أهمية وجود النظرية التربوية الإسلامية

منذ 2022-01-25

تمثل النظرية التربوية الإسلامية صورة لعقيدة المجتمع، وأهدافه، وتطلعاته المستقبلية في أفراد المجتمع، وتتكون في مفاهيم وتصورات المؤسسات التربوية البيت والمدرسة والمؤسسات المجتمعية

تمثل النظرية التربوية الإسلامية صورة لعقيدة المجتمع، وأهدافه، وتطلعاته المستقبلية في أفراد المجتمع، وتتكون في مفاهيم وتصورات المؤسسات التربوية البيت والمدرسة والمؤسسات المجتمعية، وتواجه النظرية التربوية الإسلامية تحديات عديدة على جميع الأصعدة الاجتماعية والثقافية والتعليمية تعمل على محاولة تغريب المجتمع المسلم، وذوبان هوية الفرد المسلم في ظل العولمة وصراع الحضارات؛ لذا كانت هناك حاجة مهمه لصياغة نظرية تربوية إسلامية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية ومن التراث الفكري للمسلمين عبر العصور.

 

إن النظرية التربوية الإسلامية في اصطلاح التربويين: مجموعة من التصورات والمفاهيم والأفكار والأهداف والأحكام والقيم ذات الحد الأقصى من التجريد والعمومية، ويمكن في ضوئها تفسير العمليات التربوية الإسلامية تقريرها وتقويمها اعتبارٍا من أساسها ومناهجها وأساليب تحقيقها ‏بوسائل وتنفيذها.

 

موضوع هذه النظرية التربوية الإسلامية: هي إعداد الإنسان المسلم حسب الأصول الإسلامية (يالجن، 1991م، ص 19).

 

والتي تهدف إلى الصعود بالإنسان المكرم إلى كماله بالتدريج حسب المراحل التكليفية، حتى يمكنه إدراك الرؤية المعرفية التي تتمثل في السلوك والواقع في حقيقة الكون والوجود والخلافة الإنسانية وفيما بعد الحياة. (باجابر. 2016.ص21).

 

وتعرف النظرية أيضا بأنها: بناء فكري كلي شامل مكون للمعرفة البشرية (ملكاوي.2020.ص26)؛ فالنظرية الإسلامية التربوية جزء من الفكر التربوي الإسلامي، وقد نادى الفكر الإسلامي بضرورة تفعيل التصور الإسلامي في المواقف التعليمية للعلوم الاجتماعية والتربوية والنفسية والعلوم الطبيعة؛ من أجل تقديم رؤية إسلامية توجه هذه العلوم؛ لأن العلوم الحديثة التي نُقلت للمسلمين نُقل معها فلسفتها اللادينية، ونظرياتها المادية، فأحدثت انفصالًا في شخصية المسلم، وبنية المجتمع (ملكاوي.2020.ص49)، نتيجة ثنائية المناهج التعليمية التي فصلت فلسفات مناهجها بين الجانب المعرفي والجانب الديني، فأصبحت هناك علوم دينية وعلوم لا دينية، فالنظرية التربوية الإسلامية في ضوء ذلك تساعد في بناء وتخطيط مناهج إسلامية للعلوم الاجتماعية والتربوية والنفسية والطبيعة أيضا. (الكيلاني.1985. ص.262).

 

والغاية من بناء نظرية تربوية على أسس وأصول مثبتة من القرآن الكريم والسنة النبوية؛ لتبرز هوية الأمة الإسلامية بالمعنى الحضاري والفكري والثقافي وليس بالمعنى العرقي والعنصري؛ ولتؤكد على الهوية الثقافية للأمة الإسلامية من خلال تأصيل العلوم والمعارف النظرية والتطبيقية، وذلك بإعادة النظر في المفاهيم والنظم والنظريات وتحليل الواقع وفهمه جيدًا؛ للوصول إلى إطار معرفية ومبادئ، أو نظريات صحيحة للتربية، تكون مرجعًا لأنشطة العمل التربوي بما يتناسب مع المنهج الرباني. (باجابر.2016. ص36) (يالجن. 1991.ص10).

 

وعللت (المرزوقي.2007.ص11) في تصوريها المقترح لبناء النظرية التربوية من المنظور الإسلامي بان ‏التربية في الوطن العربي ترددت بين الأصالة والاقتباس، فهي تأخذ القليل من التربية الإسلامية وتأخذ الكثير من أساليب النظريات التربوية الغربية دون أن تعي أنها بذلك تقع في تناقضات جوهر العقيدة الإسلامية ومنهج الإسلام في التربية الإسلامية، فهي - التربية في الوطن العربي - بذلك ‏لن تستطيع أن تحول طاقات أبناء الأمة إلى قوة بناء وعمارة وعبادة وحضارة والنهضة، إلا إذا ارتسمت خطى منهج التربية الإسلامية والتزمت بنظريتها،‏ قال عزَّ وجلَّ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال عز وجل: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

 

وذكرت (الميمان.السالوس.2014.ص.59) أن النظرية الإسلامية التربوية المعتمدة في بنائها على فلسفة إسلامية منبثقة من عقيدة الإسلام الشاملة المتكاملة والثابتة هي الأساس لحياة المسلم وغير قابلة للتغير، ولذلك هي تبعد المجتمع المسلم عن التبعية والتقليد للنظريات التربوية الأخرى التي تقوم على فلسفات غير إسلامية أو مذاهب إلحادية، كما أنها بذلك تقدم معيار مقارنة يقارن به بين النظريات والتوجهات التربوية الأخرى، كما أنها تساعد الباحثين في توجيه العلوم التربوية توجيها إسلاميًّا، وتضفى أسلوبًا عصريًّا علميًّا موضوعيًّا في عرض قضايا التأصيل والتوجيه الإسلامي للعلوم التربوية، والمقارنة بين النظرية التربوية الإسلامية وغيرها من النظريات التربوية، وذلك ما أيده (يالجن. 1991.ص.19) بأن النظرية التربوية الإسلامية تساعد في تحليل المواقف التربوية وإرجاع العمليات التربوية الى أصلها الإسلامي، وتحليل المفاهيم والمصطلحات.

 

وتطرقت (باجابر. 2016.ص34-44) إلى أن النظرية التربوية الإسلامية ليست فقط مؤصلة، وموجة للعلوم الحديثة، إنما تعمل على ربط الماضي بالمستقبل، وتسلط الضوء على الحضارة الإسلامية في ماضيها لتساعد في معالجة الأخطاء المعاصرة واستشراف المستقبل، فمعرفة الذات الحضارية أحد أهم الموضوعات التي تواجه العمل التربوي في البلاد الإسلامية، لأن الحضارة الإسلامية تعرضت لكثير من الغزو الفكري، والاستعمار الحضاري.

 

وذكر (الكيلاني. 1958.ص259)، أن السبب في ذلك التراجع الحضاري الفكري لدى المسلمين هو تمسكهم بالفكر الآبائين - كما سماه - وهو التمسك بالعادات والأعراف والقيم والعقائد التي وجدو عليها أباءهم دون أن يقوموها أو يحللوها قال عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [القصص: 36].

 

وتعمل النظرية التربوية الإسلامية على مواجهة التغريب الفكري المعاصر، والغزو الحضاري، وحماية الفكر الإسلامي والهوية الإسلامية العربية، وتقاوم نظرية الوحدة الحضارية العالمية التي تهدف إلى صهر الحضارات عامة، والحضارة الإسلامية خاصة في حضارة واحدة مبنية على أسس لا دينية مادية، وتقضى على تميزها وهويتها الإسلامية، فبناء النظرية التربوية على هذه الأسس الإسلامية ليس نوعًا من التطرف، أو إثارة التفرقة الدينية؛ إنما هو نوع من الصدق والأمانة العلمية حسب توجيهات الوحي ومقتضيات العقل. (المرزوقي. 2007.ص25).

 

ومما سبق يتضح لنا أن النظرية التربوية الإسلامية هي جهد بشري يقوم على أصل من القرآن الكريم والسنة النبوية، والحاجة إليها في هذا العصر لبناء إنسان صالح يعبد الله ويعمر الأرض كما يرتضى الله عز وجل، وتقديم العلوم التربوية للمسلم بعد تقويمها وتوجيهها بما يتوافق مع التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة، وتقدم مناهج تعليمية تساعد المجتمع المسلم على حفظ حضارته وهويته وثقافته الإسلامية، مع مرونتها في الانفتاح على الخبرات والمعارف غير الإسلامية والنقل عنها فيما ينفع المسلم.

 

____________________________________________________________

المراجع:

• القرآن الكريم.

• باجابر، فاطمة سالم (2016م)، أبعاد النظرية التربوية في الأصول الإسلامية، مكة المكرمة: الناشر المؤلف.

• الكيلاني، ماجد عرسان (1985م)، تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامي، ط2، دمشق: دار ابن كثير المرزوقي.

• آمال حمزة (2007م)، تصور مقترح لكيفية بناء نظرية تربوية، مكة المكرمة: مكتبة إحياء التراث الإسلامي.

• ملكاوي، فتحي حسن (2020م)، الفكر التربوي المعاصر: مفاهيمه ومصادره وخصائصه وسبل إصلاحه، الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

• الميمان، بدرية صالح. السالوس، منى علي (2014م)، النظرية التربوية وتطبيقاتها عبر العصور، المدينة المنورة: الناشر المؤلف.

• يالجن، مقداد (1991م)، معالم بناء نظرية التربية الإسلامية، ط2، الرياض: دار عالم الكتب.

_________________________________________________
الكاتب: جواهر عبدالله حسن الزهراني

  • 7
  • 0
  • 10,700

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً