منهج الإسلام في مواجهة المفسدين..
إن الإسلام وجه المسلم إلي ألا يكون المسلم عونا للشيطان على أخيه فلا تشبه إن وقع في ذنب ولا تدعو عليه تلعنه لأن ذلك يعين الشيطان عليه..
أيها الأخوة الكرام: قبل أيام كنا نتحدث عن جانب من جوانب العظمة في الإسلام وهو نظرة الإسلام المنصفة إلى الناس بعيدا عن الصور والأشكال والأموال، إلى التقييم بصدق النوايا وحسن الأعمال..
أما حديثنا في يومنا هذا فهو جانب آخر من جوانب العظمة في الإسلام وهو سعي الإسلام إلى تقويم المعوج وإصلاح المفسد ونصرة الناس إذا تجاوزوا حدودهم بكفهم ومنعهم عن ظلمهم رحمة بهم..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «انصر أخاك ظالماً أو مظلوما، قالوا يا رسول الله عرفنا كيف ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالماً؟ قال أن تمنعه من ظلمه فذلك نصره» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
نصرة الظالم كما يفهم من الحديث الشريف تكون بكفه عن غشمه، ورحمته تكون بمنعه عن ظلمه، وبتأديبه ، وبتقليم أظفاره إن لزم الأمر هذا جانب من جوانب العظمة في الإسلام..
ذلك أن الناس ليسوا سواءً ..
من الناس طيب ومنهم الخبيث ، من الناس سهل ومنهم الصعب ، منهم صادق ومنهم الكذاب ، منهم أمين ومنهم الخائن ، منهم مصلح ومنهم المفسد ...
قال النبي عليه الصلاة والسلام « إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك» .
من أجل تقويم المعوج، وإصلاح المفسد، ومن أجل نصرة الناس إذا تجاوزوا حدودهم بكفهم وبمنعهم عن ظلمهم رحمة بهم، شرعت النصيحة من المسلم لأخيه المسلم ، وشرع الوعظ بين المرء وبين أخيه {أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ قَوْلًۢا بَلِيغًا}
وما أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين، وما أنزلت الكتب آيات بينات إلا من أجل إسعاف من زلت قدمه ، وإغاثة من ضل عن سواء السبيل {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }
من أجل تقويم المعوج، ومن أجل إصلاح ما فسد، ومن أجل نصرة الناس إذا تجاوزوا حدودهم بكفهم ومنعهم عن ظلمهم رحمة بهم حتى لا يتجاوزوا أكثر وأكثر، شرع التعزير والتأديب، وشرعت العقوبات من الحدود والقصاص في الإسلام ..
فالإسلام دين هداية لا يرضى أن يبق الناس في ضلالهم يعمهون ، الإسلام دين حياة لا يحب أن تسفك دماء الناس ، الإسلام دين إصلاح دين تهذيب وتقويم وإرشاد يردع المفسدين، ويقلم الأظفار
قال الله تعالى {إِنَّمَا جَزَٰٓؤُا۟ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓا۟ أَوْ يُصَلَّبُوٓا۟ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَٰفٍ أَوْ يُنفَوْا۟ مِنَ ٱلْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ ثم فتح الله باب الرحمة فقال ﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا۟ عَلَيْهِمْ ۖ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وفي عقوبة قذف المحصنات الغافلات المؤمنات قال { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا۟ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَٰنِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا۟ لَهُمْ شَهَٰدَةً أَبَدًا ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ } ثم فتح باب الرجوع فقال {إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وفي عقوبة السارق قال{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوٓا۟ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءًۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلًا مِّنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ثم فتح باب الأمل فقال {فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
عظمة الإسلام تكمن فى أن عقوبة المعتدي, ومن يبغ في الأرض الفساد تهدف إلى حمايته من شر نفسه, ومن ظلمه وغشمه ، تهدف إلى إصلاحه تهدف إلى تقويمه وكف شره عن نفسه أولاً وعن الناس ثانياً، ثم إن العقوبة كفارة للذنب، وألم العقوبة هو مفتاح باب التوبة ومن كرم الله تعالى أنه لا يرد تائبا
قال الله تعالى {فَلَوْلَآ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا۟ }
وقال عز من قائل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُم بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكفينا شر أنفسنا وأن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث المختصر عن عظمة الإسلام في إسعافه ونجدته ونصحه وتأديبه المفسدين بهدف إصلاحهم وتقويمهم وردهم إلى الحق ردا جميلا بقي لنا أن نقول:
إن الإسلام وجه المسلم إلي ألا يكون المسلم عونا للشيطان على أخيه فلا تشبه إن وقع في ذنب ولا تدعو عليه تلعنه لأن ذلك يعين الشيطان عليه..
شرب أحدهم خمرا فأني به فأقيم عليه الحد .. ثم عاد فشرب وضرب، ثم عاد فشرب فضرب، فقال قائل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به فيقام عليه الحد فقال النبي عليه الصلاة والسلام لا تقولوا هكذا لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم
{لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } هذه الآية نزلت في يوم أحد يوم كاد المفسدون أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا رأسه، أصابوا أسنانه، سقط على الارض في حفرة، يومها جعل النبي يسلت الدم عنه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } فهم الرسول من الآية أن هؤلاء المفسدين ربما اهتدوا يوما من الأيام، وربما أسلموا فقال {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون }
وقد كان فأسلم الكافر ، واهتدى الضال، وتاب العاصي، وانصلح حال المفسدين ودخلوا في دين الله أفواجاً ذلك أن الهداية بيد الله، وأن التوفيق بيد الله، وأن قلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها..
- التصنيف: