الأسرة السعيدة في الدنيا والآخرة
عاشت معه خمسة وعشرين عاما من التفاهم والتراحم والتعاطف إذا نظر إليها سرته وإذا أقسم عليها أبرته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وفي ماله وولده..
أيها الإخوة الكرام: إن من أجل النعم أن يكون لك بيت تأوي إليه وأن يكون لك زوجة تسكن نفسك إليها وأن يكون لك ولد تأنس به..
قال الله تعالى:
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}
وقال عز من قائل {وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ ۚ }
إذا كان حديثنا اليوم عن الأسرة السعيدة فلن نجد أسعد من أسرة ربها وراعيها النبي محمد صلى الله وسلم على نبينا محمد..
سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، خير الرجال خير الأزواج قدوة الآباء والأجداد بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ورد عنه قوله «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»
إذا كان حديثنا اليوم عن الأسرة السعيدة فلن نجد أسعد من أسرة ربتها خديجة بنت خويلد زوج النبي محمد صلى الله وسلم على نبينا محمد..
الأسرة السعيدة تقوم على عمودين اثنين زوج وزوجة متفاهمين متحابين متراحمين متعاطفين يجمع الله بينهما في خير ويصب الله عليهما الخير صبا..
أما الطرف الأول فهو الرجل فهو الراعي فهو قائد الأسرة ومن بيده زمام البيت وفي حديث اليوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الزوج ونعم من يصون الأمانة ونعم الإخلاص في الحياة وبعد الممات، كان يقول خديجة خديجة وكأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة..
وأما الطرف الآخر فهى الزوجة قلب البيت النابض هي أول من يربي وهي أول من يعلم وأول من يزرع المحبة والرحمة في بيتها وبين أولادها...
وفي حديث اليوم هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأرضاها كم كانت رشيدة كم كانت حكيمة كم كانت محبة لزوجها النبي محمد صلى الله عليه وسلم..
عاشت معه خمسة وعشرين عاما من التفاهم والتراحم والتعاطف إذا نظر إليها سرته وإذا أقسم عليها أبرته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وفي ماله وولده..
لم يغضب عليها رسول الله يوماً من الأيام لم تثقل عليه لم تكن عبئا عليه لم تقطعه عن أهله وأرحامه بل كانت تعينه وتنشر له في البيت روح السلام والأمان ..
قلت : وزوجة كهذه نعمة وأي نعمة {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓا۟ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين..
آمنت خديجة برسول الله حين كفر به الناس وصدقته حين كذبه الناس وواسته بمالها حين حرمه الناس ورزقه الله منها بالولد..
بفضلها وكرمها شهد الحكيم العليم من فوق سبع سموات وساق إليها بشارة وأنعم بها من بشارة..
«أتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتْك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومنِّي، وبشِّرْها ببيت في الجنة مِن قصب، لا صخبَ فيه ولا نصب» ..
فلما دخلت عليه قال النبي أي خديجة إن الله تعالى يقرئك السلام وجبريل يقرئك السلام ويبشرك ببيت في الجنة مِن قصب، لا صخبَ فيه ولا نصب ..
فقالت: إنَّ الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام، ورحمة الله وبركاته.
قلت: وفي هذا الحديث دلالات جليلة وجميلة منها..
بيان أن خديجة رضي الله عنها هي خير نساء العالمين في زمانها..
وفيه شهادة وكرامة لخديجة رضي الله عنها وبشارة ببيت في الجنة.
وفي الحديث أيضاً بيان أن من جاء بحسنة فله ثواب من جنس حسنته وأفضل منها {من جاء بالحسنة فله خير منها}
بشرها ربها ببيت في الجنة من قصب أي من لؤلؤة كبيرة مجوفة بشرها ببيت سلام وأمان كالبيت الذي عاشت بين جدرانه مع النبي عليه الصلاة والسلام..
لا صخب فيه ولا نصب، أي : لا سخط فيه ولا صياح فيه، ولا تعب فيه ولا أذى ولا عناء وحق لها في ذلك فهي أفضل نساء أهل الجنة كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام..
نقول ما نقول : ليتأسي الرجال بالنبي عليه الصلاة والسلام في إخلاصه ووفاءه وحبه وتقديره لزوجه.. ونعم القدوة رسول الله..
ولتتأسي المؤمنة بخديجة رضي الله عنها في وفائها وحبها وسلامها وحسن تبعلها لزوجها ..ونعم القدوة خديجة زوج نبينا صلى الله عليه وسلم
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث المختصر عن ملامح الأسرة السعيدة في الدنيا والآخرة بقي لنا أن نقرأ عليكم هذه الآية { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ ۚ }
هذه الآية من سورة الطور، وفيها بشارة عظيمة للوالدين وللزوجين وللذرية ذكورا وإناثا .. أنهم كما اجتمعوا في الدنيا على الإيمان وعلى طاعة الرحمن فإن الله تعالى يجمعهم في الآخرة في جنته ومستقر رحمته {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ ۚ }
قال ابن عباس : إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ، وتلا هذه الآية {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ ۚ }
قلت وهذا الحديث مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام لأن ابن عباس لا يقول هذا إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه إخبار عن الله عز وجل بما يفعله..
وقال الزمخشري : يجمع الله للأسرة المؤمنة في الجنة أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم ، وبمزاوجة الحور العين ، وبمؤانسة المؤمنين ، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ ۚ }
أسأل الله بأسماءه الحسنى وصفاته العلى كما جمعنا في الدنيا على طاعته أن يجمعنا في الآخرة في جنته ومستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
- التصنيف: