السفر والسياحة
وقال رحمه الله : الذين يذهبون إلى مدائن صالح, من أجل الاطلاع عليها والتفرج..هذا مخالف لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فأصبح السفر للسياحة والنزهة, عند بعض المسلمين, ممن أنعم الله عليهم بنعمة المال, من الضروريات, وتختلف وجهات سفرهم فبعضهم يسافر إلى بلاد إسلامية, وبعضهم يسافر إلى بلاد الكفار, وبعضهم قد تكون سياحته داخل بلده, وللعلامة ابن عثيمين رحمه الله رحمه الله كلام حول السفر والسياحة بيّن فيه حكم السفر إلى تلك البلاد, والآثار المترتبة عليه, يسّر اله الكريم فجمعت بعضاً منه, أسأل الله أن ينفعني والجميع به.
السفر إلى بلاد الكفار أو المتحللة للنزهة والسياحة:
قال الشيخ رحمه الله : عامة الذين يذهبون إلى بلاد الكفر إذا ذهبوا ضعف دينهم, لا سيما أولئك الذين يذهبون. على سبيل النزهة والترف, فإنهم يرجعون بأفكار وعقائد وأخلاق وأعمال غير التي ذهبوا بها...ويلحقهم من خسارة الدنيا والآخرة فيخسرون أموالاً طائلة مع ما يلحقهم من خُسران الآخرة نسأل الله تعالى العافية.
وقال رحمه الله : أرى أن الذين يُسافرون إلى بلد الكفر من أجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون, وأن كل قريش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم وسيُحاسبون عنه يوم القيامة حين لا يجدون مكاناً يتفسَّحون فيه أو يتنزهون فيه, حين لا يجدون إلا أعمالهم لأن هؤلاء يُضيعون أوقاتهم ويتلفون أموالهم ويفسدون أخلاقهم وكذلك ربما يكون معهم عوائلهم ومن عجب أن هؤلاء يذهبون إلى بلاد الكفر التي لا يسمع فيها صوت مؤذن ولا ذكر ذاكر وإنما يسمع فيها أبواق اليهود ونواقيس النصارى ثم يبقون فيها مدة هم وأهلوهم وبنوهم وبناتهم فيحصل في هذا شر كثير نسأل الله العافية والسلامة وهذا من البلاء الذي يُحلُّ الله به النكبات.
وقال رحمه الله : السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة, وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام, وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلاداً سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها.
وقال رحمه الله : السفر إلى الكفر أو بلاد متحللة...خطر على العقيدة, وخطر على الأخلاق, وخطر على العائلة, لأن الإنسان إذا رأى الكفر هناك فلن ينفر منه مثل نفوره لو لم يكن رآه, ومن الأمثال العامية : " كثرة الإمساس يُقلل الإحساس " فإذا رأى الكفر, وسمع أصوات النواقيس, وأبواق اليهود, خفّ الكفر في نفسه, وهذا إخلال بالعقيدة, كذلك يرى هناك بيوت الدعارة والزنا واللواط, ويري شرب الخمر, وهذا يؤثر في أخلاقه, كذلك العائلة الصغار, فالصغير لن ينسي الصورة التي رآها في صغره, سوف تتمثل هذه الصورة في رأسه ولو كبر وتباعد الزمان, فيكون هذا الرجل أساء إلى نفسه, وأساء إلى عائلته, ثم في هذا تنمية لأموال الكفار, وتقوية لاقتصادهم, وفيه أيضاً إخلال باقتصاد البلاد, لأن الدراهم التي تخرجُ منَّا إلى هناك نقصت هنا ووفرت الدراهم للبلاد الأخرى, ثم أن هؤلاء الكفرة يفرحون إذا رأوا الناس اتخذوا بلادهم موئلاً, يفرحون ويخسرون الخسائر الكبيرة لكون الناس يقصدونهم في بلادهم, فكل هذه المفاسد العاقل فضلاً عن المؤمن لا يفعلها, فأسأل سبحانه وتعالى أن يهدي شعبنا لما فيه خيرنا في ديننا ودُنيانا.
وقال رحمه الله : الذين يخرجون إلى خارج البلاد...للتمتع فهؤلاء على خطر عظيم, وهم واقعون في المحظور, لأنه لو لم يكن من هذا الخروج إلا مفسدة واحدة وهي : إضاعة المال, وهذا شيء محقق, ولا يمكن أن يختلف فيه اثنان, لأن نفقات التذاكر باهظة, ونفقات الفنادق هناك باهظة, هذا مع ما يحصل للقلب من البلاء, وما يحصل للنفس من الشرور, ولهذا نحذر إخواننا من السفر إلى الخارج, فإنه علة وبلاء, وإضاعة وقت, وإضاعة مال, وإفساد أخلاق, وربما إفساد عقيدة.
أقول لكم : مما يُخلُّ بالعقيدة ونحن لا نشعر به, مسألة المودة والمحبة, فكراهة الناس اليوم لغير المسلم ليست ككراهتهم له بالأمس, كانوا بالأمس إذا ذَكر النصراني أو اليهودي اقشعر الجلد, أما اليوم فلا ! بل إن من الناس والعياذ بالله من يتولى غير المسلمين أكثر من تولى المسلمين, وقد قال الله تعالى : {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة:51] والسفر إلى بلادهم سبب للمودة, وإثراء لأموالهم, وإعزاز لأوطانهم, مع ما فيه من الخطر على عقيدة الإنسان, وعلى خلقه.
وقال رحمه الله : السفر إلى بلاد كافرة, أو بلاد منهمكة في المعاصي لا يجوز لأُمور عدة :...أنه يخشي على عقيدة المرء...يُخشي على عقيدته أن يقول : كيف أنعم الله على هؤلاء بهذا الترف, وهذا النعيم, وهم كفار, وهو مؤمن ؟ وقد قُدر عليه رزقه, فيشُكُّ : هل الإيمان خير أم الكفر خير ؟ ولم يعلم المسكين أن هؤلاء عُجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا, وهذا الترف بالنسبة لهم جنة, لأنهم ينتقلون بعده إلى عذاب وجحيم – والعياذ بالله- والفقر بالنسبة إليه إذا كان من المؤمنين يُعتبرُ ابتلاء من الله عز وجل يُؤجر عليه ويُثابُ عليه إذا صبر, قال تعالى: { إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:10]
وقال رحمه الله : أصل السفر إلى البلاد الأُوربية أو البلاد غير الأوربية, لكنها كلها خلاعة, وفساد:...الخمر في الأسواق يُباع علنا...والنساء يتبرجن ويعرضن أنفسهن ليس بالقول ولكن بالفعل, وما أشبه ذلك, أرى ألا يُسافر أحد لهذا, لأنه سيخسر وقتاً, وسيخسر مالاً, وسيخسر ديناً, وسيخسر خُلُقاً, فهذا لا يحلُّ له أن يسافر على هذا الوضع.
السفر إلى بلاد إسلامية للسياحة والنزهة:
سئل : فضيلة الشيخ, أنا شاب أُريدُ أن أذهب إلى دولة إسلامية لغرض السياحة, وأُريدُ أن أخذ زوجتي معي, ومن المعلوم أن الجوازات تطلب صورة للزوجة, فهل يجوز لي ذلك, أرجو نصيحتك, بارك الله فيك ؟
فأجاب رحمه الله : جزاه الله خيراً, ويجبُ علي أن أبدي له النصيحة وأُبدي له المشورة التي أدين الله بها, أقول : لا يذهب إلى بلاد أخرى لا إلى بلاد إسلامية ولا إلى بلاد غربية ولا شرقية, يبقى في بلده هذا أسلم لدينه وأحفظ لأهله, ومسألة النفقة زادت أو نقصت لا تهم, المُهمُّ أن يبقي في بلادنا والحمد لله محافظة, يحفظ دينه ويحفظُ أهله.
هو إذا ذهب إلى هذه البلاد, يجد أشياء منكرة ظاهرة علناً في السوق : نساء متبرجات...أشياء كثيرة لا أُحبُّ ذكرها الآن.
فنصيحتي لهذا السائل, وأقول : جزاه الله خيراً, أنا قلتُ له ما يجبُ عليه, فأرجو أن يقبل منِّي المشورة, ألا يذهب إلى بلد غير بلادنا...نفقات, وضياع وقتٍ, واتجاهات الله أعلمُ بها.
وقال رحمه الله : لا نرى أن الإنسان يُسافر إلى بلاد خارج بلاده إلا لحاجة, أو مصلحة راجحة....فالبلاد التي يسافرون إليها قد تكون بلاداً أثّر فيها الاستعمار من جهة الأخلاق والأفكار, فيحصل بذلك ضرر على الإنسان في أخلاقه وأفكاره, وهذا هو أشد الأمور التي يُخشي منها في السفر إلى الخارج, ولهذا أقول لهذا السائل وغيره : عندنا – ولله الحمد – من المصايف في بلادنا ما يُغني عن الخارج, مع قلة النفقات, ونفع المواطنين.
وسئل الشيخ : السفر إلى البلاد الإسلامية...هل يجوز السفر إليها بدون حاجة, يعني للنزهة ؟
فأجاب رحمه الله : لا أرى هذا...أولاً : إن النفقات ستكون باهظة.
ثانياً : إن تلك المجتمعات فيما يُسمعُ عنها ليس بينها وبين المجتمعات الكافرة فرق, إلا بأنه يؤذن في المنائر, ويُصلي من يُصلي ويترك الصلاةُ من لا يريد الصلاة.
ثم المظهر العام بالنسبة للنساء وتبرجهن لا فرق بينه وبين الدول الكافرة, هكذا نسمع, وإذا كان كذلك فثق أن أهلك الذين يذهبون إلى هناك سوف يتأثرون بهذا, والصغير تنطبع في ذاكرته الصورة فلا ينساها, وإذا كان لا بُدَّ من النزهة فعليك ببيت الله (الكعبة ) ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل على خيرٍ وعلى أجرٍ, ولا تتكلف لا مالاً ولا تعباً بدنياً, ولا غير ذلك.
السفر للمتعة المباحة:
قال رحمه الله : هناك صنف يسافر لمجرد المتعة لكنها متعة حلال, وهذا جائز, فله أن يسافر وإن كان سينفق أمواله, لكنه سيُنفقها في مباح, والنفوس تكلُّ وتسأمُ وتتعب من الدروس, فإذا انطلقت وذهبت لينفس الإنسان عن نفسه, فلا حرج, فالدين –والحمد لله- يُسر, لكن بشرط ألا يذهب إلى محرم, فمثلاً : لا يذهب إلى أماكن الأغاني والمطربين والملحنين, لأن شهود أهل الباطل باطل, وقد قال الله تبارك وتعالى : {وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفرُ بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذاً مثلهم} [النساء:140] فلا تشهد باطلاً, لا أغاني ولا رقصاً, ولا شيئاً محرماً, لأنك إذا فعلت ذلك فقد استعنت بنعم الله على معصية الله, وهذا لا يليقُ بالعاقل, فضلاً عن المؤمن.
الذهاب لمدائن صالح (ديار ثمود):
قال الشيخ رحمه الله : ما يفعله كثير من الناس الآن من الذهاب إلى ديار ثمود والاطلاع على ما كانوا عليه من القوة بدون اتعاظ القلب, وأنهم -على ما كانوا عليه من القوة هذه -أُخذوا بصيحة واحدة فإنه منهي عنه وقوله صلى الله عليه وسلم : «أن يصيبكم ما أصابهم » يحتملُ معنيين : الأول أن يصيبكم ما أصابهم من العذاب لأنكم في مكان عذاب, والمعنى الثاني : أن يصيبكم ما أصابهم من التكذيب, فإن تكذيب الرسل من أعظم المصائب, فيخشى أن يقسو القلب إذا ذهب للتفرُّج فقط على أماكن المعذَّبين,
وقال رحمه الله : ديارهم معروفة الآن موجودة في مكان يسمي الحجر...وقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى تبوك لكنه علية الصلاة والسلام أسرع حين مرَّ بهذه الديار وقنع رأسه ونهى أمته أن يدخلوا إلى هذه الأماكن أماكن المعذبين إلا أن يكونوا باكين قال ( «فإن لم تكونا باكين فلا تدخلوها أن يصيبكم ما أصابهم» ) وقوله «(أن يصيبكم ما أصابهم» ) لا يلزم منه أن يراد به ما أصابهم من العذاب الجسمي قد يكون المراد ما أصابهم من العذاب الحسي, وما أصابهم من الإعراض والكفر.
وقال رحمه الله : من ذهب إليها للتنزه والفرجة, فإن ذلك لا يجوز, كما يصنع كثير من الناس اليوم يذهبون إليها لا على سبيل العظة والاعتبار ولا يدخلونها وهم باكون بل على سبيل الاطلاع فقط على آثار السابقين وعلى سبيل النزهة وهذا حرام ولا يحلُّ.
وقال رحمه الله : الذين يذهبون إلى مدائن صالح, من أجل الاطلاع عليها والتفرج..هذا مخالف لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وقد مرّ هو صلى الله وعلى آله وسلم بديار ثمود, فقنع رأسه, ثم أسرع المشي, فإذا مرّ الإنسان بديار ثمود فالسنة أن يفعل كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام,
وقال رحمه الله : إنني أحذر هؤلاء الذين يذهبون إلى ديار ثمود للفرجة من أن ينالهم ما نال هؤلاء, وليس المراد أن ينالهم رجفة أو صيحة تدمرهم لا, المراد هذا ومراد آخر وهو أن يبتلوا بتكذيب الرسول علية الصلاة والسلام أو الاستكبار عن طاعته, أو ما أشبه ذلك كما فعل قوم صالح.
وقال رحمه الله : الأفضل ألا يدخل مدائن صالح, فإن دخل فلا يدخل إلا باكياً, وإنما قلنا : الأفضل ألا يدخل, لأن الإنسان قد يدخل على أنه واثق من نفسه أنه سوف يبكي ولكن لا يبكي.
الأماكن التي تُزار في مكة والمدينة النبوية:
قال الشيخ رحمه الله : ليس هناك شيء يُزار في مكة إلا المسجد الحرام, والمقبرة...فالمقابر تُسنُّ زيارتها في كل بلدٍ, ليتعظ الإنسان....أما الآثار القديمة فلا يُتعبدُ بها ولا تُزارُ, ولا غار حراء, ولا غار ثور, ولا غيره.
أما الأماكن التي تُزارُ في المدينة النبوية فهي : المسجد النبوي, وقبر النبي صلى الله عليه وسلم, وقبر صاحبيه, والبقيع, وقباءً, وشهداء أُحد.
وقال رحمه الله : من أعجب ما رأينا أن الجبل الذي يُدعى أنه جبل الرماة في أُحُدٍ, يذهب أناس إليه ويصعدون, وربما يدعون هناك وما أشبه ذلك, وهذا من الغرائب, فمكان وقعت فيه المعصية من الصحابة رضوان الله عنه جدير بأن يُتخذ مكان قربة ؟! أبداً بالعكس, فالإنسان ربما يكره أن يراه خوفاً من أن يقع في قلبه شيء بالنسبة للصحابة رضي الله عنهم الذين وقعت منهم المعصية في ذلك المكان, لكن الجهل داء قاتل نسألُ الله العافية.
سفر الزوجين بعد الزواج للنزهة والسياحة:
سئل الشيخ : فضيلة الشيخ : ما حكم ما يفعله بعض المتزوجين من السفر للنزهة والسياحة إثر عقد الزواج سواء إلى بلد مسلم أو غير مسلم ؟
فأجاب الشيخ رحمه الله : الذي نرى أن هذا ليس فيه إلا التعب والعناء والمشقة وإضاعة المال والبعد عن الأهل, وهذا شيء حادث عند الناس وليس معروفاً فيما سبق, ولا معروفاً في عهد الصحابة رضي الله عنهم ولا عهد التابعين, ولا أظنه إلا أتى من بلاد الكفر أو من يقلد أهل الكفر, هذا بغض النظر عما يترتب على ذلك من أضرار في الخُلُق وفي الدين وتفويت المصالح فيما إذا كان السفر إلى بلاد كافرة أو بلاد مسلمة لكنها من حيث التمسك والالتزام تشبه البلاد الكافرة, وأرى إذا كان الإنسان لا بد أن يسافر فعليه أن يسافر إلى مكة والمدينة, فيحصل له بذلك عمرة وزيارة للمسجد النبوي, ثم إلى ما شاء من منتزهات المملكة, لأن هذا أقل مؤونة, وأريح للقلب وأشرح للصدر, وأبعد عن مواضع الفتنة, هذا إذا كان الأمر لا بد منه وإلا فالأولى والأحسن أن تبقى المسائل على طبيعتها, وأن يبقى في بلده ولا حاجة إلى السفر.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: