الإسراء والمعراج آية من آيات الله الكبري ودرس مستفاد منها .
لنخلص إلى أن مواقف الحياة (دروس وتجارب) علي العاقل أن يستفيد منها ويتعظ ويتعلم ويعتبر فالسعيد من وعظ بغيره
أيها الإخوة الكرام:
{﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾}
هذه الآية آية تتحدث صراحة عن معجزة الإسراء وهى أول آية في سورة سماها الله تعالى سورة الإسراء ..
معجزة فريدة خص الله تعالى بها فقط النبي الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم {﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾}
كانت الإسراء والمعراج في مكة قبل الهجرة لعشر سنوات خلت من البعثة ورسول الله يومها كان قد جاوز الخمسين ..
كانت الإسراء والمعراج لحكمة بالغة من الحكيم الخبير سبحانه وتعالى تحديدا في ذلك الوقت حيث كانت الحرب النفسية بتكذيبها وعنادها وافترائها مستعرة على رسول الله والذين آمنوا معه ..
فكان في الإسراء والمعراج بيان صدق النبي عليه الصلاة والسلام من دعوى النبوة حيث طوى الله تعالى لنبيه الزمان فاختصره في بعض ليلة وطوى له المكان فقرب البعيد وجعل من القاصي داني في حادثة ما سجلها تاريخ البشر لنبي آخر { ﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾}
وكان في الإسراء والمعراج بيان لقدرة الله التي لا تحدها حدود ، بيان لقدرة الإله الخالق القادر القهار الفعال العزيز الجبار ، وفي هذا تأييد وتثبيت للقلوب المؤمنة التي صدقت وآمنت وسلمت واستسلمت لله رب العالمين {﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾}
في تلك الليلة أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يرى .. لأنه أسرى به ليرى ، وعرج به أيضًا ليرى {﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ ﴾}
رأى رسول الله في ليلة الإسراء البراق وركبه وسار به البراق حتى أتى به بيت المقدس في جزء من الليل ، رأى الملائكة وكلمهم وكلموه ، رأى الأنبياء وسمعهم وسمعوه ، رأي الجنة ونعيمها ، رأى النار وعذابها، رأى المنعمين وسأل عن سبب نعيمهم فأجيب عليه، رأى المعذبين وسأل عن سبب عذابهم فأجيب عليه ، رأي سدة المنتهى وهى شجرة نبق عظيمة الأوراق عظيمة الثمار عظيمة الظلال يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يصل إلى نهايتها ، رأى حجاب النور الذي بين الله تعالى وبين الخلائق قال رب العالمين﴿ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰٓ ﴾ أما عن رؤية الله تعالى فجمهور أهل السنة على أنه لم يره قالت عائشة رضي الله عنه «(من زعم أن محمداً قد رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية )»
الدروس من الإسراء والمعراج كثيرة :
والفوائد من ورائها غزيرة أحسب أن جميعها فريد ومفيد ، ولأن الوقت لا يتسع للكثير من الفوائد والفرائد فحسبنا أن نقف مع فائدة واحدة وهي أن (تستفيد من تجارب الآخرين) فالسعيد من وعظ بغيره ..
أن تستفيد من تجارب الآخرين هذا درس مستفاد من حادث الإسراء والمعراج ..
والاستفادة من تجارب الناس من حولنا أمر مشروع ومعمول به وله أدلة في الشرع :
منها القصص القرآني ( قصة نوح مع قومه ، قصة إبراهيم مع قومه ، قصة لوط مع قومه ، قصة النمرود بن كنعان ، قصة ذي القرنين ، قصص بني إسرائيل ) ..
فما هذا القصص الذي حفل به القرآن الكريم إلا تجارب حسنة وسير ومواقف حسنة مر بها أقوام مؤمنون فكانت نجاتهم ، أو تجارب سيئة وسير ومواقف سيئة مر بها أقوام غير مؤمنين فكان هلاكهم ..
{﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَٰفِرِينَ أَمْثَٰلُهَا ﴾ }
دعانا الشرع الحنيف إلى أن نستفيد من تجارب الأمم من قبلنا دعانا لأن نستفيد من المواقف الحياتية التي مرت بهم وكانت سبب ( نجاتهم أو هلاكهم ) وجاء بعد الحديث عنهم هذا البيان :
{﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلْءَاخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾}
{﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾}
{﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾}
{﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰٓ ﴾}
وإذا كنا اليوم نتحدث عن الإسراء والمعراج :
فقد حدث لقاء بين رسول الله وبين إخوانه من الأنبياء والرسل ، إلتقى بآدم وإبراهيم ويوسف وإدريس وموسى وهارون ويحي وعيس وغيرهم من الرسل وكان بينهما أخذ ورد ودعوات ..
لكن اللقاء تكرر بكثرة مع موسى عليه السلام وكثر بينهما الأخذ والرد وكان موسى عليه السلام في السماء السادسة وذلك أن الله تعالى فرض على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته في تلك الليلة الصلاة المكتوبة ..
كانت خمسين صلاة في اليوم والليلة قبلها رسول الله ونزل بها فلقيه موسى عليه السلام فقال ما أعطاك ربك يا محمد؟
صلى الله وسلم على نبينا محمد .. قال فرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة في اليوم والليلة .. فقال موسى (خمسين صلاة) ؟!
فعدها كثيرة ..
لذلك قال:يا رسول الله ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لن تستطيع وإني جربت الناس قبلك ..
وهذا هو الشاهد أيها المؤمنون وهذا درس مستفاد من حديث الإسراء والمعراج ( وإني جربت الناس قبلك )
موسى عليه السلام هو أحد أولي العزم من الرسل وأحد أبرز أنبياء بني إسرائيل ..
أما قوله لرسول الله ( إني جربت الناس قبلك) فهى دعوة للعظة والعبرة والإفادة من تجارب الآخرين قال رب العالمين {﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ ﴾}
رد موسى عليه السلام نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ( التجربة ) وقبلها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ السعيد من وعظ بغيره ..
قال موسى يا رسول الله ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لن تستطيع ( وإني جربت الناس قبلك ) فرجع رسول الله إلى ربه مراراً يسأله التخفيف كما نصحه موسى عليه السلام حتى جعل الله تعالى الصلاة المكتوبة في الأداء خمسا وفي الثواب خمسين ..
لنخلص إلى أن مواقف الحياة (دروس وتجارب) علي العاقل أن يستفيد منها ويتعظ ويتعلم ويعتبر فالسعيد من وعظ بغيره
قال الله تعالى {﴿ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا أنه ولي ذلك والقادر عليه ..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن الإسراء والمعراج ودرس مستفاد منه وهو أن تتعلم من تجارب الآخرين .. والأصل فيه قول سيدنا موسي عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( إني جربت الناس قبلك ) بقي لنا أن نقول إذا كان السعيد من وعظ بغيره فإن الشقي من لم يتعظ ..
الشقي من تمر عليه تجارب الحياة ولا تؤثر فيه، وفي كل مرة يقع في الزلل ، وتمر عليه المواقف والدروس الحياتية فلا يتعلم ..
في ليلة الإسراء والمعراج كشف الغطاء للنبي عليه الصلاة والسلام عن حسنات وسيئات وعن أقوام سعدوا بحسنات اكتسبوها وعن آخرين شقوا بسيئات اقترفوها ..
مر رسول الله بمشهد لعذاب الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما (جربوا المعصية فهلكوا بها) وهذا درس على الناس أن يستوعبوه ..
مر رسول الله ليلة الإسراء والمعراج بمشهد لعذاب الذين يغتابون الناس ويقعون فى أعراضهم (جربوا المعصية فهلكوا بها) وهذا درس على الناس أن يفهموه ..
ومر بمشهد لعذاب الذين لا يصلون وبمشهد لعذاب الذين لا يزكون وبمشهد لعذاب الزناة وبمشهد لعذاب الذين يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة .. (كلهم جربوا المعاصي فهلكوا بها) وهذه كلها دروس وعبر وعظات على الجميع أن يتنبه لها فالسعيد من اتعظ بغيره والشقي من لم يتعظ ..
أسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يتجاوز عن سيئاتنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .
- التصنيف: