من أبجدية السعادة الزوجية - فَقِّهِّم
وبما منَحه الله – تعالى – من فَضْل وما آتاه الله من مَال عليه أنْ يُعلِّم أبناءَه وأهلَ بيِته، إنْ كانت لديه الأهْلية لذلك، فإنْ لم تكن أَوكَل لمن لديه الفِقْه والعِلم
كنتُ أفهَم من قول الله -تعالى- {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ } ﴿٣٤﴾ كنت أفهم منها أَنَّ القِوامَة – أعْني قِوامَة الرَّجُل على المَرأةِ – يعنى بها النَّاحية الجسَدية والمادِّية فقَط، ولكنَّني – بعد قِراءة وتأنٍ- أصبَحتُ أفهَم مِنها معْنى أوسَع وأشْمل، فالقِوامَة لا تقتصرُ على هَذين النَّاحيتين فقَط، وهمَا على أهميتها إلا أنهما أقل مما يعنِيه اللَّفظ الظَّاهر، فالقِوامة على نواحٍ متعَددة أهمُّها القِوامة الجسَدية والمالية، لكنَّها تتعَدَّى إلى التعليم والتأْديب والتَّربية، ومنها أن الرَّجل – وهنا أعْني الزَّوج – من مهماته ومقتضى مسْؤولياته، وبما منَحه الله – تعالى – من فَضْل وما آتاه الله من مَال عليه أنْ يُعلِّم أبناءَه وأهلَ بيِته، إنْ كانت لديه الأهْلية لذلك، فإنْ لم تكن أَوكَل لمن لديه الفِقْه والعِلم أنْ يعلِّمَهم وأنْ يفقِّهَهَم أمور دينِهم، فقد روى عن مُعَاوية بن أبي سفيان أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قال:" «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» ".
وكما جَاء في تفسِير قولِه -تبَارك وتعَالى: " {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [سورة النساء:34] بمعنى أنهم القَائمُون على تدبير شؤونهنَّ ورعايتهِنَّ وحفظِهنَّ وما أشبه ذلك من المعاني، فهي قِوامة تدبير وحِفظ ورعَاية، أي أنَّه يقوم على شؤونها، تقول: فلان قائمٌ على كذا أو قيّم لكذا، كما تقول: الرَّجُل قيِّم، بمعنى أنه قائِم على شؤون المرأة، فجعل الله- تعالى - له الولاية على هَذه المرأة يتصرف بحسَب المصْلحة لا بحسب هَواه ومِزاجَه.
والأُسْرة الصَّالحة السَّعيدَة هي الَّتي تقُوم على تعَاليم الشَّرع ومبادئ الإسْلام الحنيف، ويسْعى الجميعُ فيها إلى التَّعَلم والتَّفَقُّه في أمور الدِّين وشَرائع الإسْلام، فقد «جَاء رجُلٌ إلى النبي – صلَّى الله علْيه وسَلَّم – يسْأله قائلاً: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ شَرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَت عليَّ، فأخبِرْني بشيءٍ أتشَبَّثُ به، فقال: لا يزالُ لِسانُك رَطبًا مِن ذِكرِ اللهِ تعالى» . [رواه الترمذي]
ومنْ ثمَّ فقَد وجَب علَى الزَّوج أنْ يسْعى إلى تعَلُّم أصُول الدِّين وأركَانه، ومبَادى الفِقْه وأحْكَامه، بل وكُل ما يستقِيم به دِينُه، ووجَبَ عليه أنْ يحْصُل الحَدَّ الأَدْنى من مَعْرفة ماَ تصِحُّ به عبَادته، ومَا تسْتقيم به عقِيدتُه، وما تسْتقِيم به أخْلاقِه، فالدِّين يدُور بين العقَائد والعِبادات والمعَاملات، ومَن يرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدِّين، « روى طَلْحَة بن عُبيد الله أنَّ أعْرَابِيًّا جَاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي ما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي بما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقالَ: فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَرَائِعَ الإسْلَامِ، قالَ: والذي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شيئًا، ولَا أنْقُصُ ممَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شيئًا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أفْلَحَ إنْ صَدَقَ، أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ» .
فإِن تمَّ له ذلك وَجَب عليه أَنْ يرْعى زوْجَته وأولَاده بنين كانوا أو بناتٍ، وأنْ يتعهَّدهم بما يحفظ علَيهم أَمْر دينِهم، فيحفَظون القَرآن أَو شيئًا منْهن ويتعلَّمُون تفسِيره وتأْويله، ويتعلَّمون فقْه الطَّهارة والصَّلاة والصِّيام، مَا تيسَر لهُم من فقه الزَّكَاة والمعَاملات المَاليِّة وغيرها مما يلْزم المسْلم تعلَّمه.
والحَق أَنَّ البيُوت التي تؤسِّس على العْلم والفَضِيلة والفِقه ومعْرفة أمُور الدِّين الحَنيف، وتعاليم الشَّرع هِي أَكْثر البيُوت اسْتقرارًا، وأدْومُها هدوءًا وأَمَانًا، فالعِلْم يضْبط المعَاملات والتَّعَاملات داخِل الأُسْرة وخَارجَها، ويُصحِّح أمُور العَقِيدة بين أفْرادها ويحْفظها من كِلِّ زَيغٍ وانحِرافٍ، وتسْتقِيم به أمُور العِبادَة من صَلاةٍ وصِيام وزكاةٍ وحَجٍ ونحو ذلك.
فإذَا قمْت أيها الزَّوج الكَريم بدَوْرك في أداءِ ما أُوكِل إليك، وبمَا تمْلك من قِوامَة في رِعَاية زوجَتك وأبنَائك اسْتقَامتْ لكُم الحَياة ورُزقْتم برَكة العِلْم وطُمأنينة النَّفْس وراحَة البَال والعِصْمة من كلِّ زيْغ وانحْراف.
وإنني انصَحُك بعِدَّة أمُور عَلاماتٍ تعْينك في تحْقيق ذلك:
- احْرْص أن تدْفع نفْسَك وزوجَك وأبناءَك أن يحفَظوا شيئًا من القُرآن، ويتعَلَّمون تفْسِيره وتجْويده، من خِلال حَلقَات التَّحفِيظ بالمسَاجِد ما أَمْكَن إلى ذَلك سَبيل.
- ليَكُن لك مع أبنائِك جَلْسَة أسبوعية على الأقل تتدارسون فيها آيات من القرآن الكريم وتطالعون فيها تفسير بعض آياته، وتتناولون شيئًا من الفقه والعقيدة والمعاملات، فَعَن ثابت أنَّ أنَس بن مَالك -رضِي الله عنه- كَان إذا خَتم القُرآن جمَع أهْله وولَده فَدعا لهُم، وعند المَروزي في كتابِ (قيام الليل) قَال : كان رَجُل يقْرأ القُرآن مِن أوَّله إلى آخِره في مسْجد رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلم- وكَان ابن عبَّاس يجْعل عَليه رقيبًا فإذا أراد أن يخْتم قال لجلسَائه : قومُوا حتى نحضُر الخَاتمة .
- أَكْثروا من الاسْتماع إلى القُرآن الكَريم قراءةً وتعَلُّمًا، والاسْتمَاع إلى دُروس العُلمَاء الَّذين يُعْرفون بالصَّلاح والتَّقْوى.
- إِن كانت لَك القُدرة المَادِّية فلا مَانِع من أنْ تأتيَ بمؤدِّب أو مُعَلِّم لولَدك ممن يُعرَفون بالصَّلاح والتُّقى.
- كُن لَيِّنًا رقيقًا رفيقًا بهم، تحْرص على تعْليمِهم وتسْعَى إلى تفقيهِهِم أمُور دينَهم.
ولسْت أخَاف أو أشُكُّ في أَنك ستهْتم بتعْليم أٌسْرتك السَّعيدة وتربيتِهم وتفقيهِهِم في دينهم، ولَكنِّي أَخْشَى أن يفُوتك الخَير في تعْليم ِنفسِك وتَربية ذاتِك وتثقِيفها، وتطْوير ذاتِك وتنْميَتها، واحذَر من أنْ تطْعمَهم الخَير وتنْسى نفسَك، أو تقَدِّم لهم النَّفع ولا تجْعل لك فيها نصِيبًا، رزقنا الله وإياكم الفقه في الدِّين، والخير في كل وقت وحينٍ.
- التصنيف: