المختصر المفيد من فضائل شهر شعبان وأحكامه
شَعْبانُ: هو الشّهر الثّامن من شهور السَّنة الهجريَّة، يأتي بعد رَجَب ويليه رمضان. سمِّي بهذا الاسم لتشعب القبائل العربية للغزوات والحروب بعد انتهاء الأشهر الحرم التي تسبقه. وقيل إنّ العرب كانوا يتشعّبون أي يتفرقون في هذا الشهر بحثًا عن مصادر المياه.
شَعْبانُ: هو الشّهر الثّامن من شهور السَّنة الهجريَّة، يأتي بعد رَجَب ويليه رمضان. سمِّي بهذا الاسم لتشعب القبائل العربية للغزوات والحروب بعد انتهاء الأشهر الحرم التي تسبقه. وقيل إنّ العرب كانوا يتشعّبون أي يتفرقون في هذا الشهر بحثًا عن مصادر المياه.
ولهذا الشهر في الإسلام جملة من الفضائل والأحكام، أحببت أن أسوقها مختصرة، لعل الله عز وجل أن ينفع بها قارئها وكاتبها.
المسألة الأولى: استحباب الصيام في شهر شعبان:
ثبت في أحاديث كثيرة- في الصحيحين وغيرهما- أن رسول الله كان يخصُّ شعبان بالصوم أكثر من غيره من ذلك قول أبي سلمة: سألت عائشة رضي الله عنها، عن صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم أره صائما من شهر قط، أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا[1].
وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان وإنما كان يصوم أكثره... وصيام شعبان أفضلُ مِن صيام الأشهر الحُرُم، وأفضل التطوُّع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته مِن الصِّيام بمنزلة السُّنن الرواتب مع الفرائِض قبلها وبعدها، وهي تكملةٌ لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أنَّ السُّنن الرواتب أفضلُ مِن التطوُّع المطلَق بالصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعدَه أفضل مِن صيام ما بَعُد عنه [2].
أما الحِكمة من الإكثار من الصيام في شعبان فقد قيل: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط [3].
المسألة الثانية: أحاديث النهي عن الصيام إِذا انتصف شعبان:
ورَد النهيُ عن الصِّيام بعدَ نصف شعبان في حديث أبي هريرة أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِذا انتصف شعبان فلا تصوموا[4].
وقد أخذ بهذا الحديث الشافعية وبعض الحنابلة فقالوا: لا يصام بعد النصف من شعبان، إلا لمن كان له عادة بالصيام، في حين ذهب جمهور العلماء الى جواز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان، وضعفوا الحديث [5].
قال الحافظ ابن رجب:
واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به:
فأما تصحيحه فصححه غير واحد، منهم: الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر.
وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر. منهم: الرحمن بن المهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثًا أنكر منه، ورَدَّه بحديث: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين"؛ فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين.
وقال الأثرم: الأحاديث كلها تخالفه. يشير إلى أحاديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله، ووصله برمضان، ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين، فصار الحديث حينئذ شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة.
وقال الطحاوي: هو منسوخ، وحكى الإجماع على ترك العمل به. وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به[6].
والذي يظهر لي- والله اعلم- أن حديث النهْي عن الصيام بعد انتصاف شعبان حديث ضعيف، فهو شاذٌّ عند كثير من الحُفَّاظ؛ لأنه يخالف أحاديثَ الصحيحين والتي فيها الصِّيام بعد انتصاف شعبان.
المسألة الثالثة: فضل العبادة في أوقات الغفلة:
عن أسامة بن زيد، قال: قلتُ: يا رسول الله، لم أرَكَ تصوم من شهر من الشهور ما تصومُ من شعبان؟ قال: «ذاك شهر يَغْفُلُ الناسُ عنه بين رجب ورمضانَ، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إِلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يرفع عملي، وأنا صائم» [7].
ومعنى أنه شهر يغفل الناس عنه، أنه يتوسط شهرين عظيمين: الشهر الحرام، وشهر الصيام، ومن ثم اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولًا عنه.
قال الحافظ ابن رجب ما مختصره:
وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف... وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد:
الفائدة الأولى: أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل. لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه. ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء.
الفائدة الثانية: أنه أشقّ على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس، فيشقّ على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها.
الفائدة الثالثة: أن المفرد بالطاعة بين أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم قال بعض السلف: ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة ولولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس. والآثار في هذا المعنى كثيرة جدًا[8].
المسألة الرابعة: الأحاديث الواردة في شأن ليلة النصف من شعبان:
وردت روايات في فضل ليلة النصف مِن شعبان؛ منها:حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إنَّ الله ليطَّلع في ليلة النِّصف من شعبان، فيغفر لجميع خَلْقه إلاَّ لمشرك أو مُشاحن» [9].
ومعنى مشاحن؛ أي: مخاصِم لمسلِمٍ أو معاد عداوة نشأت عن النفس الأمارة والقصد من ذلك: الحث على سَلامة الصدْر مِن الأحقاد والضَّغائِن للمسلمين.
وقد اختلف العلماء في صحة الأحاديث الواردة في فضائل ليلةِ النِّصف من شعبان، فبعض العلماء صحح بعضها، في حين ذهب الجمهور إلى تضعيفها كلها. والنقول عنهم في هذا كثيرة، أكتفي منها بقول الإمامين القرطبي وأبو بكر بن العربي: "وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه، لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليه"[10].
وقول العلامة ابن عثيمين: الصحيح أن جميع ما ورد فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة، ومنها أشياء موضوعة، ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها، ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل، ولا يخصون يوم النصف بصيام، وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام -التابعون ليس الصحابة- والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضًا، قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئًا بدون دليل صحيح.
فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام، ولا يوم النصف بصيام، لكن من كان يقوم كل ليلة، فلا نقول: لا تقم ليلة النصف، ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف، إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام[11].
المسألة الخامسة: النهي عن صيام آخر يومين من شعبان على سبيل الاحتياط:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: «لا يتقدَّمنَّ أحدُكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم» [12].
أفاد الحديث النهي عن صيام آخر يومين من شعبان، إلَّا من كانت له عادة بالتطوع فيه، ولم يكن قصده الصيام بنية الاحتياط لرمضان.
قال الحافظ ابن رجب:
وفيه دليل على أنه يجوز لمن صام شعبان أو أكثره أن يصله برمضان من غير فصل بينهما. فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصوم بنية الرمضانية احتياطا لرمضان فهذا منهي عنه وقد فعله بعض الصحابة وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه.
والثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم مطلقًا وهم طائفة من السلف.
والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق، فيكره لمن ابتدأ بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان[13].
وقد ذكر العلماء لكراهة التقدم ثلاثة معان:
أحدها: أنه على وجه الاحتياط لرمضان فينهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه.
والمعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام.
والمعنى الثالث: إنه أمر بذلك للتقوي على صيام رمضان لمن تضعفه مواصلة الصيام [14].
المسألة السادسة: جواز تأخير القضاء إلى شعبان
روى البخاري في صحيحه- بَاب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ- حديث عائشة - رضي الله عنها أنها قالت: كانَ يكونُ عليَّ الصومُ مِنْ رمضانَ، فما أستطيعُ أن أقضيَ إِلا في شعبانَ [15]. قال الراوي: المانع لها الشُّغْلُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وروى مسلم في صحيحه- بَابُ قَضَاءِ رمضان في شعبان –حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إِنْ كانَتْ إحدانَا لَتُفطِر في زمانِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- فما تَقْدِرُ على أن تقضيَهُ معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- حتى يأتيَ شعبانُ[16].
قال الإمام النووي: وتعني بالشغل أن كل واحدة منهن كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك، ولا تدري متى يريده، ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه، وهذا من الأدب.
وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه، وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان، فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه.
ومذهب جماهير العلماء أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر- كحيض وسفر- يجب على التراخي ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان [17].
فمن دخل عليه شعبان وقد بقي عليه من نوافل صيامه في العام استحب له قضاؤها فيه حتى يكمل نوافل صيامه، ومن كان عليه شيء من قضاء رمضان وجب عليه قضاؤه مع القدرة، ولا يجوز له تأخيره إلى ما بعد رمضان آخر لغير ضرورة[18].
وختامًا؛ أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُليا أن يوفِّقنا للأعمال الصالحة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، اللهم آمين.
[1]صحيح مسلم (2029).
[2] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 129).
[3] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 135).
[4] رواه أبو داود رقم (2337)، والترمذي رقم (738).
[5] فتح الباري لابن حجر (4/ 129).
[6] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 136).
[7] أخرجه النسائي (2329).
[8] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 132).
[9] رواه ابن ماجه (1390) بإسناد ضعيف.
[10] تفسير القرطبي (16/ 128)، أحكام القرآن لابن العربي (4/ 117)، القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 534).
[11] لقاء الباب المفتوح (115/ 19)، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (20/ 29).
[12] البخاري (1914)، ومسلم (1082).
[13] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 143).
[14] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 143).
[15] رواه البخاري (1950)، ومسلم (151 /1146).
[16] رواه مسلم (152 /1146).
[17] شرح النووي على مسلم (8/ 23).
[18] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 134).
- التصنيف: