إمبراطورية الإعلام
قال الكواكبي: "سافلة الطباع، حتى إنها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة، ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية."
ليس الإعلام مجرد نظام أو أداة يستخدمها المستبد لتضليل الجماهير وإلهائها وإفساد أفكارها وسلوكها.
لكنّ الإعلام إمبراطورية قائمة بذاتها، تخدم المستبد، كما تعمل لذاتها، في الآن ذاته. وكم نرى الإعلام يتحكم في سياسات الدول، ومجريات شؤونها، وانتخابات رؤسائها وبرلماناتها وحكوماتها، وكيف يستخدم تمهيدا لشن الحروب واحتلال الدول. بل إن سحرة فرعون عندما سألوه إن كان لهم أجر إن غلبوا موسى عليه السلام بسحرهم، لم يكن سؤالهم مجرد سؤال، لكنه كان يحمل معنى الاشتراط، مما دفع فرعون إلى منحهم أكثر مما طلبوا!
وقد حرص المستبد دائما على استغلال أدوات الإعلام من قديم، فكان الحكام يستخدمون الشعراء للإشادة بهم وتمجيدهم. وكان المحتل يستخدم الإعلام لتصوير احتلاله للدول على أنه نعمة وليس نقمة. وقد رأينا كيف كان الاحتلال الإنجليزي والفرنسي حريصا على إنشاء الصحف لتجميل صورته القبيحة، وإيهام الجماهير بأن الاحتلال لم يجئ إلا لدفع الظلم، ورفع المعاناة عن الشعوب المقهورة. وقد رأينا كيف كانت تلك الصحف العربية تمجد المحتل وتلعن المقاومة ورموزها مثل أحمد عرابي وعمر المختار، وتصفهم بالعصاة المارقين!
وفي فلسطين المحتلة الآن، يستخدم الجيش الصهيوني وحدات إلكترونية خاصة، لتحسين صورة دولة الاحتلال، وتضليل العقول، وتشويه صورة المقاومة.
وفي بلاد الاستبداد، تعمل عجلة الإعلام على إفساد القيم، وترسيخ الظلم، ووأد أي مقاومة، بل وتشويه الدين ذاته، ليكون مستأنسا لا علاقة له بتغيير واقع، وليظل حبيسا بين الجدران! وكلما دارت عجلة الإعلام، زاد فساد الأخلاق وتشوه القيم، وأصبحت الشعوب كما قال الكواكبي: "سافلة الطباع، حتى إنها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة، ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية."
وقد ينخدع بعض الناس، عندما يظهر بعض من يتظاهر أو ينادي بفضيلة وسط هذه الجبال من القاذورات، فيدّعي لهم ما ليس فيهم أو لهم! ونحن لا نحاكم الأشخاص، لكن لنا ما يفسدون ويهدمون، ثم أمرهم وأمر غيرهم إلى الله. والحقيقة كما قال الكواكبي، هي أن المستبد يستخدم هؤلاء "كنموذج البائع الغشاش؛ فيكونون لديه كمصحف في خمّارة أو سُبحة في يد زنديق."
- التصنيف: