من أقوال السلف في ذكر الله عز وجل -1
قال ميمون بن مهران: كان يقال: الذكر ذكران, ذكر الله باللسان, وأفضل من ذلك أن تذكره عند المعصية إذا أشرفت عليها.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فقد قال بعض السلف: من عرف الله أحبه, ومن أحبه أكثر من ذكره, وذكر الله سبحانه وتعالى عبادة يسيرة, قد وردت آيات كثيرة وأحاديث صحيحة في فضلها, قال الله عز وجل:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًاوَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } [الأحزاب:42]
وقال الله عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كلمتان خفيفتان على اللسان, حبيبتان إلى الرحمن, ثقيلتان في الميزان, سبحان بحمده, سبحان الله العظيم » [متفق عليه]
وقال عليه الصلاة والسلام: «ما عمل ابن آدم عملاً أنجا له من عذاب الله من ذكر الله» قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن.
والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة, ومع فضل هذه العبادة وسهولتها إلا أن البعض يفرط فيها, وخير شاهد لذلك ما تراه من انصراف بعض المصلين بعد أداء الصلاة مباشرة, فلا يأتون بالأذكار التي بعد الصلوات. فينبغي للمسلم أن يجاهد نفسه ويبقى بعد أداء الصلاة ويأتي بالأذكار, كما أنه عليه أن يحرص على أذكار الصباح والمساء والأذكار التي لها أسباب, فهي له حصن حصين من شرور كثيرة, وما أصاب بعض المسلمين من تسلط الشياطين عليهم إلا بسبب عدم ملازمتهم للأذكار
للسلف أقوال في ذكر الله عز وجل, جمعت بفضل الله وكرمه بعضاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفعني وجميع المسلمين بها.
- منزلة الذِّكر:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من منازل {إياك نعبدُ وإياك نستعين} منزلة الذِّكر, وهي منزلة القوم الكبرى, التي منها يتزودون, وفيها يتجرون, وإليها دائماً يترددون... وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته.
- فضل الذكر:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: لما كان الجهاد أفضل الأعمال ولا قدرة لكثير من الناس عليه, كان الذكر الكثير الدائم يساويه ويفضل عليه, وكان العمل في عشر ذي الحجة يفضل عليه, إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع منهما بشيء.
قال بعض السلف: لولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس.
- ذكر الله عز وجل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلم علم وتعليمه, وأمر بمعروف ونهي عن منكر, فهو من ذكر الله.
- ذكر القلب:
قال الإمام النووي رحمه الله: ذكر القلب نوعان: أحدهما: وهو أرفع الأذكار وأجلها, الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته, وملكوته, وآياته قي سمواته وأرضه, الثاني: ذكره عند الأمر والنهي, فيمتثل أمره, ويترك ما نهي عنه, ويقف عما أشكل عليه
- ذكر الله دواء وذكر الناس داء:
قال عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله فإنه شفاء, وإياكم وذكر الناس فإنه داء.
قال عبدالله بن عون: ذكرُ الناس داء، وذكرُ الله دواء، قلت [القائل الإمام الذهبي رحمه الله]: أي الله، فالعجب منا، ومن جهلنا، كيف ندع الدواء، ونقتحم الداء؟
هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكراً لله عز وجل, بل كان كلامه كُلُّهُ في ذكر الله وما والاه, وكان أمرُهُ ونهيهُ وتشريعُه للأمة ذِكراً منه لله, وإخباره عن أسماء الرب وصفاته, وأحكامه وأفعاله, ووعده ووعيده, ذِكراً منه له, وثناؤه عليه بآلائه, وتمجيده وحمده, وتسبيحه ذكراً منه له, وسؤاله ودعاؤه إياه, ورغبته ورهبته ذكراً منه له, وسكوته وصمته ذكراً منه له بقلبه, فكان ذاكراً لله في كل أحيانه, وعلى جميع أحواله, وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه, قائماً وقاعداً وعلى جنبه, وفي مشيه وركوبه ومسيره, ونزوله وظعنه وإقامته.
- ملازمة ذكر الله عز وجل لا يكون إلا ممن امتلأ قلبة بمحبة الله:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ذكر الله تعالى وملازمته, لا يكون إلا من مؤمن, ممتلئ قلبه بمحبة الله وتعظيمه
- أفضل الذكر وأكمله:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان, وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده, لأن ذكر القلب يُثمرُ المعرفة, ويهيج المحبة, ويُثيرُ الحياء, ويبعثُ على المخافة, ويدعو إلى المراقبة, ويردع عن التقصير في الطاعات, والتهاون في المعاصي والسيئات, وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من ذلك الإثمار, وإن أثمر شيئاً منها فثمرته ضعيفة.
وأفضل الذكر وأنفعه ما ...كان من الأذكار النبوية, وشهد الذاكر معانيه ومقاصده.
** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الذكر لله تعالى, يكون بالقلب, ويكون باللسان, ويكون بهما, وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله.
الإكثار من ذكر الله عز وجل:
** قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: من ضنّ منكم بالمال أن ينفقه, وخاف العدو أن يجاهده, وخاف الليل أن يكابده, فليكثر من قول: لا إله إلا الله, وسبحان الله, والحمد لله, والله أكبر.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ملازمة ذكر الله دائماً هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة.
** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها: الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار, خصوصاً طرفي النهار مخلصاً خاشعاً, متضرعاً متذللاً, ساكناً, متواطئاً عليه قلبه ولسانه بأدب ووقار.
- مجالس تعمر بذكر الله:
كان عطاء بن أبي رباح مجلسه ذكر الله لا يفتر.
- من أحبّ الله جل جلاله أكثر من ذكره
سمعت رابعة العدوية صالحًا المُري يذكر الدنيا في قصصه، فنادته: يا صالح، من أحبَّ شيئًا أكثر من ذكره.
- وصية بذكر الله, وتلاوة القرآن:
قال رجل لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه, أوصني يا أبا سعيد, قال: عليك بذكر الله, وتلاوة القرآن, فإنها روحك في السماء, وذكرك في أهل الأرض.
- لسانه لا يفتر عن الذكر:
عبدالرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر, لا يخلو لسانه من ذكر الله في قيامه وقعوده.
ذكر الله عند النوم
** قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما من رجل ينام لا يذكر الله عز وجل, إلا بال الشيطان في أذنه, وأيم الله لقد فعل بصاحبكم الليلة. يعني نفسه.
** قال ابن اللباد: إذا خلوت من التعلم والتفكر، فحرِّك لسانك بالذكر، وخاصة عند النوم، وإذا حزبك أمر فاسترجع.
- ثواب من كان لسانه رطب بذكر الله عز وجل:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك.
- التنعم بذكر الله:
قال مالك بن دينار: ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله عز وجل.
- ذكر الله عند المعصية:
قال ميمون بن مهران: كان يقال: الذكر ذكران, ذكر الله باللسان, وأفضل من ذلك أن تذكره عند المعصية إذا أشرفت عليها.
- الذاكر غانم سالم:
قال الفضيل ين عياض: الذاكر سالم من الإثم ما دام يذكر الله غانم من الأجر
- إرادة الخير بالعبد الذاكر:
قال ميمون بن سياه: إذا أراد الله بعبده خيراً حبب إليه ذكره.
- ذكر الله عند وجود ما يكره العبد أو يحبه:
قال جعفر بن محمد الصادق: إذا جاءك ما تحب فأكثر من الحمد لله, وإذا جاءك ما تكره, فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله, وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار
- أهل الذكر:
قال لقمان لابنه: يا بني: إن مثل أهل الذكر والغفلة, كمثل النور والظلمة.
- ذكر الله في السوق:
قال حميد العدوي: مثل ذاكر الله في السوق, كمثل شجرة خضراء وسط شجر ميت.
- ذكر الله وألطاف بره:
قال يحيى بن معاذ: العبد...على قدر لهجته بذكر الله يديم ألطاف بره.
- زيادة الإيمان بزيادة ذكر الله جل وعلا:
قال الحافظ ابن رجب رخمه الله: من زاد ذكره لله وتلاوته لكتابه زاد إيمانه, ومن ترك الذكر الواجب بلسانه نقص إيمانه.
- من أكثر ذكر الله عز وجل بُورك له في وقته وعمله:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإنسان إذا وفَّقه الله لكثرة الذكر بارك الله له في وقته، وبارك في عمله، وهذا شيء نسمع عنه، والعلماء السابقون تجد الواحد منهم يكتب الكراسات الكثيرة في المدة القليلة، مع أعماله وأحواله، وضيق المعيشة، وعدم الإنارة في الليل.
وقال رحمه الله: إذا قيل: ما السبيل الذي يجعل أوقاتنا مباركة؟ قلنا: ذكر الله، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، فالإنسان إذا أعرض عن ذكر الله، واتَّبع هواه، نزع الله البركة من عمره، والعياذ بالله؛ لكنه إذا كان دائمًا متعلقًا بربِّه سبحانه وتعالى، دائمًا يذكر الله تعالى، إن لم يذكره بلسانه ذكره بقلبه، وإن لم يذكره بجوارحه ذكره بقلبه، فهذا هو الذي يُبارك الله له في عمره.
- التصنيف: