كيف ترد على افتراء؟

منذ 2021-11-11

إن أعداءَ الدين لا يدّخرون جهدًا في إثارة الافتراءات والشبهات حول الإسلام العظيم، وهم يعملون عملاً منظّمًا، ومن خلال دراساتٍ وخططٍ وتجاربَ وبحوث، حتى صار الافتراءُ على الإسلام علمًا يُدرّس -مثلاً- في كليات اللاهوت ومراكز التنصير، وتدريب الافتراء وإثارة الشبهات.

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على رسول الله، خيرِ خلْق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه الأخيار الطاهرين.

وبعد:
فإن أعداءَ الدين لا يدّخرون جهدًا في إثارة الافتراءات والشبهات حول الإسلام العظيم، وهم يعملون عملاً منظّمًا، ومن خلال دراساتٍ وخططٍ وتجاربَ وبحوث، حتى صار الافتراءُ على الإسلام علمًا يُدرّس -مثلاً- في كليات اللاهوت ومراكز التنصير، ويحظى المنصّرون بتدريب مدروس في كيفية طرح الافتراء وإثارة الشبهات.

لذلك فمن الواجب أن يكون الردُّ على افتراءات أولئك المرجفين عِلمًا يدرُسه المختصون وطلابُ العلم؛ لا سيما المهتمون منهم بمقارنة الأديان، وكذلك يدرسُه كل المهتمين بمواجهة الحملات المسعورة التي يشنها الأعداءُ لتشويه الإسلام، بحيث تخرج الردود على قدر كبير من الإجادة والإتقان، وتحقق المقصود منها؛ وهو إجهاض الفرية والقضاء على كل أثر لها.

ومن خلال السطور التالية أعرض للخطوات العملية التي ينبغي اتباعُها في الرد على الفرية، مع توضيح المقصود من كل خطوة:


أولاً: النظر في صحة مقدمات السؤال:
فكثيرًا ما يُلقي المفتري افتراءه في صيغة سؤال مشتمل على مغالطة، كقوله مثلاً: ما الحكمة من زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عائشة -رضي الله عنها- وهي طفلة؟

والمغالطة هنا هي قول المفتري (وهي طفلة)، فهي - رضي الله عنها - لم تكن طفلة وقت زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانت امرأة بلغت مبلغ النساء.

فإذا شرع المسلم في رده ببيان الحكمة من زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عائشة -رضي الله عنها- دون بيان ما في السؤال من مغالطة، ربما ظن البعض أن ذلك إقرار ضمني بصحة مقدمة السؤال.

ثانيًا: النظر في صحة الدليل:
إذا اشتمل الافتراءُ على دليل فلا بد من التحقق من صحة الدليل متنًا وسندًا قبل الشروع في الرد، فلو كان الدليل -مثلاً- آية من القرآن، فينظر في صحة نقل لفظ الآية، فقد يخطئ المفتري -عن عمد أو جهل- في نقل نص الآية.

وإذا كان الدليل حديثًا فيبحث أولاً في صحة الحديث وثبوته، ثم يبحث في صحة نقل المتن.

وإذا كان هذا الدليل تاريخيًا أو علميًا فيجب النظر في صحته في المصادر المعتبرة، ومطالعة أقوال أهل الاختصاص لمعرفة مدى ثبوته.

ثالثًا: النظر في صحة الاستدلال:
من أبرز طرق المفترين الإتيان بنصوص صحيحة والاستدلال بها على معانٍ فاسدة لا يحتملها النص، وربما جمعوا بين سوأَتَي ضعف الدليل وفساد الاستدلال؛ ولذلك ينبغي بَعدَ النظر في صحة الدليل أن نبحث في مدى صحة الاستدلال، وهل تحتمل دلالةُ النصِّ المعنى الذي يقصده المفتري أو لا؟

رابعًا: تحديد موطن الشبهة:
من الضروري فهم موطن الشبهة وتحديد ما يرمي إليه المفتري من طرح فريته بالضبط؛ حتى يكون الرد موجهًا لأصل الافتراء وموظفًا في إزالة أي شبهة قد تقع من جراء طرح الفرية.

علي سبيل المثال: حين يطرح المفتري موضوعَ رضاع الكبير في الإسلام، فإن ما يرمي إليه هو تصوير أحكام الإسلام بالإباحية، وأنها تجيز لأي امرأة مسلمة أن تلقم ثديها لأي رجل.

لذلك يجب أن يتجه الرد في الأساس إلى بيان عدم جواز التقام الثدي في رضاع الكبير، ثم بيان عدم شمول الحكم لكل رجل، أما إذا ارتكز الرد على مناقشة الخلاف في اختصاص حكم رضاع الكبير بسالم مولى أبي حذيفة، فهذا خروج عن المطلوب وعدم توفيق في إصابة موطن الفرية.

خامسًا: اختيار الأسلوب المناسب للرد على الافتراء:
هناك عدة عوامل تتحكم في اختيار الأسلوب المناسب للرد على الافتراء؛ منها: مستوى الشخص المخاطَب بالرد، وطبيعة الافتراء نفسه، وكذلك المقام الذي سيتم فيه الرد.

فإن أسلوب مخاطبة المسلم بالرد يختلف عن أسلوب مخاطبة الكافر، وكذلك تتنوع الأساليب مراعاة لمستوى المخاطَب العلمي والثقافي والفكري، ومدى تأثره بالافتراء.

وقد تقتضي طبيعة افتراء معين أن يكون الرد مطولاً، أو أن نقدّم له بمقدمة توضيحية، أو أن يكون ذا أسلوب علمي محض، أو ذا لغة أدبية راقية، في حين تقتضي طبيعة افتراءات أخر غير ذلك.

وأسلوب الرد في حوار أو مناظرة يختلف عن أسلوب الرد في درس أو محاضرة، وأسلوب مخاطبة الجمع الكبير من الناس يختلف عن أسلوب الجلسات الفردية الخاصة.

كما أن أسلوب الردود المكتوبة يختلف عن المسموعة، والمكتوبة في نفسها تختلف بحسب المكان الذي تنشر فيه إن كان مجلة أو كتابًا، أو موقعًا على الشبكة الدولية... وهكذا.

والموفقُ من يستطيع اختيار الأسلوب المناسب الذي يراعي كل الاعتبارات، وإن كان تحقيق كل الغايات صعبًا فما علينا إلا أن نسدد ونقارب.

سادسًا: تفنيد الافتراء بقوة مع التركيز على إزالة موطن الشبهة:
إذا عُرِض الافتراءُ أو الشبهة، فيجب أن يكون همك الأول هو المسارعة إلى القضاء على هذا الافتراء واجتثاثه من أصوله بكل طريق ممكن، وإذا تعددت الردود على الفرية الواحدة، فالأولى أن تبدأ بأقوى هذه الردود، وهو الرد الذي تشعر أنه سيقضي على الفرية من الوهلة الأولى، بحيث يكون ما تبقى من الرد نافلة تؤكد تهافت الفرية، ويجب الحرص على خلو الرد من أي ثغرة يمكن للمفتري اصطيادها والنفاذ من خلالها إلى إعادة إثارة الافتراء نفسه مرة أخرى، أو إثارة افتراء غيره.وتكمن قوة الرد فيما يلي:

1- أن يكون موجهًا لموطن الافتراء وأصل الشبهة.

2- قوة الدليل ووضوحه، مع حسن الاستدلال به.

3- دقة وضبط العبارات والألفاظ.

4- أن يظهر ما في الفرية من ثغرات وأخطاء ومغالطات.

 

سابعًا: حسن الاستدلال على الردود:
من الضروري أن يشتمل الرد على أدلة واضحة تبين صدقه من جهة، وتبين بطلان الفرية وتهافتها من جهة أخرى، وتتنوع هذه الأدلة بين شرعية وعلمية وعقلية ولغوية وتاريخية وغير ذلك، بحسب نوع الفرية وموضوعها.

ومن المهم أن نحشد مجموعة الأدلة المتعلقة بالموضوع، ثم نقوم بترتيبها وتنظيمها، ونختار أقوى هذه الأدلة ثبوتًا، وأظهرها دلالة، وأكثرها تعلقًا بالموضوع، ونقدمها على غيرها، مع توثيق هذه الأدلة بعزوها إلى مصادرها.

ومن المفيد إظهار موضع الشاهد من الدليل ووجه الدلالة منه، وتأييد ذلك بالنقل عن أهل الاختصاص من الكتب المعتمدة.

ثامنًا: بيان تهافت الافتراء وتفاهته:
يجب على المؤمن الذي يتصدى للرد على افتراء ضد الإسلام أن يكون على يقين من تهافت هذا الافتراء وبطلانه، وعليه أن يظهر هذا التهافت من خلال البحث عن ثغرات في مقدمة الافتراء، وفي أدلته، وفي صحة الاستدلال بها، وفي نتائج هذا الاستدلال.

وعليه أن يقوم بحصر جميع نقاط الضعف في الافتراء، ثم تنظيمها وترتيبها، ومن ثم يشرع في بيان كل نقطة منها بجلاء مع موازنتها بعناصر القوة في الرد.

على سبيل المثال: لو استدل المفتري بحديث ضعيف استدلالاً خاطئًا على معنى فاسد، فإنه لا يُكتفَى ببيان ضعف الحديث، وإنما يجب -مع ذلك- بيان الخطأ في الاستدلال، وبيان فساد المعنى المستدل عليه، وإظهار مخالفته للأدلة الصحيحة الصريحة، وبذلك يظهر بجلاء تهافت الفرية وتفاهتها.

تاسعًا: بيان أن ما أراد المفتري إظهاره كنقيصة هو من المحامد والمحاسن:
إن كل أحكام الله كاملة لا نقص فيها، ولا يمكن لأي شخص مهما بلغ من علم وذكاء أن يثبت شيئًا من النقص في حكم من الأحكام الشرعية.

وكثيرًا ما يحاول المفتري قلب الحقائق وتزويرها، وتصوير المحاسن والمحامد كأنها نقائص وعيوب في الشريعة الإسلامية، ولذلك ينبغي على من يتصدى للرد على الافتراءات أن يظهر محاسن ما أراد المفتري إثبات قبحه، وأن يبين كمال ما ادعى المفتري نقصه.

على سبيل المثال: يصور المفترون الجهادَ على أنه إرهاب وقهر واعتداء على الحريات؛ ولذلك يجب أن يُظهر الردُّ على هذه الفرية -فوق إظهار كذبها وزيفها- تعدّدَ محاسن الجهاد ومحامده، وأنه وسيلة لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأن من مكارم هذه الأمة أنها تضحي بالنفس والمال في سبيل هداية البشرية إلى الدين الحق، وتوضيح أخلاقيات الحرب في الإسلام ونهيه عن الاعتداء على الأبرياء والفساد في الأرض.

عاشرًا: افتراض الإيرادات على الرد وإبطالها:
قد يحاول المفتري إيراد بعض الاعتراضات على الرد للتشكيك فيه وإظهار ضعفه، ومن المفيد أن يفترض من يتصدى للرد هذه الإيرادات ويتوقعها، ثم يقوم بالرد عليها قبل أن تُطرح، فهذا يعطي للرد قوة زائدة وتحصينًا من الاستدراكات والإيرادات.

على سبيل المثال: إذا استدل المفتري بحديث ضعيف، وجاء الرد عليه ببيان ضعف هذا الحديث، وغلب على الظن أن المفتري سيورد إيرادًا مفاده أن عالمًا معينًا قد صحح الحديث، فمن المفيد هاهنا التعرض لهذا الإيراد والرد عليه، قبل أن يطرحه المفتري.

كأن نقول: (وقد يقول قائل: إن فلانًا من أهل العلم صحح الحديث، فكيف تقولون بضعفه؟)
ونجيبه -مثلاً- بأن هذا العالم معروف عنه التساهل في تصحيح الأحاديث، وقد استدرك عليه كثير من العلماء المحققين تصحيحَه لهذا الحديث وبينوا خطأه فيه من عدة وجوه.

الحادي عشر: إلزام المفتري بما يعتقده والرد عليه من دينه:
إن الافتراءات التي يحاول المفترون كذبًا إلصاقها بالإسلام كثيرًا ما تكون بعينها موجودة لديهم في كتبهم ودينهم وعقائدهم، ويكون رميهم للإسلام بها على طريقة: رمتني بدائها وانسلّت.

ومن النافع جدًّا في هذه الحالات إلزام الخصوم بما وجد في كتبهم والاحتجاج عليهم بما تقرره مصادرهم، على أن يأتي ذلك بعد استيفاء الرد من الناحية الإسلامية.

على سبيل المثال: يحاول المنصّرون تصوير النَّسْخ في الإسلام على أنه مما يقدح في تمام علم الله وحكمته؛ لأنه يلزم من الإقرار بوجوده القول بالبَداء على الله، ويقصد بالبداء أن الله عز وجل ظهر له من العلم ما لم يكن ظاهرًا من قبل ولذلك تم تغيير الحكم، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون.

والرد على ذلك يجب أن يكون بنفي وجود هذا التلازم، وتوضيح أن المسلمين لا ينسبون لله عز وجل البداء بل يعدون القول بذلك من الكفر، وأن ما يعتقده المسلمون هو أن الله حكم منذ الأزل بوضع الحكم المنسوخ لمدة معينة، ثم نَسْخِه بالحكم الآخر بعد ذلك لحكمة أرادها سبحانه.

فإذا تم استيفاء الرد من الناحية الإسلامية كان من النافع تقرير وجود النسخ في كتب النصارى وعلى الوجه الذي يحمل انتقاصًا لمعبودهم.

فقد جاء في كتاب النصارى في (رسالة إلى العبرانيين، الإصحاح: 7 ، العدد: 18)، بحسب الترجمة اليسوعية: «وهكذا نسخت الوصية السابقة لضعفها وعدم فائدتها».

وهذا النص يثبت وجود النسخ من جهة، ويبين حدوث النسخ بضعف الوصية وعدم فائدتها من جهة أخرى، وهذا انتقاص لمشرّع الوصية وقدح في علمه وحكمته.

الثاني عشر: ختام الرد بتلخيص أهم ما جاء فيه من نقاط:
الأصل في الردود أن تكون مختصرة وموجزة على قدر الإمكان، ولكن قد يقتضي المقام إطالة بعض الردود لكثرة جزئياتها وتعدد عناصرها وتنوع الأدلة فيها، وربما تذهل أذهان البعض عن استيعاب كل هذه العناصر والربط بينها، فالكلام قد ينسي بعضه بعضًا، ولذلك فإن من المفيد أن نختم مثل هذه الردود بتلخيص أهم محاورها في نقاط مركزة مرتبة توضح المقصود.

وأخيرًا .. أرى من النافع الإشارة إلى سلبيات قد تقع في بعض الردود رغبة في اجتنابها وتحذيرًا من الوقوع فيها، وهذه السلبيات هي:


1- الدخول في جزئيات وتفريعات بعيدة عن موطن الشبهة وأصل الافتراء.
2- التطويل الزائد والإسهاب الممل في الرد على الافتراء.
3- اختصار الرد اختصارًا مخلاً يجعله غير كافٍ.
4- الانتقال إلى بحث عنصر قبل الانتهاء من بحث العنصر السابق له.
5- استخدام ألفاظ واصطلاحات غريبة تخفى على جمهور المستمعين.
6- الرد من دين الخصم وكتبه قبل استيفاء الرد من الناحية الإسلامية.

7- غلبة الجانب العاطفي والخطابي في الرد على الجانب العلمي المنهجي.
8- استخدام عبارات التعميم والإطلاق في الرد دون التوثق من ذلك بالبحث والاستقراء التام، كقول القائل: (لم تأتِ هذه اللفظة في أي حديث) أو (لم يقل بذلك أي عالم قط) أو (لا ينكر ذلك أي شخص في العالم) أو (لم يحدث مثل ذلك في التاريخ كله).

9- تحوّل الرد إلى مناقشة أمور شخصية لا ينبني على ثبوتها أو عدم ثبوتها حكم أو ثمرة.
10- الوقوع في التناقض والاضطراب في الرد، كإثبات شيء ثم نفيه، أو قبوله ثم رفضه، ومن ذلك قول القائل في موضع من إجابته إن كلمة النكاح لا تأتي إلا بمعنى الزواج فقط، ثم يعود فيذكر في موضع آخر من الإجابة أنها تكون بمعنى الوطء، وهذا يَسِم كلامه بالتعارض والتناقض، وكان الأولى به من البداية أن يذكر أن النكاح يعني في الأصل الزواج، ولكن يُكْنَى به عن الوطء.

وفي النهاية:
نسأل الله العون والتيسير والتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

_____________________________________________
الكاتب: إيهاب كمال أحمد

  • 2
  • 0
  • 1,244

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً