الشهيد المجاهد عمر المختار
أذل الإيطاليين عشرين عامًا وقاوم حتى النفس الأخير.. أسد الصحراء عمر المختار في ذكرى إعدامه على يد الاحتلال الإيطالي.
• في مثل الزعيم الشهيد عمر المختار يصدق قول أديب العربية وداعية الحرية الشيخ عبدالرحمن الكواكبي، إذ يقول: "ما بالُ الزمانِ يضنُّ علينا برجال ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، ويفكرون بحزْم، ويعملون بعزمٍ، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون".
• والزعيم عمر المختار مثال بديع في كوكبة المجاهدين، بلغ ذُرَا المجد والكمال والكرم؛ إذْ نهَض لقيادة شعبه وأبناء وطنه في مواجهة المحتل الباغي والغازي المغتصب، الذي اجْتاح البلاد بغيًا وعدوانًا، وعَمَدَ إلى استغلال خيرها واستبعاد أهلها، ومِنْ ثَمَّ كان وقوف أبناء البلاد بقيادة الزعيم عمر المختار عملاً مشروعًا، وجهادًا نبيلاً، ونبراسًا هاديًا للشعوب المقهورة والمستغلة، بالمواجهة المقدَّسة والتصدي لقُوَى البغي والعدوان بكلِّ الوسائل المتاحة في جهاد شريفٍ، وكفاح نبيل، حتى النصر أو الشهادة.
• ولقد جاهَد عمر المختار الأعداء الغُزاة جهادًا عبقريًّا، كان فيه مثالاً للمجاهد الشريف والفارس النبيل، حتى انتزَع التقدير والإعجاب من فم أعداء الوطن والدين انتزاعًا، وواصَل جهاده، حتى بلغ ذِرْوة الشجاعة والكرم، ومنازل الشهداء راضيًا مَرْضيًّا، بعد مقاومة بطولية كان فيها جَوَادًا وشهمًا نبيلاً؛ كي تنعم بلاده بالاستقلال والحرية، ولَم يغره مال أو جاه، وبَقِي على إرادته تلك حتى أتاه اليقين، ولَقِي ربَّه غير مُضيِّع ولا مفرِّط، فبقي لأهله وأُمَّته مثالاً عبقريًّا لكوْكَبة القادة المجاهدين والأبطال الميامين، وبَقِي ذكره نورًا يُستضاء به، ونارًا تحرق أطماع المتربِّصين بالدِّين والأرض والعِرض.
• وما أحوج أُمَّتنا في هذه الحقبة السوداء من تاريخها؛ لاستنهاض الهِمم وتفجير الطاقات الكامنة في البلاد والعباد، وإعادة اكتِشاف ذاتها، وتنمية قُدراتها على كلِّ الأصعدة؛ لمواجهة الهيمنة الصِّهْيَو - أمريكيَّة في أوطان العروبة والإسلام، ولا يكون ذلك إلاَّ برجالٍ ممن يضنُّ الزمان علينا بهم، ممن "يُنبهون الناس، ويرفعون الالتباس، ويفكرون بعزْمٍ، ويعلمون بعزْم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون"؛ كما قال الكواكبي في عبارته التي زيَّنَّا بها صدرَ هذه المقالة.
• من أجْل هذا، فإنَّ أُمَّتنا العربيَّة والإسلاميَّة في أمَسِّ الحاجة لهذا الصِّنف من الرجال، وذلك الطِّراز من القادة؛ للسَّيْر على نهْج النبي القائد والمعلم الرائد - صلى الله عليه وسلم - وتلامذته المباركين؛ كسعد بن أبي وقَّاص، وأبي عبيدة عامر بن الجراح، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد، ومن حَذا حذْوهم من القادة؛ كصلاح الدين الأيوبي، والملك المظفر سيف الدين قُطز، ومحمد الفاتح صاحب فتح القسطنطينيَّة العظيم، ومن بعدهم المجاهد عمر المختار، والأمير عبدالقادر الجزائري، والزعيم مصطفى كامل، ورفيق دَرْبه محمد فريد، وغيرهم كثير في قافلة القادة المظفرين على امتداد الوطن العربي الكبير والأُمَّة الإسلامية من المحيط إلى المحيط، أولئك النَّفر الذين يجود الزمان بهم في مراحل التحوُّل التاريخيَّة، التي يسعى فيها الأعداء لتوجيه ضرْبتهم القاضية لأُمَّة العرب والمسلمين، فإذا آمالهم تَخيب، ومساعيهم تبوء بالفشل؛ إذ يُقيِّض الله للأُمَّة وأوطانها مَن يلمُّ شعْثها، ويوحِّد طاقاتها، ويَبعث فيها الأمل والعزْم والإدارة السياسيَّة الفاعلة، وفي مثله يصدق قول الشاعر:
لَهُ هِمَمٌ لاَ مُنْتَهَى لِكِبَارِهَا *** وَهِمَّتُهُ الصُّغْرَى أَجَلُّ مِنَ الدَّهْرِ
• وإن أُمَّتنا قد تمرض، ولكنها لا تموت، وسَرعان ما تتماثل للشفاء، وكم من مواقفَ مرَّت بها عبر تاريخها، أعدَّ لها الأعداء أكفانها، وحفروا لها قبورها، ولكن ما لَبِثت أن نَهَضت من عَثْرتها، وأفاقت من غَفوتها، فاستحال ضَعفها قوَّة، وتفرُّقها وَحْدة، وضلالها رشادًا، فنصَرَها الله - تعالى - وأيَّدها برُوحٍ منه، فهَزَمَتْ أعداءها، واستعادت رشدها، وتملَّكت زمام القيادة والتوجيه لخير حضارة شَهِدتها مسيرة البشرية في تاريخها الطويل، حضارة العلم الإيمانية والتوحيد الخالص، والإنسانية الحقَّة، ولقد حدَث لأُمَّتنا مثل هذا الابتلاء، ونزَل بها مثل هذا البلاء في غزوة الأحزاب وفي حُنين، ومُؤتة وتبوك، وفي حروب المرتدِّين، ومع الصليبيين القُدامى والجُدد، وفي ظلِّ الاجتياح المغولي، ويَبقى التحدي الصِّهْيو - أمريكي، والذي هو أثَرٌ من آثار اتِّفاقية - سايكس بيكو - ونَتاج مساعي عميل المخابرات الإنكليزية "لورانس" في بدايات القرن العشرين الميلادي.
• ويبقى أمامنا تحدِّي الجهل والتخلُّف والتشرذُم، فضلاً عن تحدِّي الاحتلال الصِّهْيو - أمريكي لفلسطين، وهو في الحقيقة احتلال وغزو أوروبي صليبي في ثياب صِهْيَونيَّة، تواطَأ فيه الغرب الأوروبي مع دُعاة الفكرة الصِّهْيَونية؛ لزرْع الكِيان الصِّهْيَوني في فلسطين باسم إسرائيل؛ لطَعْن آمال الأمة العربية والإسلامية في النهضة والاتِّحاد والتوحيد، والقضاء على طموحها المشروع في الاضطلاع بدورها في القيادة العالَمية، وبناء الحضارة الإنسانية المعاصرة.
- التصنيف:
- المصدر: