هل أمن أهلك من بوائقك؟

منذ 2021-09-30

هل نريد أن يكون دعاؤهم حين يرونا اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم؟ أم يدعون لنا بالخير وطول العمر وخير الجزاء على حسن معاملتنا لهم ؟

كلمات أهديها من أعماق قلبي إلى كل من ولاه الله سلطة على من هم دونه- سواء أكان أبا أو زوجاأو أخا أو أما أو أختا- وكانت له اليد العليا والكلمة الأولى، له أفضلية الحكم والتصرف والعقوبة بما له من سلطة.

 كلمات أذكر بها نفسي قبل غيري فكلنا قد يكون هذا الشخص وهو لا يدري!

 كلمات أثارها في نفسي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:  «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه»   [متفق عليه] ، وفي الرواية الأخرى: قيل: يا رسول الله، ما بوائقه؟ قال: (غشمه وظلمه).

والحديث وإن كان يتكلم عن الجار إلا أننا نرى في بيوت المسلمين كثيرا ممن لا تؤمن بوائقه، فهل نحن منهم؟

ليسأل كل منا نفسه: عندما يُقبل على أهل بيته بماذا يشعرون؟ هل هو الشعور بالأمان والفرحة أم الخوف والرهبة؟هل يشتاقون إليه إذا غاب وينتظرونه ليعود فيشعروا بالطمأنينة والبسمة؟ أم يتنفسون الصعداء؟ فبعد أن كان النَفَس بحساب سيتنسمون معنى الحرية للحظات قبل أن يعود فيسكت الجميع خوفا من النقد والصراخوالعقاب على أقل هفوة.

بالطبع سمعنا عن عمر بن الخطاب وهيبته، ولكن هل نعرف كيف كان مع أولاده؟ دخل عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه، فوجده مستلقيا على ظهره وصبيانه يلعبون على بطنه، فأنكر ذلك عليه، فقال له عمر: كيف أنت مع أهلك؟ قال: إذا دخلت سكت الناطق، فقال له: اعتزل، فإنك لا ترفق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

ليس أقسى على النفس من أن يكون مصدر أمانها المفترض هو مصدر ألمها وحزنها، أن من ولاه الله أمر حمايتها والقيام على شئونها وإليه تلجأ- بعد الله- حينما تخاف؛ لترتمي في أحضانه،أن يكون هو من تفر منه وتفزع، أن تتمنى أن تحكي له ما يحزنها وتشاركه أفراحها ولكن هيهات فهي تعرف أنه بها لن يشعر، وإذا أخطأت فلن يغفر، وإذا تكلمت فنظراته تؤلم، وعباراته سياط لا ترحم.

نظن أن ذلك علامة الاحترام والهيبة، وما هذا إلا خوف ورهبة، أما الاحترام الحقيقي إنما يأتي من الحب والتقدير وحسن المعاملة ومحاولة رد الجميل، يأتي من الرفق والشعور بالأمان.

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» » [رواه مسلم] ، وعن جرير بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: « «من يحرم الرفق يحرم الخير» »، رواه مسلم، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ» .

هل معنى الحزم وضبط أمور البيت أن نؤذي أقرب الناس إلينا؟ نقتلهم بغير سلاح؟ نربيهم على الخوف والخنوع؟ أو نخلق منهم جبابرة طغاة يسيرون على نهجنا ويكملون مسيرتنا لتستمر عجلة الخوف والأذى في السير على قلوب أقرب الناس إليهم فتمزقها؟!

ولا يهم إن لم يكن ذلك قصدنا، فالمهم هو نتيجة أفعالنا،المهم أننا خالفنا أمر الله ورسوله بالرفق واللين في المعاملة، أننا آذيناهم بفعلنا وقولنا بل ونظراتنا، مزقنا قلوبهم في اليوم مرات ومرات- رغم شدة حبنا لهم وسلامة نيتنا وحرصنا عليهم- نظن أننانزرع الشهد وننتظر أن يشكرنا الجميع على ذلك، ونحزن إن لم يفعلوا ونرميهم بالجحود ونكران الجميل، لكننا في الحقيقة زرعنا بذور الحنظل ونحن لا ندري، ونصر على أنه شهد، ونلوم ونعاقب ونظن السوء بمن لا يراه مثلنا، رغم أن المرارة قد ملأت أفواههم وكل ذرة في أجسامهم، لكننا لا نشعر لأننا لم نذقه مثلهم.

هل نريد أن يكون دعاؤهم حين يرونا اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم؟ أم يدعون لنا بالخير وطول العمر وخير الجزاء على حسن معاملتنا لهم؟

أما نخاف من المظالم عندما نتجاوز الحد في الشدة فيقتصون منا؟ فربنا الجبار الذي يعلم ألم القلوب ودمع العيون لا يظلم مثقال ذرة، يجبر كسر المنكسرين، وهو جبار على الجبابرة، وسيحاسبنا على كل وخزة ألم في قلوبهم، وكل دمعة من عيونهم.

أما نخشى أن نخالف وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكسر القوارير التي أوصى بالرفق بها؟ فالنساء والبنات كالقوارير كسرها سهل، وما كسر منها فترميمه صعب.

ماذا سنقول إذا وقفنا بين يدي الله وسألنا عن رعيتنا؟ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه) متفق عليه..

وإذا كنانحن الخصم الذي يشكون أفعاله- فبما لدينا من الولاية والسلطة عليهم- فنحن أيضاالقاضي والجلاد، وإذا لم نسمع شكواهم، ونتفهم قضيتهم، ونمسح دموعهم،ماذا سنقول لربنا الحكم العدل إذا وقفوا بين يديه وقالوا لقد ضيع الأمانة وآذانا بقوله وفعله وشدته، لم نجد عنده الحنان والأمان الذي نحتاجه يارب، وليس الذي يظن أنه قدمه بالفعل؟

فلنستعد للوقوف بين يدي الله القهار الجبار وإجابة السؤال.

ولكن مازالت لدينا الفرصة لنتدارك الأمر ونضمهم تحت جناحنا، ونبدل خوفهم أمنا، ونعوضهم ما فات، فأن نأتي متأخرا خيرا من ألا نأتي أبدا، ويكون اللقاء يوم القصاص.

هبة حلمي الجابري

خريجة معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية

  • 9
  • 1
  • 2,306

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً