الإيثار والمواساة
الإيثار خلق رفيع عال .. وأرفع منه ألا تشعر من آثرته بأنك تؤثره " فاطفئي السراج، وأريه أنا نأكل.." كم يحب الله هذا التظاهر النبيل .. نوع من المخادعة المحبوبة لغاية نبيلة.
عن أَبي هريرة - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إنِّي مَجْهُودٌ
فَأرسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقالت: وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ،
ثُمَّ أرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثلَ ذَلِكَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ .
فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُضيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ» ؟
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا يَا رسولَ الله،
فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: أكرِمِي ضَيْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ فقَالَتْ: لاَ، إِلاَّ قُوتَ صِبيَانِي .
قَالَ: فَعَلِّليهم بِشَيْءٍ وَإذَا أرَادُوا العَشَاءَ فَنَوِّمِيهمْ،
وَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأطْفِئي السِّرَاجَ، وَأريهِ أنَّا نَأكُلُ . فَقَعَدُوا وَأكَلَ الضَّيْفُ وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ،
فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَقَدْ عَجبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» (متفق عليه).
هذا الصحابي رضي الله عنه .. سنحت له فرصة في الخير قد لا تتكرر فاهتبلها بفرح وكانت المكافأة: " لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة " .. فمدحه ومدح زوجه رضي الله عنها التي أعانته على تحقيق مبتغاه ( إكرام ضيف رسول الله )..
في هذا الحديث أن الإيثار خلق رفيع عال .. وأرفع منه ألا تشعر من آثرته بأنك تؤثره " فاطفئي السراج، وأريه أنا نأكل.."
كم يحب الله هذا التظاهر النبيل .. نوع من المخادعة المحبوبة لغاية نبيلة.
صدع الغربيون رؤوسنا بحديثهم عن الفردانية والحرية .. ومآل نظرياتهم تلك هي تعزيز أنانية الإنسان وعنايته الشديدة براحته ومنافعه ..
ويجيء خلق الإيثار الذي يحبه الله .. ليكشف لنا عن سوءة أخلاقية تفضح تلك القيم والنظريات الغربية .. الإنسان يصبح إنسانيا عندما يتخلى عن أنانيته .. عندما يسعى لهدف أسمى من إرضاء غرائزه .. الإيثار يحرر الإنسان من سجن الفردية الأنانية.. وهذا ما يريده الله من الإنسان.
ومن مليح التأملات قول بعضهم:
( لا شيء في الطبيعة يعيش لنفسه!
النهر لا يشرب ماءه
والبحر لا يأكل سمكه
والأشجار لا تتغذى على ثمارها
والشمس لا تُشرق لذاتها
والهواء لا يتنفس "أُكسجينه"
خُلقت الأشياء لتخدم غيرها
هذه حكمة الله و رسالته لنا
لنعش لبعضنا
ولنكن عوناً لبعضنا
ولنزرع الخير بيننا )
ثم بعد ذلك ألا يهز قول رسول صلى الله عليه وسلم فكرك ووجدانك وفضولك ؟!
«لَقَدْ عَجبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ».
بلى والله .. !
خالد بن منصور الدريس
أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي
- التصنيف:
- المصدر: