أوروبا تكافح الإسلاموفوبيا بعد أن تصنعها
العوامل التي تقف وراء التَّمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمسلمين، وتسبِّب العداء الإسلام، يمكننا الحديث عن بعض الأسباب، ومنها:
يطرح الصعود المستمر لليمين الأوروبي مجددًا إشكاليَّة تتعلَّق بكيفية التوفيق بين الهويَّة الدينيَّة الإسلاميَّة، وبين الهويَّة الأوروبيَّة للمواطنين المسلمين هناك، حيث إنَّ التيَّار الاندماجي في أوساط المسلمين يؤكِّد على أهمية الجمع بين الهويَّتين، بينما يرى التيَّار الغالب في أوساط الأغلبيَّة ضرورة الالتزام بالهويَّة الأوروبيَّة العلمانيَّة، وتقليل - أو التخلِّي بالكامل عن - الهويَّة الدينيَّة.
وقد برزتْ هذه الإشكاليَّة مع موجات الإسلاموفوبيا، الَّتي لا تتوقَّف منذ أحداث 11 سبتمبر، وما تلاها من أحداث إرهابيَّة في لندن ومدريد، ممَّا أثار انزعاجًا بالغًا في دوائر حكوميَّة ومدنيَّة أوروبيَّة، ترى في ذلك تهديدًا للأمن الوطني في الدول الأوروبيَّة، حيث إنَّ التعصب ضد المواطنين المسلمين يخلق بيئة مواتيةً لنموِّ التطرف والإرهاب - بحسب رأيها.
الإسلاموفوبيا أشكال وأسباب:
يشير التعريف المبسط للإسلاموفوبيا إلى أنَّها تعني العداء للإسلام والمسلمين، والذي ظلَّ من النَّاحية التاريخيَّة أحد الملامِح البارزة في المجتمعات الأوروبيَّة، وأخذ أشكالاً عدَّة، كما سعى إلى تحقيق وظائف مختلفة، فعلى سبيل المثال: كان العداء في أسبانيا في القرن الخامس عشر يعبِّر عن التعبئة من أجل الصَّليب، وهو ما يَختلف عن العداء ضدَّ الخلافة العثمانيَّة الذي يرتبط بالصراع الدولي وقتذاك.
أمَّا في الوقت الحاضر، فإنَّ العداء تجاه الإسلام يتضمَّن الأشكال التالية:
- هجمات بدنيَّة على المسلمين والأماكن العامَّة.
- الهجمات على المساجِد وانتهاك حرمة مقابر المسلمين.
- انتشار الصور الذهنيَّة السلبيَّة عن الإسلام والمسلمين على نطاق واسع في وسائل الإعلام، والتَّصريحات السلبيَّة للقادة السياسيِّين حول أنَّ المسلمين أقل ديمقراطية من غيرهم، ويجب أن يختاروا بين "طريق بريطانيا" و"طريق الإرهاب".
- التَّمييز في الحصول على الوظائف وفي أماكن العمل.
- المعوِّقات البيروقراطية فيما يتعلَّق بمطالب المسلمين في التعليم والصحَّة وبناء المساجد.
- التَّمييز المؤسسي الذي يتمثَّل في فشل المنظَّمات المجتمعية المختلفة، في عمل برامج وأنشطة لاحتواء الظاهرة، ودمج المواطنين المسلمين على مدى سنوات طويلة.
وعند البحث عن العوامل التي تقف وراء التَّمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمسلمين، وتسبِّب العداء الإسلام، يمكننا الحديث عن بعض الأسباب، ومنها:
أوَّلاً: أنَّ معظم المهاجرين هم من المسلمين؛ ممَّا أدَّى إلى الرَّبط بين كلمة "المهاجر" وبين كلمة "المسلم"، ورغْم أنَّ هذا الرَّبط يعني أنَّ المهاجرين يحصلون على الوظائف، ويؤدُّون إلى زيادة البطالة بين الأغلبيَّة البيضاء؛ إلاَّ أنَّه مازالت هناك صعوبات اقتِصادية يواجِهُها المسلمون، فوفقًا للإحصائيات في بريطانيا - على سبيل المثال - نجد أنَّهم يعيشون بالمناطق الأكثر فقرًا في جميع أنحاء البلاد.
ثانيًا: أن المجتمع العلماني تظْهر فيه خطابات ومناقشات تؤيِّد الحداثة وترفض الدين عمومًا.
ثالثًا: أنَّ السياسات الخارجية لبعض الدول الأوروبية تبدو بنظر البعض كأنَّها في عداء مع الإسلام، حيث تساند الإسرائيليِّين مقابل الفلسطينيِّين، وتظهر في حربها ضدَّ "الإرهاب" إشارات للربط بين"المسلم" و"الإرهابي".
رابعًا: وجود عداء بين بعض التجمعات الدينيَّة، وخصوصًا بين المسلمين واليهود في بريطانيا، حيث يوجد شعور سائد بين المسلمين أنَّ الخوف من الإسلام في وسائل الإعلام يؤجِّجه أنصار الحكومة الإسرائيليَّة، وعلى العكس هناك شعور بين اليهود أنَّ معاداة السَّامية سببها المناصرون للقضية الفلسطينية.
خامسًا: ظهور تيَّار انعزالي بين المسلمين في مقابل تيَّار وسط الأغلبية يؤمن بثقافة التفوُّق العرقي والفردية الغربيَّة وتميز الجنس الأبيض، وهي ثقافة برَّرت موجات الاستعمار والهيمنة في مختلف قارات العالم.
تحديات أمام المجتمع الأوروبي:
وهنا يلزم التَّأكيد أنَّ أيَّ عداء من جانب المسلمين سببه سياسي وليس دينيًّا، حيث يذهب جون أسبوزيتو إلى أنَّ عداء المسلمين تجاه الغرب هو سياسي في معظمه، وليس دينيًّا، وأنَّ المسلمين يأملون أن يبدي الغرب مزيدًا من الاحترام لعقيدتهم؛ ولذلك فإنَّ القدرة على التَّمييز بين الإسلام والتطرُّف الإسلامي في عالمنا خلال مرحلةٍ ما بعد الحادي عشر من سبتمبر - تكتسي أهمِّيَّة بالغة، فبهذه الطَّريقة فقط سنتمكَّن من تلافي تنْحِية المسلمين، وتهميش المواطنين المسلمين في الداخل، والحلفاء الَّذين نحن في حاجة إليهم في محاربة الإرهاب العالمي"[1].
ويتَّفق مع ذلك نتائج لاستطلاع رأي أجرته منظمة جالوب الأمريكيَّة[2] عام 2007 على عيِّنة شملت 90% من تعداد المسلمين في العالم، قالت: إن أقلية قليلة فقط تتعاطف مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والأهم من ذلك أنَّه لم تكن هناك أي علاقة متبادلة بين مستوى التدين ومستوى التطرُّف، فلم يقيم أي من المجيبين في أندونسيا ممَّن يغفرون لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بالاستِشهاد بالقران الكريم لآرائهم، وعوضًا من ذلك اتَّسمت إجابات هذه المجموعة بأنَّها دنيوية، على سبيل المثال قال أحد المجيبين: "الحكومة الأمريكيَّة تتحكَّم في الدول الأخرى، وهو يبدو كأنَّه تصرف استعماري"، وقال شخص آخر: "الولايات المتَّحدة ساعدت الدولة الصهْيونية في الهجوم على فلسطين".
وتفرض الإسلاموفوبيا مجموعة من التَّحدِّيات أمام المجتمعات والحكومات الأوربيَّة هي[3]:
1- دمج المسلمين اقتصاديًّا: إن المسلمين عمومًا يتأخَّرون عن عامَّة الشَّعب فيما يتعلَّق بالفُرَص الاقتِصاديَّة، وفي هذا السِّياق لاحظ تقرير لمجلس الوزراء البريطاني في عام 2003: أنَّ البطالة بين ذوي الأصول الباكستانيَّة والبنغالية، وكذلك بين ذوي الأصول الأفريقيَّة - الكاريبيَّة أقلّ من معدَّلِها بالمقارنة مع بقيَّة السُّكَّان.
ويُذكر أنَّ التَّشريعات حقَّقت بعض النَّجاح في تحقيق المساواة، لكنَّ التَّمييز غير المباشر تِجاه الأقلِّيات يظل مشكلة مستمرَّة، مطالبًا بتعزيز الدَّور الاقتصادي للحكومة في مواجهة التمييز الاجتماعي للمسلمين النَّاتج عن أوضاعهم الاقتصاديَّة.
2- الحماية القانونيَّة للمسلمين: حيث إنَّ جرائم الكراهية ما زالت تحتاج إلى تشريع قانوني حازم.
3- معالجة الآثار النَّاتِجة عن الحرب على الإرهاب: وأهمُّها انقسام الرأي بين المسلمين وغير المسلمين حول الرَّبط بين ظاهرة الإرْهاب والدين الإسلامي، حيث يربِط كثيرون داخل الأغلبيَّة بيْنهما، ويشبهون الإرْهاب الإسلامي بالبلشفية، حيث إنَّه - من وجهة نظرهم - مذهب مسلح وأيدلوجية عدوانية يروِّجها المتعصبون، وهو ما يحتاج إلى أيدلوجية شاملة لدحْرِه، ومن أهم عناوين هذه الاستراتيجيَّة: تقليل الهوية الدينيَّة لمسلمي أوروبا.
أمَّا المسلمون فيسود بيْنهم رأيٌ أنَّ الغرب يحتاج دائمًا إلى عدوٍّ يعمل على الحفاظ على التَّماسك الاجتماعي، ويساعد على الحفاظ على الأمن العام، وهو ما يظهر حول الإرهاب الإسلامي في برامج التلْفزة والرِّوايات والفكاهات، وألعاب الكمبيوتر وبرامج الإنترنت.
من أجل الاندماج:
والسؤال المطروح الآن هو: كيف واجهت الحكومات الأوروبيَّة ومواطنوهم المسلمون ظاهرة الإسلاموفوبيا، سعيًا لتحقيق الدمج في مجتمعاتهم؟
فيما يتعلَّق بالحكومات، فإنَّها تسعى إلى دمج المسلمين في مجتمعهم؛ خوفًا من أن يؤدِّي انعزالهم إلى زيادة الأفكار المتطرِّفة، وفي هذا الإطار دعا تقرير لمؤسسة المسلمين البريطانيين والإسلاموفوبيا التَّابعة لمؤسسة رانيميد الحكوميَّة - وجاء تحت عنوان: "هذا اليوم سيأتي" وصدر عام 1997 - دعا إلى تبنِّي عدد من الإجراءات الهادفة إلى زيادة مشاركة المسلمين في العمل العام، وتقليل ظاهرة الإسلاموفوبيا، ومنها:
مشاركة المسلمين بفعالية في كافَّة المجالات السياسيَّة والاقتِصاديَّة، والاجتماعية والثَّقافية.
التَّشديد على أنَّ سلوك الإسلاموفوبيا غير مقبول، ولا يمكن الاعتراف به، ويجب على الشعب أن يُدينه ولا يتسامح معه.
ثمَّ أصدرت نفس اللجنة تقريرًا آخر عام 2004 بعنوان: "الإسلاموفوبيا: الإشكالات والتَّحديات والعمل"، ودعا إلى تبنِّي عددٍ من الإجراءات، من أهمِّها:
- الاعتِراف بالانتماءات الدينيَّة المختلفة في بريطانيا، التي تتَّسم بتنوُّع كبير في المجموعات العرقيَّة والدينيَّة.
- تبنِّي قانون المساواة الفرديَّة، وأن تعطي لجنة المساواة العرقيَّة في الحكومة أولويَّة لتشجيع جَميع الهيْئات العامَّة؛ من أجل الالتِزام بمنع التَّمييز الديني والعرقي.
- مراجعة سياسات تكافُؤ الفرص في العمالة وإيصال الخدمات العامَّة، دون النَّظر إلى الدين والعرق والجنس، والتَّأكيد على أنَّ رفض التَّوظيف على أساس ديني هو أمر غير قانوني.
- وضْع مبادئ توجيهيَّة في مجال الصِّحَّة تتعلَّق بتحقيق الاحتِياجات الثَّقافيَّة والدينيَّة لأتباع الأديان المختلفة.
- اتِّخاذ التدابير والبرامج الهادِفة للحدِّ من الفقر وعدم المساواة، ووضْع الميزانيَّات في ضوء احتياجات المناطق الإسلاميَّة.
- استِكْمال مبادئ في ميثاق الشَّرف الصحفي تتعلَّق بالتغطية الإعلامية حول الأعراق والأديان، وأن تضع المنظَّمات الإسلامية تصورات عمَّا يمكن لها أن تقوم به من مبادرات حول الإسلام، وأن تقبل المنظَّمات غير الإسلاميَّة المسؤولية الكبرى الملْقاة على عاتقها في منع الإسلاموفوبيا في برامجها وأنشطتها.
- جَمع ونشر التقارير عن أصول وأحوال الطلاب في المدَارس، وتقْديم المِنَح لجميع المدارِس، بِما يعني استعراض وتعْديل المعايير الخاصَّة بتمويل الدَّولة للمدارس الدينيَّة، وتَمويل تعليم الإنجليزيَّة بالمدارس بشروط تتَّسم بالمرونة، وتدْريب المعلِّمين المسلمين في التَّعليم الديني وغير الديني.
ولكن المفارقة أنَّ دوائر أوروبيَّة عديدة - سياسيَّة ومدنيَّة - لديها الوعي الكافي بالانتِهاكات المتزايدة للحقوق المدنيَّة لمواطنيهم المسلمين، ويضعون تقارير ودراسات حوْل الإسلاموفوبيا؛ ولكنَّها لا تتحرَّك بطريقة ملموسة لمكافحة مظاهِر العداء والإسلاموفوبيا، أو تمدّ أيديها للجمعيات الإسلاميَّة التي تناضل من أجل إقامة العدل وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] جون أسبوزيتو: حول فهم الإسلام، انظر: http://www.icaws.org/site/modules.php?name=News&file=article&sid=10621
[2] منظمة جالوب، تعدد الثقافات مقابل الاندماج في المجتمع، برنستون، 2007.
[3] Robin Richardson )editor). Islamophopia: issues, challenges and action,London. Trentham Books,2004
____________________________________________________________
الكاتب: حمدي عبدالعزيز
- التصنيف: