعتها الشريعة المحمدية - يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة، وهذا أمْر لا بدَّ منه ولا مَحيد عنه. وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه."
بل جعل الله – سبُحانه وتعالى- قَطيعة الأرحام وجفَاءهم وقطْع الصِّلة بهم سببٌ في وجوبِ لعْنة الله وغَضَبه وعقَابه، قال - سُبحانه وتعالى -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22،23]
وقال على لسان نبيه – صَلى الله عليه وسلم – مُوضحًا صَفاء مَودته وإخْلاصه في حبه لأهْله، وهو يبلِّغهُم دعوةَ الله – عز وجل -: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ} [الشورى: ٢٣]
وقد امتلأتْ كتبُ السُّنة النَّبوية بالعَديد من الأحاديث التي تدل على فضْل زيَارة أولي القُربي وصِلتهم، وترسِيخ الموَدة والمحَبة بينهم، فعَن أبي هريرة – رضِي الله عنه – أن رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضَيفه، ومن كاَن يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصِل رحمه، ومن كانَ يؤمن
بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصْمت".
والوُدُّ والأنسُ والقُرب والصِّلة جميعها مترادفاتٌ تحمل معاني متقاربة، يعشَقها النَّاس ويطْربون لسَماعها، ويألفونها ويعتادون عَليها، ويُقَدِّرون من يتصفُ بها، بل إنَّ أشْعار العَرب وتراثهم قد امتلأ بها، قال أبو الفتح البستي:
إذا ظفرت بود امرئ ** قليل الخلاف على صاحبه
فلا تغبطن به نعمة ** وعلق يمينك يا صاح به
وعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: «قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (إنَّ الله - تعالى - خَلَق الخَلْق؛ حتى إذا فرَغ منهم قامَت الرَّحِم فقالت: هذا مَقام العَائذ بك من القَطِيعة، قال: نعم، أمَا تَرْضَين أنْ أصِل مَن وصَلك، وأقطَع مَن قطَعك، قالت: بلى، قال: فَذاك لك)، ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (اقرَؤُوا إنْ شئتم ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ محمد:22،23»
وفي الحَديث عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - « أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لي قَرابة أصِلُهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويُسِيئون إليَّ، وأحلمُ عليهم ويجهلُون عليَّ، فقال: (إنْ كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُم الملَّ، ولا يَزال معك من الله ظَهير عَليهم ما دُمْت على ذلك)» .
فإن أردت سَعادة في دَارك، وطُمأنينة في بيتك، وبرَكة في عمرك وعمَلك وصلاحًا في ولدك، وقُرة عينٍ لك فعليك بزيارة أقاربك: أعمَامك وأخوالك و .... وصِلة أرحَامك، ولتكن عَينك دَومًا على مَن نُسيَ منهم من أقَاربك، فهم أولى الناس بصلتك.
اغرس هذا الخُلُق النَّبِيل في نفسِك وعَوِّد عليه أبناءك، ورَبِّهم عَليه، واصْطَحبهم في زياراتٍ لهم، ورغِّبهُم في فِعْله وشَجِّعهم عليه، فقد كان النَّبي – صَلَّى الله عَليه وسَلَّم – يجْعل له نصيبًا من يومه لصِلةِ رحمِه وزيَارة أقَاربه.
وهَذه جُمْلة من النَّصائِح تجْلِبُ السَّعادة إلى بيتك وتعيش بها هانئًا ترى الخَير في أبنائِك، والسَّعة في رزقِك، والبركة في عمرك:
- خَصِّص جزءًا من برنامجكَ الأسْبوعي لزيَارة أحَد أقاربِك بصُحبة أحَد أبنائك.
- خَصِّص جزءًا من وقتك كلَّ يوم للتواصل هاتفيًا مع أحَد أقَاربك.
- وجِّه أبناءَك وأهْل بيتك بالتواصُل مع أعمَامِهم وأخْوالهم وزيارتهم.
- ابدأ بالأقرْبين منك وذوي الرَّحِم لك: الأقرب فالأقرب.
- اجْعل لك جملةً من النَّصائح والتوجيهات في جلساتك مع أبنَائِك.
- إن كنت في سَعة من الرَّزق فتعهَّد أقاربك بشَيءٍ من فضْل مَالِك.
- إنَّ أولى الناس بوِدِّك وزيارتك وصِلتك لهُم هم والديك.
فإن فعلتَ ذلك جَلبت السَّعادة لك ولأهل بيتك، وسَكنَت الطمَانينةُ في بيتك والبركةُ فيه، ومَلات أركانه.
- التصنيف: