عبودية الفرح بالعيد وواقع الأمة
وفيما يخص العيد، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يعيش عبودية الفرح بالعيد، فرحاً مقترنا بالشكر على إكمال العدة، والشكر على الهداية لهذا الدين
كيف أفرح بالعيد وإخواننا يقتلون في بورما وسوريا؟!
ونساء المسلمين يغتصبن من قبل الكفرة والمجرمين؟!
كيف تريدني أن أفرح بالعيد والقدس سليبة؟!
أسئلة نسمعها ـ أحياناً ـ من أفاضلَ امتلأت قلوبهم حرقةً وحزناً على واقع الأمة، وهم يستقبلون هذا العيد، وغيره من الأعياد التي قلّ أن تخلوا الأمة فيها من جراح، فهل في كلامهم خطأ؟
إن مما لا شك فيه أن هذه الأسئلة نابعة من قلوب حيّة، هي مأجورة على هذا الشعور، لكن ينبغي للمؤمن أن يعلم أنه ـ في أحواله كلها ـ يعيش العبودية لمولاه، فله عبودية في السراء كما له عبودية في الضراء، وله عبودية في الفرح كما له عبودية في الحزن، ومثل ذلك في الرضى والغضب، فلا يطغى جانب على جانب. ومن تأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سَهُلَ عليه تصور هذا المعنى، فهو العابد في محراب التبتل، وهو الأب الرحيم الذي تدمع عينه إذا أصاب أولاده وأحفاده ما يكدر، وهو ـ أيضاً ـ الذي يفرح بتقبيل أولاده وأحفاده، وهو الزوج الذي يعيش حياته الزوجية كأي زوج له حقوق وعليه واجبات، وهو الذي يعيش عبودية الجهاد في ميادين القتال، وهو الذي يعيش عبودية البلاغ عن الله ورسالاته في مقام الفتوى والقضاء، وهلم جرا.
وفيما يخص العيد، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يعيش عبودية الفرح بالعيد، فرحاً مقترنا بالشكر على إكمال العدة، والشكر على الهداية لهذا الدين الذي حُرم منه فئام لا يعلمهم إلا الله. ويقر أزواجه ـ في يوم العيد ـ على سماع شيء من اللهو المباح، كما قالت عائشة رضي الله عنها: دخل عليّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ـ وذلك في يوم عيد ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» »([1])، وقد بوّب البخاري على هذا الحديث بقوله: "باب سنة العيدين لأهل الإسلام"، وبوّب عليه النووي بقوله: "باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد".
فعَلَ هذا صلى الله عليه وسلم وهو الذي لم تزل المصائب والجراح تتجدد عليه مُذ شرع العيد في المدينة، فصَدْعُ المصاب في "غزوة أحد" بقي ملازما له طيلة حياته، فضلاً عما تجدد له من مصائب في مقتل جماعة من أصحابه، أو فقد بعض أحبابه، وعلى رأسهم حمزة وجعفر وابنه إبراهيم، رضي الله عنهم أجمعين.
والمؤمن ينبغي له الجمع بين العبوديتين في العيد: عبودية الحزن لمصاب إخوانه، وعبودية الفرح بالعيد، الذي يستشعر معه الفرح بإكمال العدة، ونعمة الهداية لهذا الدين ـ كما سبق، لكن بحيث لا تطغى عبودية الحزن؛ لأن الأصل هنا: هو ظهور عبودية الفرح بالعيد.
وهذا المعنى يبيّن أن ما نقرؤه عن بعض العُباد ـ الذين تنقل أقوالهم في بعض كتب الوعظ ـ من كلمات مؤداها: عدم الفرح بالعيد، بل بعضها يفهم منها: الأمر بالعيش بحزن!! غلطٌ لا يوافق عليه قائله، مع الاعتذار له؛ كقول بعضهم ـ لما رأى قوماً يضحكون في يوم عيد ـ: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين! وفي هذا نظر كبير، فإذا لم يضحك الإنسان يوم العيد فمتى يضحك؟! ولا يصح الاعتذار بأن هذا العابد يحتمل أنه رأى قوماً من أهل المعاصي، فإن قوله: (فما هذا فعل الشاكرين) يدل على أن هيئتهم تدل على أنهم من أهل الخير والصلاح.
والمقصود: أن الذي ينبغي إشاعته في الناس ونشره وربطهم به، هو منهجُ وهديُ من أمرنا الله تعالى بالتأسي به مطلقاً، في قوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وأن السبيل إلى ذلك هو معرفة سنته صلى الله عليه وسلم في الأحوال كلها، حلوها ومرها. أما المواقف والأقوال التي تروى عن بعض الفضلاء من العباد والصالحين، فيجب أن تعرض على الميزان السابق، وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما وافقها قُبل، وإلا رُدَّ واعتذر عن صاحبه.
- التصنيف: