فن الكتابة فى الصفحة البيضاء - قواعد: (١٣) كل ابن آدم خطاء": ليسوا ملائكة.. ولا أنتِ!

منذ 2021-10-21

وليسَ القلمُ مَرفوعًا عنهُ لأنهُ لن يُخطِيءَ..! فلماذا سيُخطِيءُ كثيرًا؟


ثمةُ أمهاتٍ يُعامِلنَ أولادَهُنَّ كملائِكَةٍ لا يَعصُونَ اللهَ ما أمَرَهُم ويَفعَلونَ ما يُؤمَرون..

رُغمَ إقرارِهِنَّ أنَّ كلَ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، إلا أنهُنَّ عَمَلِيًا يَنسَوْنَ هذا القانونَ البَدَيهِيَّ..

حبيبتي..

ابنُكِ دونَ الحُلُمِ مَرفُوعٌ عنهُ القلمُ لأنهُ سيُخطِيءُ كثيرًا عن جهلٍ وعُذْرٍ، وليسَ القلمُ مَرفوعًا عنهُ لأنهُ لن يُخطِيءَ..!

فلماذا سيُخطِيءُ كثيرًا؟

لأنه غيرُ مُكتَمِلِ النُمُوِّ الجسديِّ والعَقليِّ والنفسيِّ والاجتماعيِّ.. فلا يُمُيِّزُ الصوابَ من الخطأِ ولا يُدرِكُ عواقِبَ الأمورِ ولا يُلِمُّ بقوانينِ الحياةِ كلِها بَعْد.. فيتَعَثَّرُ تمامًا كَتَعَثُرِهِ حينَ يتعلمُ المَشْيَ أولَ مَرَّة..

ويُصبحُ مكلفًا مُحاسَبًا بأهليةٍ وجَدارَةٍ حين يَبلُغُ الحُلُمَ ويَشتَدُّ عُودُه، دونَ أدنَى ظُلمٍ له مِن ربِهِ أرحمِ الراحِمينَ وأحكمِ الحاكِمين..

ونِسبَةُ الخطأِ والتَعَثُرِ تَقِلُّ تدريجيًا كلما كَبَرُوا وانتقلوا بسلامٍ من المرحلةِ العُمرِيَّةِ الأدنَى إلى الأعلَى، وكانت تربيتُهم فِي جَوٍّ أُسِرِيٍّ آمِنٍ وصِحِيٍّ وإسلامِيّ، بلا عَقبَاتٍ قاصِمة فِي طريقِ نُمُوِهِمُ الشامِل..

فعليكِ:

-إدراكُ ذلك

-والإلمامُ بالحدِ الأدنَى من المعرفةِ بطبيعةِ وسِماتِ واحتياجاتِ المرحلةِ العُمْرِيةِ، وبكيفيةِ تحقيقِ التوازُنِ بين طبيعةِ كلِ مَرحَلَةٍ ومُتَطلباتِها وخُطَةِ التربيةِ التي رسَمتِها لهم

-واستيعابُ أنَّ صبرَكِ على أخطائِهِم ليسَ تَفَضُّلًا وإنعامًا مِنكِ حبيبتي، إنَما هو شَهادةٌ في حَقِكِ بالرُشدِ والحِكمَةِ، وأنكِ عاقِلَةٌ فِكرِيًا ومُتَزِنَةٌ انفعاليًا، مُستَوعِبَةٌ للبَدِيهِياتِ وتُعطِينَ الأمورَ حَجمَها، وتُمَيزِين جيدًا مَنِ الصغيرُ ومَنِ الكبيرُ/ ومَنِ القويُ ومَنِ الضعيفُ/ ومَنِ العالِمُ ومَنِ الجاهلُ/ ومَنِ المُكَلَفُ ومَنِ المَرفُوعُ عنهُ القلمُ..

ليسوا ملائكةً.. وكذلك أنتِ.. كلاكُما ابنُ آدم وكُلُ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ..

فلو تَعذُرِينَ نَفسَك؟ِ= فَهُم أجدرُ بالمَعذِرة، فعلَى الأقلِ هم مَعذُورون لقلةِ رُشدِهِم ونُضجِهم وخِبراتِهم، بينما أنتِ كبيرةٌ وراشدةٌ وخبيرةٌ، فكيفَ عُذرُكِ مُقارَنةً بهم؟

ولو عذرُكِ في عَصَبِيتكِ هو الضُغوطُ والمسؤولياتُ؟= فأعِيدِي مُراجعةَ وترتيبَ أوضاعِكِ مِن جديدٍ وأزيحِي منها ما أمكَنَ، مِن عَمَلٍ أو دِراسَةٍ أو رسائلَ عِلمِيةٍ قد لا  يكونوا بالضرورةِ العاجلةِ التي تبدو لكِ بل ربما الأفضلُ لكِ ولبيتِكِ تأجيلُها لأجواءٍ أكثرَ بركةً في التحصِيل، واكتفِي مُؤقتًا بالضغوطِ الأصلِيةِ في حياتِكِ كأمٍ وابنةٍ وأختٍ وزوجة، فنحنُ جنودٌ لله، نَعمَلُ حيثُ سخَرَنا وقَدَّرَ لنا، وتَذَكَّرِي دعاءَ النبيِّ ﷺ  بالجنةِ حينَ قال: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ"، أي إذا أُقِيمَ في مُقَدِمَةِ الجَيشِ لِحراسَتِه رَضِيَ وقامَ، وإنْ أُقيمَ في السَّاقةِ مُؤَخِّرةِ الجَيشِ رَضِيَ وقامَ، ولا يَضُرُّهُ تفاوتُ المَواضِع، لابتغائِهِ وَجهِ اللهِ، وهو خامِلُ الذِّكرِ بِلا مَكانةٍ بيْنَ النَّاسِ ولا يَسعَى لوَجاهَةٍ بيْنَهُم..

فطُوبَى كذلكَ لأُمٍ آخذةٍ بعِنانِ نفسِها ولِجامِ أمرِها في سبيلِ اللهِ، مُنطَلقةً تُجاهِدُ في تربيةِ أبنائِها بإحسانٍ، مُستَدبرَةٍ زخارفِ الدنيا، خَفِيةِ الذِكرِ بينَ الناسِ بِلا مكانةٍ عِلمِيةٍ أو شَرَفِيَةٍ، لكنها عندَ ربِها حَفيةُ الذِكرِ شريفةُ القدرِ مَحفُوظةُ الأجرِ..

ولو عُذرُكِ هُو جَهلُكِ بقواعِدِ التربيةِ تِلك، فها قد عَرَفتِ فالزَمِي، وقولي ربِّ زِدنِي عِلمًا.. وأكمِلِي مَسيرَةَ طلبِ العِلمِ التربوِيِّ، لتفكيكِ ما يُضاعِفُ تَعَثُرَكِ مَعَهُم.

ولو عُذرُكِ ضَعفُ مُقاومَتِكِ؟= فكيفَ بِمَن هم أضعَفُ وأَعجَزُ مِنكِ؟ لا شكَ أنكِ بَشَرٌ تَضعُفِينَ وتَعجَزِينَ، لكنِ الصغارُ أضعَفُ وأضعَف.. اجبُرِي ضعفَكِ بحَوقَلاتٍ واستغفاراتٍ وركعاتِ بَثٍّ مِن نوعِيةِ "أرِحنا بِها يا بلال"، وبمُحاسَبَةٍ دَورِيةٍ وإصلاحٍ، وبالاستعانةِ بمن يَدعَمُكِ ويَحمِلُ عَنكِ/

وَلَبِنَةٌ فوقَ لَبِنَةٍ يَكتَمِلُ البِناءُ.. فاستعِنْ باللهِ ولا تَعجَز..

ولو عُذرُكِ هُو حُزنُكِ لتأخُرِ الثَمَرةِ وتُبَرِّرِينَ عَصَبِيَتَكِ بذلك؟= فكما قُلنا مِرارًا: كُلُّ نَبتَةٍ لها مُدةُ إنباتٍ..
هناك بِذرَةٌ تحتاجُ سبعَ سنواتٍ لتُزهِرَ، كشجرةِ المانجو مثلًا، وهناك بِذرةٌ تحتاجُ لسبعَةِ أيامٍ، كالعَدَسِ مثلًا.. فتأمَّلِي! سبعُ سنواتٍ وسبعُ أيامٍ، والماءُ واحدٌ والتُربَةُ واحدةٌ.. وفي السماءِ رِزقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ.. والرِزقُ يحتاجُ لسَعْيٍ، فاسعَيْ وتَرَقَّبِي رِزقَهُ برضا وتَوَكُلِ الطيرِ= فتَغدِينَ بكفوفٍ خاويةٍ، وتَعُودِينَ بها عامرةً بالأزهارِ..

فاسقَي.. واستمِرِي.. واصبرِي.. وأبشرِي.. ربُكِ سيسألُكِ عن السقايةِ، لا ثمرتِها، ما دُمتِ رَعَيتِها بِما علَّمَكِ..

وثمةُ أمهاتٍ تتعاملُ مع خَطئِها بجلدٍ للذات مُفرِطٍ ومُحبِطٍ..

فَلا تنسَي: أنتِ لستِ ملاكًا.. فلا تُسَوِّقي نفسَكِ عِندَهُم كالملاكِ أو قريبٍ مِنه، حتى إذا زَلَلْتِ تكونُ صدمةٌ لكليكُما..

بَل أدرِكِي ضَعفَ نَفسِكِ، واعلَمِي أن هناكَ مِساحاتُ عَجزٍ وقِلَةِ حِيلَةٍ نستعينُ فيها باللهِ ذِي القوةِ والطولِ، والتقصيرُ مَعفِيٌّ عنهُ طالما نجتهدُ ونجاهِدُ بنفسٍ لوامةٍ بغيرِ إفراطٍ، تُصحِحُ المسارَ أولًا بأول..

وكَرِّرِي عليهم أن كُلَ ابنِ آدمَ خَطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابُون، وأنكِ قُدوةٌ تُسارِعُ إلى الخيرِ الذي تأمُرُ بِه، وتمتَنِعُ عن الخطأِ الذي تَستَنكِرُه.. ولا تَمنَعَنَّكِ زلاتُكِ عن الاستمرار..

قِيلَ عنِ الحسنِ البَصرِيِّ أنهُ ما بَلَغَ ما بَلَغَهُ مِن مكانةٍ إلا لكَونِهِ إذا أمَرَ الناسَ بشَيءٍ يَكونُ أسبقَهُم إليه، وإذا نهاهم عن شَيءٍ يكونُ أبعدَهم مِنهُ.. وهوَ نفسُهُ الذِي حِينَ قِيلَ لَهُ أنَّ فُلَانًا لَا يَعِظُ مَخافَةً أن يقُولَ مَا لَا يفْعَلُ، قال: [وَأَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟-يَقصِدُ ((كُلَّ)) ما يَقول- [وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّ يظَفِرَ بِهَذَا فَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ]..

=فالأساسُ أن فِعلُكِ مُوافِقٌ لقولِكِ، لا انفصامَ بينَهُما ولا ازدواجيةً للمعايير، فقاعدتُكِ: {وما أُريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}/ {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}/ {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}

=والخطأُ والتقصيرُ وارِدٌ، وقاعِدتُكِ: {كل ابن آدم خطاء}/ و{إن أريد إلا الإصلاح ((ما استطعت))}..

=وبادِرِي بالإقرارِ والاعتذارِ إن أخطأتِ، وقاعدتُكِ: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}..

=وتَجَنَّبِي مَواطنَ الشُبهَةِ وبَرِّئِي سُمعَتَكِ... وقاعدتُكِ: {ما عَلِمنَا عليه من سوء}.. كما فعلَ النبيُ ﷺ حين كان مع صفيةٍ في الطريقِ ليلًا، فبعضُ الصحابةِ أَسرَعُوا الخُطَى، فَبَرَّأَ ﷺ موقفَهُ وأوضحَ أنها زوجتُه.. ذَكَرَ ابنُ حَجَر ضِمنَ فوائدِ الحديثِ: ((اجتنابُ التَعَرُّضَ لسوء الظن بنا وتقديم العذر فيه))..

غَفَرَ اللهُ لنا انفلاتَ أعصابِنا معَ المَرفُوعِ عنهُم القَلَمُ..

شَمِلتْهُم رحمتُهُ تعالَى، وضاقَتْ عنهم رحمَتُنا...

فاللهم سامِحْنا واجبُرْ عَجزَنا واجبُرْهُم.. وما أُبَرِّيءُ نفسِي فكُلنا خطَّاؤُون.. وخيرُ الخطائِينَ التوابُون..

 فإن سألتِ: متى وكيفَ ننتبِهُ لأمرِ القُدوَةِ؟ ومَتَى تَبدأُ المُحاكاةُ عادَةً؟

فالجوابُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..

أسماءمحمدلبيب

أسماء محمد لبيب

كاتبة مصرية

  • 8
  • 0
  • 2,001
المقال السابق
قواعد: (١٢) {فَبُهُداهُمُ اقتَدِه}: لا قُدوة على غَيرِ هُدًى..
المقال التالي
قواعد: ( ١٤) {بلْ نَتَبِعُ مَا ألْفَينَا عَلَيهِ آباءَنَا}.. فِطرَةُ المُحاكَاة!

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً