من أقوال السلف في قيام الليل
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...أما بعد: فالصلاة لها مكانة عظيمة في دين الإسلام, من حافظ عليها وأقامها كما أمر الله عز وجل, ورسوله عليه الصلاة والسلام, فقد سعد في الدنيا والآخرة, ومن جاهد نفسه فحرص على أداء نوافل الصلاة, ففي ذلك فضل كبير. وأفضل نوافل الصلوات: قيام الليل, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» [أخرجه مسلم]
وصلاة الليل من أعظم أسباب دخول الجنة, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أيها الناس, أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناسُ نيام, تحلوا الجنة بسلام» [أخرجه الترمذي. وقال: هذا حديث صحيح ]
وكان عليه الصلاة والسلام يجتهد في قيام الليل, فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله, وقد عفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: «أفلا أحبُّ أن أكون عبداً شكوراً» [متفق عليه]
والمسلم عليه أن يجاهد نفسه على قيام الليل, لكن لا يشقّ على نفسه حتى يملّ ويترك القيام, قال العلامة ابن باز رحمه الله: الأفضل في حقنا القصد, وعدم التطويل الذي يشق علينا حتى لا نمل, وحتى لا نفتر من العبادة, فالمؤمن يصلي ويجتهد ويتعبد لكن من غير مشقة, بل يتوسط في الأمور حتى لا يمل العبادة.
للسلف أقوال في قيام الليل جمعت بفضل الله وكرمه بعضاً منها أسأل الله أن ينفع بها
- التلذذ بمناجاة الله:
** قال مسلم بن اليسار: ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل.
** قال ثابت: كابدت قيام الليل عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة أخرى
** كان أبو سليمان يقول: أهل الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ما عند المحبين ألذ من أوقات الخلوة بمناجاة محبوبهم, هو شفاء قلوبهم, ونهاية مطلوبهم...من لم يشاركهم في هواهم وذوق حلاوة نجواهم, لم يدر ما الذي أبكاهم
** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: قال الله عز وجل: {تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السحدة:16] أي: ترتفع جنوبهم وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة, إلى ما هو ألذ عندهم منه, وأحب إليهم وهو الصلاة في الليل, ومناجاة الله تعالى
- اغتباط العبد في قبره بقيام الليل
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كم من قائم بالليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته, وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه. عندما يرى من كرامة الله عز وجل للعابدين غداً, فاغتنموا ممرّ الساعات والليالي والأيام رحمكم الله.
- طول قيام الليل يهون طول القيام في القيامة:
** قال حسان بن عطية: من أطال قيام الليل يهون عليه طول القيام يوم القيامة.
** قال الأوزاعي: من أطال قيام الليل هون الله عليه وقوف يوم القيامة.
- صلاة الليل وطيب النفس:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس.
مدح المستيقظين بالليل للصلاة والدعاء والذكر:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قد مدح الله تعالى المستيقظين بالليل لذكره ودعائه واستغفاره ومناجاته, فقال الله تعالى: {تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16-17] وقال الله تعالى {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}
[آل عمران:17] وقال الله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات-17]
- قيام الليل يدفع العذاب:
** كان أبو ذر رضي الله عنه يقول: صلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قيام الليل مما يتقى به النار, والدنو منها, ويدفع العذاب
- صلاة الليل من أفضل أنواع الإحسان:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: من أفضل أنواع الإحسان في عبادة الخالق, صلاة الليل, الدالة على الإخلاص, وتواطؤ القلب واللسان.
- عظم فضل قيام الليل:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال الطبري: لولا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابن عمه في وقت جعله الله لخلقه سكناً. لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدعة والسكون امتثالاً لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ } [طه:132]
جزاء قيام الليل:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قال الله تعالى: {تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[السجدة:16-17] تأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاهُ لهم مما لا تعلمه نفس, وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حتى يقوموا إلى صلاة الليل بقُرة الأعين في الجنة.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كما أن قيام الليل يكفر السيئات, فهو يرفع الدرجات, وقد ذكرنا أن أهله من السابقين إلى الجنة بغير حساب.
- فضل صلاة الليل على صلاة النهار:
** قال ابن مسعود رضي الله عنه: فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صلاة العلانية.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فضلت صلاة الليل على صلاة النهار لأنها أبلغ في الإسرار, وأقرب إلى الإخلاص
- إخفاء التهجد:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان السلف يجتهدون على إخفاء تهجدهم.
- إيقاظ الأهل لقيام الليل:
** عن زيد بن أسلم, عن أبيه أنه قال: كان عمر يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي, حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة.
** كانت امرأة حبيب توقظه بالليل وتقول: ذهب الليل وبين أيدين طريق بعيد. وزادنا قليل, وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا.
قراء القرآن في قيام الليل أقرب إلى التدبر:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: القراءة في صلاة الليل أقرب إلى التدبر فإنه تنقطع الشواغل بالليل, ويحضر القلب ويتواطأ هو واللسان على الفهم.
- الخشوع في صلاة قيام الليل:
كان منصور بن المعتمر يُصلي في سطحه فلما مات قال غلام لأمه: الجذع الذي كان في سطح آل فلان ليس أراه قالت: يا بني, ليس ذلك جذعاً, ذاك منصور قد مات.
- حبّ البقاء في الدنيا لقيام الليل:
** قال أبو سليمان الداراني: لولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا.
- الذنوب سبب لحرمان قيام الليل:
** قيل لابن مسعود رضي الله عنه: ما نستطيع قيام الليل. قال: أقعدتكم ذنوبكم.
** قال بعض السلف: أذنبت ذنباً فحرمت به قيام الليل ستة أشهر.
- الإكثار من صلاة الليل:
قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله قال الله: { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } [الفرقان:64] أي يكثرون من صلاة الليل, مخلصين فيها لربهم.
- صلاة الليل بعد النوم:
قال العلامة عبدالرحمن ناصر السعدي رحمه الله قال عز وجل: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } [ المزمل:16] أي: الصلاة فيه بعد النوم, {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} أي: أقرب إلى حصول مقصود القرآن يتواطأ عليه القلب واللسان, وتقل الشواغل, ويفهم ما يقول.
التهجد من أفضل أعمال التطوع:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وقت التهجد من الليل أفضل أوقات التطوع بالصلاة, وأقرب ما يكون العبد من ربه, وهو وقت فتح أبواب السماء واستجابة الدعاء واستعراض حوائج السائلين.
- اغتنام العمر في القيام قبل الموت:
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
اغتنم في الفراغ فضل ركـــــــــــــوع فعسى أن يكون موتك بغتـــة
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
- التحسر على ترك القيام:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قام المُتهجدون على أقدام الجِد تحت ستر الدجى, يبكون على زمنٍ ضاع في غير الوصال.
- هديه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله, عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل:
** لم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً.
** وكان يقوم تارة إذا انتصف الليل, أو قبله بقليل, أو بعده بقليل.
** وعن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل, افتتح صلاته بركعتين خفيفتين» .
** وكانت صلاته بالليل ثلاثة أنواع:
أحدها: وهو أكثرها: صلاته قائماً.
الثاني: أنه كان يصلى قاعداً, ويركع قاعداً.
الثالث: أنه كان يقرأ قاعداً, فإذا بقي يسير من قراءته, قام فركع قائماً, والأنواع الثلاثة صحت عنه.
** وكان قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة, أو ثلاث عشرة, وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة, وفي الصحيحين عنها أيضاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة...والركعتان فوق الإحدى عشرة هما ركعتا الفجر. جاء ذلك مبيناً عنها في الحديث بعينه. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر, ذكره مسلم في صحيحه.
** وكان صلى الله عليه وسلم يُرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها, وقام بآية يُردِّدُها حتى الصباح.
** وكان إذا غلبه نوم أو وجع, صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة.
اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: