يوم الجمعة .. قضايا وأحكام 3
والناس كانوا في زمَن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه يُصلُّون يومَ الجُمُعةِ حتى يخرُجَ عُمرُ، فالصحابة كانوا يُصلُّون وقتَ الزوال
بسم الله الرحمن الرحيم
السفر يوم الجمعة
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة/9] .
فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله تعالى قال: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}
وإذا كان السفر قبل ذلك، فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه، فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان .
والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأفضل أن يبقى".
العدد الذي تنعقد به الجمعة
إقامة الجمعة واجبة على المسلمين في قراهم يوم الجمعة، ويشترط في صحتها الجماعة. ولم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانها ظهرا من أجل نقص العدد عن أربعين على الصحيح من أقوال العلماء.
هل للجُمُعةِ سُنَّةٌ راتبةٌ قبليَّةٌ؟
ليس لصلاةِ الجُمعةِ سُنَّةٌ راتبةٌ قبليَّة، وهذا مذهبُ المالكيَّة، والحنابلة، وعليه جماهيرُ الأمَّة، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة، وابن القيِّم، وابنِ حجرٍ العسقلانيِّ
فعنِ ابنِ عُمرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهما- قال: «صليتُ مع النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- سجدتينِ قبلَ الظُّهرِ، وسجدتينِ بعد المغربِ، وسجدتينِ بعدَ العِشاءِ، وسجدتينِ بعدَ الجُمُعةِ» .
أنَّ المرادَ من الصَّلاةِ المسنونة أنَّها منقولةٌ عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قولًا وفعلًا، والصلاة قبل الجُمُعة لم يأتِ منها شيءٌ عن النبيِّ –عليه الصلاة والسلام- يدلُّ على أنَّه سُنَّة، ولا يجوزُ القياسُ في شرعيَّة الصلواتِ.
أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان يخرج من بيته يومَ الجُمُعة فيصعَدُ مِنبَرَه ثم يؤذِّنُ المؤذنُ، فإذا فرغ أخذَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في خُطبتِه، ولو كان للجُمُعةِ سُنَّةٌ قَبْلَها لأمَرَهم بعدَ الأذانِ بصلاةِ السُّنَّة، وفعَلَها هو -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، ولم يكُن في زمنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- غيرُ هذا الأذانِ الذي بين يدي الخَطيبِ.
لو كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُصلِّي في بيتِه قبلَ خُروجِه إلى الجُمُعة لضُبِط ذلك، كما ضُبِطتْ صلاتُه بعدَها، وكما ضُبِطتْ صلاتُه قبل الظُّهر، ولنَقَل ذلك أزواجُه -رَضِيَ اللهُ عَنْهنَّ-، كما نقَلْنَ سائرَ صلواته في بيتِه ليلًا ونهارًا، وكيفيَّة تهجُّده وقِيامة بالليل، وحيث لم يُنقَلْ شيءٌ من ذلك، فالأصلُ عدمُه، ودلَّ على أنه لم يقعْ، وأنَّه غيرُ مشروعٍ.
التطوُّعُ قبل الجُمعةِ
يُستحبُّ التطوُّعُ يومَ الجُمعةِ، نصَّ عليه المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابِلَة
فعن سلمانَ الفارسيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: « (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى) » [البخاري]
فالحديثَ يدلُّ على فَضلِ الصلاةِ قبلَ الجُمعةِ من غيرِ تقديرٍ للصَّلاةِ؛ فيكون أقلُّ ذلك رَكعتينِ، والزيادةُ عليهما بحسَبِ التيسير.
وعن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللهُ عَنْه- أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: «(مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)» [مسلم]
عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَام [الموطأ]
عن نافعٍ قال: كان ابنُ عُمرَ يُطيل الصلاةَ قبل الجُمُعة، ويُصلِّي بعدَها ركعتينِ في بيتِه، ويُحدِّثُ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان يَفعَلُ ذلك.
** فلو قيل إنها صلاةُ في وقتِ الزوالِ من يومَ الجُمُعةِ، نقول انه اختلف أهلُ العلمِ في الصَّلاةِ يومَ الجُمُعةِ وقتَ استواءِ الشمسِ وقيامِها في وسَطِ السَّماءِ إلى أنْ تزولَ، على أقوالٍ، أقواها قولان:
القول الأوّل: أنَّه وقتُ نهيٍ كباقي الأيَّامِ، وهذا مذهبُ الحنفيَّة والحنابلة، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمين
ودليلهم ما روي عن عُقبَة بنِ عامرٍ الجهنيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه-، قال: "ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ينهانا أن نُصليَ فيهنَّ، أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشَّمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ"
القول الثاني: أنَّه ليس بوقتِ نهيٍ يومَ الجُمُعةِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة، والأصحُّ في مذهبِ الشافعيَّة، وهو قولُ أبي يُوسفَ من الحنفيَّة، وهو وجهٌ عند الحنابلةِ، وقولُ طائفةٍ من السَّلفِ، واختارَه ابنُ تيميَّة، وابن القيِّم، والصنعانيُّ، وابنُ باز
ودليلهم ما رواه سلمانَ الفارسيِّ -رضي الله عنه-: قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: (لا يَغتسلُ رجلٌ يومَ الجُمُعةِ، ويتطهَّرُ ما استطاعَ مِن طُهر، ويَدَّهِنُ من دُهْنه، أو يمسُّ مِن طِيب بيتِه، ثم يخرُج فلا يُفرِّقُ بين اثنينِ، ثم يُصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصِتُ إذا تَكلَّم الإمامُ، إلَّا غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعةِ الأخرى)
فالحديثُ فيه مندوبيَّةُ الصلاةِ، وأنَّ المانعَ منها خروجُ الإمامِ لا انتصافُ النَّهارِ.
والناس كانوا في زمَن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه يُصلُّون يومَ الجُمُعةِ حتى يخرُجَ عُمرُ، فالصحابة كانوا يُصلُّون وقتَ الزوال؛ لأنَّهم كانوا يُصلُّون إلى خروجِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وكان عمرُ لا يَخرُجُ إلَّا بعد وقتِ الزوالِ، وهذا لا يكونُ إلَّا توقيفًا؛ فيكون مخصِّصًا لعمومِ النهيِ عن الصلاةِ في ذلك الوقت
والنبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استحبَّ التبكيرَ إليها ثم رغَّب في الصلاة إلى خُروجِ الإمامِ من غيرِ استثناءٍ.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: