من أقوال السلف في التوبة -2

منذ 2022-04-03

** قال العلامة السعدي رحمه الله: من ظلم نفسه بمعاصي الله, وتاب وأناب, فبدل سيئاته حسنات, ومعاصيه طاعات, فإن الله غفور رحيم.

إلى من عزم على التوبة:

** قال الإمام الغزالي رحمه الله: الرجاء...محمود...في حق العاصي المنهمك إذا خطرت له التوبة, فقال له الشيطان: وأنّى تقبل توبتك, فيقنط من رحمة الله تعالى, فيجب عند هذا أن يقمع القنوط بالرجاء ويتذكر قوله تعالى:  { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}   [الزمر:53] وأن الله كريم يقبل التوبة عن عباده, وأن التوبة طاعة تكفر الذنوب, قال الله تعالى : ﴿ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ} [الزمر:53_54] أمرهم بالإنابة.

وقال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} [طه:82] فإذا توقع المغفرة مع التوبة فهو راج, وإن توقع المغفرة مع الإصرار فهو مغرور.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أيها العاصي...إذا خرجت من المجلس وأنت عازم على التوبة قالت لك ملائكة الرحمة: مرحبا وسهلاً, فإن قال لك رفقاؤك في المعصية: هلم إلينا, فقل لهم: كلا, ذاك خمر الهوى الذي عهدتموه قد استحال خلاًّ.

قال العلامة السعدي رحمه الله: قوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها, فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة, وتقولوا قد كثرت ذنوبنا, وتراكمت عيوبنا, فليس لها طريق يزيلها, ولا سبيل يصرفها, فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان, متزودين ما يغضب عليكم الرحمن, ولكن اعرفوا ربكم, بأسمائه الدالة على كرمه وجوده, واعلموا ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ من الشرك, والقتل, والزنا, والربا, والظلم, وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار...فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته, فإنه يغفر الذنوب جميعاً, وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.

من تاب, تاب الله عليه بل قد يبدل الله سيئاته حسنات

** قال العلامة السعدي رحمه الله: من ظلم نفسه بمعاصي الله, وتاب وأناب, فبدل سيئاته حسنات, ومعاصيه طاعات, فإن الله غفور رحيم.

** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: من تاب من الذنب, فهذا يتوب الله عليه, ويمحو ذنبه, بل قد يبدل الله سيئاته حسنات. وهذا من رحمة العزيز الرحيم, قال تعالى:   {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ}  [طه:82] وقال جلا وعلا: ﴿ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[الفرقان:68_70]

آية كانت سبباً لتوبة عابدين:

قال الإمام القرطبي رحمه الله هذه الآية: {ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه} [الحديد:16] كانت سبب توبة: الفضل بن عياض, وابن المبارك رحمهما الله

خير أيام العبد يوم توبته:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: خير أيام العبد على الإطلاق وأفضلها يوم توبته إلى الله, وقبول الله توبته, لقول النبي صلى الله عليه وسلم لكعب: (( « أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك» ))

خوف التائب من ذنبه:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الصحيح أن التائب توبة نصوحاً مغفور له جزماً, لكن المؤمن يتهم توبته, ولا يجزم بصحتها وقبولها, فلا يزال خائفاً من ذنبه وجلاً.

 

فرحة التائب بتوبته فرحة عجيبة, لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الفرحة التي تحصل...بالتوبة,...فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة. فلو علم العاصي أن لذة التوبة وفرحتها تزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافاً مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية.

فوازن إذن بين هذين الفرحين, وانظر ما يُعقبه فرحُ الظفر بالذنب من أنواع الأحزان والهموم والغموم والمصائب, فمن يشتري فرحة ساعة بغمِّ الأبد ؟ وانظر ما يُعقبُه فرحُ الظفر بالطاعة والتوبة النصوح من الانشراح الدائم والنعيم وطِيب العيش, ووازن بين هذا وهذا, ثم اختر ما يليق بك ويناسبك. وكلّ يعملُ على شاكلته.

قولهم: " من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه " حق. والعوضُ بأنواع مختلفة, وأجلَّ ما يعوض به: الأنسُ بالله, ومحبته, وطمأنينةُ القلب به, وقوته, ونشاطه, وفرحه, ورضاهُ عن ربه تعالى.

فرحة التائب عند مفارقته الدنيا:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وهاهنا فرحة أعظم من هذا كله, وهي فرحته عند مفارقته الدنيا إلى الله, إذا أرسل إليه الملائكة فبشروه بلقائه, وقال له ملك الموت: اخرجي أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب, أبشري بروح وريحان وربٍّ غير غضبان, اخرجي راضية مرضية عنك:  {يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضيةً * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي }  [الفجر:27-30] ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه, وهو أنه لا يصل إلى ذلك إلا بعد ترحاتٍ ومضض ومِحَن لا تثبتُ لها الجبال, فإن صبر لها ظفر بلذة الفرح, وإن ضعُف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشيء.

 

فلو لم يكن بين يدي التائب إلا هذه الفرحة وحدها لكان العقل يأمره بإيثارها, فكيف ومن بعدها أنواع من الفرح منها: صلاة الملائكة الذين بين السماء والأرض على روحه, ومنها: فتح أبواب السماء له, ومنها: وصلاة ملائكة السماء عليها, وتشيع مقربيها لها إلى السماء الثانية فتفتح لها, ويصلي عليها أهلها, ويشيٍّعُها مقرَّبوها هكذا إلى السماء السابعة, فكيف يقدر فرحها وقد استؤذن لها على ربها ووليها وحبيبها, فوقفت بين يديه وأذن لها بالسجود فسجدت ثم سمعته سبحانه وتعالى يقول اكتبوا كتابه في علِّين , ثم يُذهب به, فيرى الجنة ومقعده فيها وما أعده الله له ويلقى أصحابه وأهله فيستبشرون به ويفرحون به ويفرح بهم فرح الغائب يقدم على أهله, فيجدهم على أحسن حال, ويقدم عليهم بخير ما قدم به مسافر.

فرحة التائب يوم القيامة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: هذا كله قبل الفرح الأكبر يوم حشر الأجساد, بجلوسه في ظل العرش, وشُربه من الحوض, وأخذه كتابه بيمينه, وثقل ميزانه, وبياض وجهه, وإعطائه النور التام, والناس في الظلمة, وقطعه جسر جهنم بلا تعويق, وانتهائه إلى باب الجنة, وقد أُزلفت له في الموقف, وتلقى خزنتها له بالترحيب والسلام والبشارة, وقدومه على منازله وقصوره وأزواجه وسراريه.

وبعد ذلك  فرح آخر لا يُقدَّر ولا يُعبَّر عنه, تتلاشي هذه الأفراح كلُّها عند, وإنما يكون لأهل السنة المصدقين برؤية وجه ربهم تبارك وتعالى من فوقهم, وسلامه عليهم, وتكليمه إياهم ومحاضرته لهم. 

الله جل جلاله يحبُّ ويفرح بتوبة التائب:

** قال يحيى بن معاذ رحمه الله: للتائب فخر لا يعادله فخر في جميع أفخاره. فرح الله بتوبته.

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: التوبة توجبُ للتائب آثاراً عجيبةً...منها: أنَّ الله سبحانه يحبُّه ويفرحُ بتوبته أعظم فرح, وقد تقرر أن الجزاء من جنس العمل, فلا ينسي الفرحة التي يظفرُ بها عند التوبة النصوح.

وتأمل كيف تجدُ القلب يرقص فرحاً وأنت لا تدري سبب ذلك الفرح ما هو, وهذا أمر لا يحسُّ به إلا حيُّ القلب, وأما ميتُ القلب فإنما الفرح عند ظفره بالذَّنب, ولا يعرف فرحاً غيره.

أشياء على التائب فعلها:

** قال حاتم الأصم رحمه الله: التوبة أن تنتبه من الغفلة, وتذكر الذنب,...وترجع من الذنوب مثل اللبن إذا خرج من الضرع لا يعود إليه, فلا تعد إلى الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع.....وفعل التائب في أربعة أشياء:

الأول: أن تحفظ اللسان من الغيبة والكذب والحسد واللغو. الثاني: أن تفارق أصحاب السوء. الثالث: إذا ذكرت الذنب تستحيى من الله. الرابع: أن تستعد للموت, وعلامة الاستعداد أن لا تكون في حال من الأحوال غير راض من الله.

** قال الإمام النووي رحمه الله: استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب, والأخذان المساعدين له على ذلك, ومقاطعتهم ما داموا على حالهم, وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير, والصلاح, والعلماء والمتعبدين, والورعين, ومن يقتدى بهم, وينتفع بصحبتهم.

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية, والتحول منها كلية, والاشتغال بغيرها.

ما يجب على للناس تجاه التائب:

** قال حاتم الأصم رحمه الله: يجب على الخلق أربعه أشياء:

ينبغي لهم أن يحبوا هذا التائب كما يحبه الله تعالى.

يدعوا له بالحفظ ويستغفروا له كما تستغفر له الملائكة.,

ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم.

والرابع: أن ينصحوا للتائب كما ينصحون لأنفسهم.

** قال الإمام النووي رحمه الله: فيه تأليف من قرب إسلامه, وترك التشديد عليهم, ومن تاب من المعاصي, كلهم يتلطف بهم, ويدرجون في أنواع الطاعة قليلاً, قليلاً.

تحدث التائبين عن عصيانهم:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: فإن قيل : يوجد بعض الكتاب المعاصرين المشهورين قد تابوا إلى الله عز وجل, وقد كانوا من العصاة, فهل يتحدثون بما عصوا الله به لأجل أن يعتبر أولو الأبصار, ويعتبر من يقلدونه من أهل المعاصي, حتى يرق قلب من يقرأ له, فهل يعتبر هذا غير ساترٍ على نفسه ؟

قلنا : هذا حسب حال الإنسان ونيته, فإذا كان يقصد بذلك مصلحة فلا بأس, وقديماً حكى عمرو بن العاص رضي الله عنه, عن نفسه أن كان على ثلاثة أطوار : منها أنه كان يود أن يتمكن من الرسول صلى الله عليه وسلم ويقتله, فلا بأس إذا كان المقصود بذلك التحدث بنعمة الله عز جل, أو حمل الآخرين على التوبة.

وقال رحمه الله: فإن قال قائل: رجل كان مُسرفاً على نفسه, كان مُنحرفاً في عقيدته, وفي أخلاقه, وفي عبادته, وفي معاملته, فهل له أن يقول: كنت كذا, فهداني الله ؟فالجواب: على سبيل التفصيل لا تقُل, لأني أخشى أن يكون هذا من المجاهرين الذين يفعلون المنكر فيسترهم الله, ثم يتحدثون به, لكن على سبيل الإجمال لا بأس أن تقول: والله كنتُ ضالاً ضائعاً تائهاً, فمنَّ اللهُ عليَّ بالهداية وبالاستقامة, فلا بأس, أما على سبيل التفصيل, فهذا أخشى أن يكون من المجاهرة التي قال فيها رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((  «كُلُّ أُمتي مُعافى إلا المجاهرين» ))  

وقال رحمه الله: أرى أن التي تابت لا يجوز لها أن تبوح بذلك, ولا يجوز لأحدٍ أن ينشُر هذا...وأيُّ فائدةٍ أن نقول: فتاة خرجت مع شاب وفعل بها ثُم ندمت وتابت؟ أليس هذا يوجب أن يهُون الأمرُ في نفوس السامعين والقارئين؟

وختاماً فهذه موعظة من الحافظ ابن رجب رحمه الله, يقول فيها:

التوبة, التوبة قبل أن يصل إليكم من الموت النوبة فيحصل المفرط على الندم والخيبة

الإنابة, الإنابة, قبل غلق باب الإجابة, الإفاقة, الإفاقة, فقد قرب وقت الفاقة. ما أحسن قلق التواب, ما أحلى قدوم الغياب, ما أجمل وقوفهم بالباب!

يا من سود كتابه بالسيئات قد آن لك بالتوبة أن تمحو, يا سكران القلب بالشهوات أما آن لفؤادك أن يصحو.

يا من لا يقلع عن ارتكاب الحرام لا في شهر حلال ولا في شهر حرام, يا من هو في الطاعات إلى وراء, وفي المعاصي إلى قدَّام, يا من هو في كل يوم من عمره شراً مما كان في قبله من الأيام, متى تستفيق من هذا المنام؟ متى تتوب من هذا الإجرام؟

من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهور حملها, فما تنتظر الولادة, كذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت, فقبيح منه الإصرار على الذنب.

يا من أنذره الشيب بالموت وهو مقيم على الآثام, أما كفاك واعظ الشيب مع واعظ القرآن والإسلام ؟

الغنيمة, الغنيمة بانتهاز الفرصة...المبادرة, المبادرة بالعمل, والعجل العجل قبل هجوم الأجل, قبل أن يندم المفرط على ما فعل, قبل أن يسأل الرجعة ليعمل صالحاً فلا يجاب إلى ما سأل, قبل أن يندم المفرط على ما فعل, قبل أن يصير المرء مرتهناً في حفرته بما قدم من عمل.

يا من طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين, يا من مضى عليه بعد ذلك ليالي عشر سنين حتى بلغ الخمسين, يا من هو في معترك المنايا ما بين الستين والسبعين! ما تنتظر بعد هذا الخبر إلا أن يأتيك اليقين؟ يا من ذنوبه بعدد الشفع والوتر, أما تستحي من الكرام الكاتبين؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين؟ يا من ظلمة قلبه كالليل إذا يسرى, أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين ؟

                          كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 5
  • 0
  • 7,051

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً