الاستشراق في خدمة التنصير واليهودية - (1) ظاهرة الاستشراق
منذ 2021-07-26
الاستشراق ظاهرة شملت شتى فروع المعرفة الإسلامية، وشمولها هذا أتضح مؤخراً بعد أن تخطى الاستشراق مجرد كيل الإتهامات على الكتاب السنة والتراث العربي.
تمهيد:
الاستشراق ظاهرة شملت شتى فروع المعرفة الإسلامية، وشمولها هذا أتضح مؤخراً بعد أن تخطى الاستشراق مجرد كيل الإتهامات على الكتاب السنة والتراث العربي. وبسبب من شمولية الدراسات الاستشراقية في الآونة الأخيرة يستبعد الناهلون من الإنتاج الفكري للاستشراق أن تكون هناك علاقة بين هذه الظاهرة وبين ظواهر أخرى تختلف مع الاستشراق في الطريقة والوسائل، ويقف البعض موقف المتحفظ عندما تكون هناك إشارة لقيام رابطة بين الاستشراق والاستعمار أو التنصير أو اليهودية/ الصهيونية.
ومجيء المستشرقين من دول كان لمعظمها صولات وجولات مع الاستعمار في البلاد العربية والإسلامية[1]، ومجيء المستشرقين من دول تدين بالنصرانية كخلفية دينية لم تستطع التخلص منها وإن فضلت أن تظهر للآخرين بالمظهر العلماني، ومجيء المستشرقين من مجتمعات نشأ فيها اليهود وكان لهم تأثيرهم على هذه المجتمعات سلباً أو إيجاباً، كل هذا لا يبرر قيام رابطة قوية أو علاقة متينة بين هذه الخلفيات والأحداث، وظاهرة الاستشراق، إذ أن الاستشراق في مجمله كان مجرداً من هذه الخلفيات والأحداث على اعتبار أن الاستشراق منهج علمي يدرس ظواهر علمية خلفها سلف الأمة الإسلامية ويحاول الخلف أن يكونوا امتداداً لأولئكم السلف.
هكذا يرى البعض الاستشراق إلى الدرجة التي جعلت بعضهم ((يتبنى)) آراء المستشرقين في الكتاب والسنة والتراث العربي الإسلامي، مصراً على أنه لا يخرج بهذا عن الخط الإسلامي وإن قال في كتاب الله وسنة نبيه – عليه السلام – ما يصل بالمرء إلى الخروج من الملة.
والطيب في الأمر أن هؤلاء المنبهرين قلة. وهم يتقلصون مع ارتفاع نسبة الوعي الثقافي والفكري بين العرب والمسلمين، وإدراك الكثير من المفكرين أن الهروب من الدين لم يعن الأمة على الوقوف على أقدامها بقدر ما أعانها على التعثر أكثر مما تعثرت من قبل.
فبحث المفكرون مرة أخرى في أسباب انحطاط المسلمين وما خسره العالم من هذا الانحطاط، فلم يكن هناك بد من الوقوف على إسهامات المستشرقين مجملة وكونها أثراً من آثار هذا الانحطاط عندما تبين أن هؤلاء المستشرقين – في مجملهم – كانوا عوناً على الحملات الاستعمارية على البلاد العربية والإسلامية، و((قاعدة المعلومات)) لحملات التنصير التي لا تزال تجتاح المجتمع العربي والإسلامي، وتبين لهؤلاء أن قسماً من المستشرقين – كانوا منصرين، كما تبين لهؤلاء أن الاستشراق مهد بطريق مباشر لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين وأن الاستشراق لا يزال يسعى إلى تسهيل مسألة قبول قيام الوطن القومي لليهود في فلسطين بين المفكرين الغربيين والمفكرين العرب على حد سواء.
ولا يكفي أن يقال أن هناك علاقة ضعيفة أو قوية بين التيارات المعادية للإسلام دون اللجوء إلى إقناع بوجود هذه العلاقة مع شيء وافر من التجرد الذي تفتقر له التيارات. والتجرد ديدننا لا نستطيع الخروج عنه مغلبين جوانب أخرى كالعاطفة مثلاً وإلا خالفنا نصاً منهجياً من نصوص القرآن الكريم.
وفي التجرد عدل نحن مطالبون به حتى مع أولئكم الذين لم يراعوا فينا هذه الجوانب التي تسمو بالإنسان وترتفع به إلى درجات الكمال الإنساني، قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقو الله إن الله خبير بما تعملون} [الآية (8) من سورة المائدة].
ومع هذا فإن محاولات إيجاد علاقة بين هذه التيارات المعادية للإسلام لم تخل في مجملها – وليس كلها – من تغليب العاطفة في مواقف يمكن حصرها. ولأن هذه المحاولات مكتوبة قابلة للمراجعة فينتظر منها أن تعالج هذا الجانب الذي يمكن أن يفهمه ويقدره المتلقي لو كان التلقي مشافهة وارتجالاً. وعلى أي حال فإن تغليب جانب العاطفة ليس سمة يمكن تعميمها على جميع الأعمال التي سعت إلى تأكيد هذه العلاقة.
على أن الأعمال العلمية التي سعت إلى تأكيد العلاقة بين التيارات المعادية للإسلام والتي لم تقتصر على هذه التيارات الأربعة (الاستشراق والتنصير، والاستعمار، والصهيونية) لم تعالج هذه القضية بتوسع لأنها كانت ضمن أعمال عامة في مجال الاستشراق بخاصة. عدا بحث في العلاقة بين الاستشراق والتنصير نشر في ((أخبار العالم الإسلامي)) في حلقات، لعله يجمع ويصدر في كتيب واحد تعميماً للفائدة وقد ورد ذكره في هذه المحاولة لتأكيد العلاقة بين الاستشراق والتنصير.
ولا يزال موضوع العلاقة بحاجة إلى مزيد من البحث والغوص في حياة المستشرقين العلمية – وربما أنشطتهم الأخرى، يستشف منها الباحث دلالات مقنعة لقوة العلاقة ناهيكم عن تحققها، ولا يبدو أننا – هنا – بحاجة قوية لتحقيق وجود العلاقة. ولكن الحاجة قائمة لتأكيد مدى القوة في العلاقة بين مجموع هذه التيارات المعادية. وربما بحثت العلاقة بين الاستشراق وبعض التيارات الأخرى التي خرجت عن الملة وهي لا تزال تدعي أنها من الإسلام.
وعلى أي حال فظاهرة الاستشراق[2] تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث تسبر غورها وتبتعد عن التكرار وتتخصص في جوانب ضيقة من هذه الظاهرة.
ولعل الأقسام العلمية في الجامعات الإسلامية والعربية تسهم في مثل هذه الطريقة في البحث وتكثف من اهتمامها بهذه الظاهرة، على اعتبار أنها الظاهرة الوحيدة من بين الظواهر الأخرى التي ادعت العلمية والمنهجية، وسعت بهذا اللباس إلى تحقيق أهداف استعمارية وتنصيرية واقتصادية وعقدية وفكرية، كلها تتعارض مع الخط الإسلامي على أخف الأحكام.
ولعل مراكز البحوث المهتمه بالدراسات الإسلامية تسهم في هذا المجال فتوفر المادة العلمية للباحثين وتعينهم على الدراسات وتعقد المؤتمرات والندوات التي تُقوِّم جهود المستشرقين وإسهاماتهم في خدمة التيارات الأخرى، وعقد الموازنة بين خدمتهم للإسلام والتراث وجهودهم في خدمة التيارات. وكان الله في عون الجميع.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] سبقت مناقشة علاقة الاستشراق بالاستعمار. أنظر: علي بن إبراهيم النملة. ((العلاقة بين الاستشراق والإستعمار)). التوبادمج. ع4 (شوال 1408هـ يونيو 1988م). ص38 – 42.
[2] لقد ناقشت مجموعة من الأعمال العلمية التي تحدثت عن الاستشراق أهداف وأغراض هذه الظاهرة وتكاد تجمع على أن الهدف الأول هو الهدف الديني الذي يتضمن التنصير فأقيمت العلاقة بين التنصير والاستشراق من هذا المنطلق. (أنظر محمود حمدي زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري. قطر: رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية بدولة قطر، 1404هـ – ص27 – 31. (سلسلة كتاب الأمة/5).
______________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة
- التصنيف:
- المصدر: