ضيوف الرحمن
فهل ستكون ممن تحفهم الملائكة وتتنزل عليهم الرحمات والمغفرة، أم ستترك هذا الركب الجميل بكل ما فيه من خير؛ لتعيش في مستنقعات المعاصي والذنوب، غارسًا قدميك في وحل الغفلة؟
بقلم/ فاطمة الأمير
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد، إخوتي في الله، إن الضيف إذا جاء صحِبه الخير؛ فكيف بضيف عزيز أتى ليكيل لك العطايا والهبات والنفحات!
لقد تزينت الأرض في هذا الشهر المبارك كعروس جاءها خُطَّابها، وقد تزاحموا طالبين رضاها، وقد أغدقوا عليها بمهورها، المساجد هللت وكبَّرت، والشوارع تلألأت، والبيوت زُينت، والشياطين صُفِّدت.
فهل ستكون ممن تحفهم الملائكة وتتنزل عليهم الرحمات والمغفرة، أم ستترك هذا الركب الجميل بكل ما فيه من خير؛ لتعيش في مستنقعات المعاصي والذنوب، غارسًا قدميك في وحل الغفلة؟
دعوني أصف لكم جمال اليوم والليلة لعلنا نفيق من سباتنا:
إنه منظر عجيب تقشعر له الأبدان، وقد زَينت الأرض نفسَها لاستقبال عُرس جميل، وقد أعلن الهلال عن فرحة الوصول، وفُتحت أبواب الخير والجنة لمن أراد الدخول، وأُغلقت أبواب الشر والنار لمن أراد البعد عن المعاصي والذنوب، فيا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشر أقصِر، فرمضان هو كفة ميزانك الرابحة إن أثقلتها بما تريد!
إن صحيفتك في رمضان أنت من خط فيها العمل، فهنيئًا لنفس دفعت المهر واشترت، وأقبلت راضية طائعةً على اغتنام الخير، مستقبلة ضيوفَ الرحمن أعظم وأجمل استقبال!
عجبًا لمن كانت نفسه في رمضان على أعتاب أن ترتوي من فيض نفحات الله الربانية، وباتت عطشى! عجبًا لمن كُتب له الرحمة والمغفرة والعفو والعتق، وأعرض عنها! عجبًا لمن أتى إليه ضيف عزيز، فتركه بلا استضافة، وقد أتى له محملًا بكل أنواع العطايا! عجبًا لمن أتت له فرصة التغيير والإصلاح من نفسه، وأعرض عنها!
إن بدايتك تبدأ من هنا، وليكن شهر رمضان بداية عودتك إلى طريق الله، وليكن بداية جديدة، ومولدًا جديدًا لمن أراد؛ ﴿ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ﴾ [البقرة: 185]
إنه شهر الهداية لمن يرغب، وشهر العطايا لمن يستحق، وشهر المكافآت لمن اجتهد وأقبل عليه، ولتجعل الفرحة تغمرك إذا هلَّ الهلال عليك، ولتستقبله بشوق ولهفة، ودموع الفرح والبشر والسرور؛ لأننا الآن على أعتاب العتق ومغفرة ذنوب ما مضى.
قد حُرم من فضل هذا الشهر العظيم مَن فقدناهم بالأمس، وبكى منهم من بكى على صحائف طويت، فلن يمحوَ القلم فيها سيئات، أو يكتُب فيها أيَّ حسنات، فلقد سبقتهم آجالُهم، وأصبحوا يذرفون الدموع، فليكن حالهم عبرة لنا، ونحن الآن نتنعم ونستقبل ضيوف الرحمن بنفوس متلهفة استبشارًا!
ببشارة الحبيب صلى الله عليه وسلم: «"أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرَض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه مَردةُ الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرم خيرَها فقد حُرم» "؛ (رواه أبو هريرة).
وهذا كله محض الفضل والمنَّة من الله عز وجل، فلله الحمد من قبل ومن بعدُ.
اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، أسأل الله أن يكتُب لنا ولكم فيه أجرَ البلوغ والعمل والصيام.
فاطمة الأمير
كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.
- التصنيف: