السهر الإيماني

منذ 2021-11-08

أتذكر عندما كنت صغيرة ذات العاشرة من عمري، أرى جدتي الغالية رحمها الله رحمة واسعة دائمًا تنزل للمسجد الذي كان تحت العمارة التي نسكُن فيها كل ليلة، أرى من أصغر منها وأكثر نشاطًا يجلس أمام شاشات التلفاز، أو يتحدث في التليفون أو نائمًا، وهذه المباركة مع كِبر عمرها وضَعف جسمها، لم تتعب من أن تذهب إلى صلاة الليل في المسجد بالذات إن كان شهر رمضان، فكنت أتعجب لماذا لا تنام؟ ألا تتعب؟ لماذا ولماذا، وكثير من الأسئلة تدور في مُخيلتي..

 

كبرتُ قليلًا وصرت كما كان غالب الناس الذين كنتُ أسكن معهم، وما زالت جدتي تحرص كل ليلة على قيام الليل...

 

طلعنا من البلاد الإسلامية التي كنَّا نسكُن فيها وجئنا إلى بلاد غربية لا يوجد مساجد بالقرب كما كان، والمساجد المتاحة لا بد أن نركب مواصلات للذهاب إليها، وجدتي تَئِنُّ نفسُها إلى المساجد؛ لأنه كان عهدها أن تُصلي كل الصلوات في المسجد، كنت أُراقب جدتي في كل شيء تعمله، وهي لاحظت ذلك، فكانت تقول لي: "يا بنيَّتي، لا أعلم الساعة، أيقذيني عندما يكون الوقت الثانية بالليل"، وأحيانًا حتى أكون صريحة معكم، أنسى وأراها فوق رأسي توقذني"، يا بنيتي، هل وصلت الساعة إلى الثانية؟! "أقول لها: لا نامي يا جدة"، كل يوم على هذا المنوال حتى قلت لأمي: لا أستطيع النوم من جدتي، من الممكن أن أشتري لها منبهًا"، و فعلتْ أمي، وكنتُ في ظني أني ارتحت، ولكن لم أعرف أني حرمتُ نفسي خيرًا كثيرًا، خيرًا لا يشعر به إلا مَن ذاق حلاوة القيام بين يدي الله، يناجيه، يتضرَّع إليه، ويدعو بما شاء!

 

وما إن قرأت قول الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17].

 

زالت الحيرة والتعجب اللذين كانا يجولان بداخلي عندما كنت أرى جدتي تحرص على قيام الليل، وتسهر هذه السهرة الإيمانية، زال، لماذا لم تشعر بالتعب وهي تقوم تتوضأ بردًا كان الجو أم حرًّا، لماذا كان يأبى جسدُها الخلود إلى النوم كباقي البشر الذين كانت تسكن معهم في نفس الدار؟! إنها ذاقت حلاوة المناجاة، وعرَفت حقيقة الدنيا، فكانت تدعوه خوفًا وطمعًا؛ حتى يرفعها بتلك الرُّكيعات إلى منزلة عالية، ويَجزيَها ربها بِما كانت تعمل قرةَ أعينٍ تَقَرُّ بها عينُها عندما تلقاه...

 

أسأل الله سبحانه أن تنال مما كانت ترجوه، إنه القادر عليه، اللهم آمين.

 

  • 2
  • 2
  • 876

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً