من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (3)

منذ 2022-05-12

ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار، فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث.

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد:

              " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل "

كل شيء عُصي الرب سبحانه به، فإنه يُفسده على صاحبه، فمن عصاه بماله أفسده عليه، ومن عصاه بجاهه أفسده عليه، ومن عصاه بلسانه أو قلبه أو عضو من أعضائه أفسده عليه، وإن لم يشعر بفساده، فأي فساد أعظم من فساد قلب خربٍ من محبة الله، وخوفه، ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره، والإنس به، والفرح بالإقبال عليه؟ وهل هذا القلب إلا قلب قد استحكم فساده، والمصاب لا يشعر؟ وأي فساد أعظم من فساد لسان تعطل عن ذكره وما جاء به، وتلاوة كلامه، ونصيحة عباده وإرشادهم، ودعوتهم إلى الله؟ وأي فساد أعظم من فساد جوارح تعطلت عن عبودية فاطرها وخالقها وخدمته، والمبادرة إلى مرضاته؟

وبالجملة فما عُصي الله بشيء إلا أفسده على صاحبه، ومن أعظم معصية العقل إعراضه عن كتابه ووحيه الذي هدى به رسوله وأتباعه، والمعارضة بينه وبين كلام غيره، فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل؟

  • اللذة والألم:

لا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة، والكافر يحصل له اللذة...ابتداءً ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم وهكذا حال الذين يتبعون الشهوات فيلتذون بها ابتداءً, ثم تعقبها الآلام بحسب ما نالوه منها والذين يصبرون عليها يألمون بفقدها ابتداءً، ثم يعقب ذلك الألم من اللذة...بحسب ما صبروا عنه وتركوا منها، فالألم واللذة أمر ضروري لكل إنسان لكن الفرق بين العاجل المنقطع اليسير والآجل الدائم العظيم بون.

                 " اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية "

  • حال من كان مستوحشًا مع الله، ومن كان قرير العين به:

من كان مستوحشًا مع الله بمعصيته إياه في هذه الدار، فوحشته معه في البرزخ، ويوم المعاد أعظم وأشدُّ، ومن قرَّت عينُه به في هذه الحياة الدنيا، قرَّت عينه به يوم لقائه عند الموت ويوم البعث، فموت العبد على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، ويعود عليه عمله بعينه، فينعم به ظاهرًا وباطنًا، أو يعذب به ظاهرًا وباطنًا.

  • الخارجون عن طاعة الرسل عليهم السلام يتقلبون في عشر ظلمات:

الخارجون عن طاعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ومتابعتهم يتقلبون في عشر ظلمات:

ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار، فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث.

                                " التبيان في أيمان القرآن "

  • دفع مبادئ الداء أسهل بكثير من طلب الدواء:

أول ما يطرق القلب: الخطرة، فإن دفعها استراح مما بعدها، وإن لم يدفعها قويت فصارت: وسوسة، فكان دفعها أصعب، فإن بادر ودفعها وإلا قويت فصارت: شهوة، فإن عالجها وإلا صارت: إرادة، فإن عالجها وإلا صارت: عزيمة.

ومتى وصلت إلى هذه الحال، لم يمكنه دفعها واقترن بها الفعل، ولا بد وما يقدر عليه من مقدماته، وحينئذٍ ينتقل العلاج من مقدماته إلى أقوى الأدوية، وهو: الاستفراغ التام بالتوبة النصوح. ولا ريب أن دفع مبادئ هذا الداء أولًا أسهل بكثير من طلب الدواء، وإذا وازن العبد بين دفع هذا الداء من أوله وبين استفراغ بعد حصوله، وساعد القدرُ وأعان التوفيقُ - رأى أن الدفع أولى به.

وإذا تألمت النفس بمفارقة المحبوب، فليوازن بين فوات هذا المحبوب الأخس، المنقطع النكد، المشوب بالآلام والهموم، وبين فوات المحبوب الأعظم الدائم، الذي لا نسبة لهذا المحبوب إليه ألبتة، لا في قدره، ولا في دوامه وبقائه.

وليوازن بين لذة الإنابة والإقبال على الله تعالى، والتنعم بحبه وذكره وطاعته، ولذة الإقبال على الرذائل والأنتان والقبائح.

وليوازن بين لذة الذنب ولذة العفة، ولذة الذنب ولذة القوة وقهر الهوى، وبين لذة الذنب ولذة إرغام عدوه وردِّه خاسئًا ذليلًا، وبين لذة الذنب ولذة الطاعة التي تحول بينه وبينه، وبين مرارة فوته، ومرارة فوت ثناء الله تعالى وملائكته عليه، وفوت حسن جزائه وجزيل ثوابه، وبين فرحة إدراكه وفرحة تركه لله تعالى عاجلًا، وفرحة ما يثيبه عليه في دنياه وآخرته.

  • عذاب كل أمة بحسب ذنوبهم:

كان عذاب كل أمة بحسب ذنوبهم وجرائمهم؛ فعذب عادًا بالريح الشديدة العاتية التي لا يقوم لها شيء.

وعذب قوم لوط بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك، والرجم بالحجارة من السماء، وطمس الأبصار، وقلب ديارهم عليهم بأن جعل عاليها سافلها، والخسف بهم إلى أسفل سافلين.

وعذب قوم شعيب بالنار التي أحرقتهم، وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها بالظلم والعدوان.

وأما ثمود فأهلكهم بالصيحة، فماتوا في الحال.

  • النجاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون:

من اعتبر أحوال العالم قديمًا وحديثًا، وما يعاقب به مَن سعى في الأرض بالفساد، وسفك الدماء بغير الحق، وأقام الفتن، واستهان بحرمات الله - علم أن النجاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون.

                      " رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه "

  • مقايسة العاقل بين اللذة المنكدة، وبين اللذة التي لا تزول ولا تنقطع

أين عقل من آثر لذة عاجلة منغصة منكدة - إنما هي كأضعاث أحلام، أو كطيف تمتَّع به زائره في المنام - على لذة هي من أعظم اللذات، وفرحة ومسرة هي من أعظم المسرات، دائمة لا تزول ولا تفنى ولا تنقطع، فباعها بهذه اللذة الفانية المضمحلة التي حُشيت بالآلام، وإنما حصلت بالآلام، وعاقبتها الآلام؟ فلو قايس العاقل بين لذتها وألمها، ومضرتها ومنفعتها، لاستحيا من نفسه وعقله، كيف يسعى في طلبها؟ ويُضيع زمانه في اشتغاله بها؟ فضلًا عن إيثارها على (( ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).)

وقد اشترى سبحانه من المؤمنين أنفسهم وجعل ثمنها جنته، وأجرى هذا العقد على يد رسوله وخليله وخيرته من خلقه، فسلعة ربُّ السماوات الأرض مشتريها، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم وسماع كلامه منه في دار ثمنها، ومن جرى على يده العقد رسوله، كيف يليق بالعاقل أن يضيعها ويهملها ويبيعها بثمن بخس، في دار زائلة مضمحلة فانية! وهل هذا إلا من أعظم الغبن؟ وإنما يظهر له هذا الغبن الفاحش يوم التغابن، إذا ثقلت موازين المتقين وخفَّت موازين المبطلين.

                       " الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب "

  • من علامات تعظيم المناهي:

الحرص على التباعد عن مظانها وأسبابها وما يدعو إليها, ومجانبة كل وسية تُقربُ منها كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها, وأن يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس, وأن يجانب الفضول في المباحات خشية الوقوع في المكروهات, ومجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها, ويتهاون بها, ولا يبالي ما ركب منها, فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه, ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته.

ومن علامات تعظيم النهي: أن يغضب لله عز وجل إذا انتهكت محارمه, وأن يجد في قلبه حُزناً وكسرةً إذا عُصى الله تعالى في أرضه, ولم يطع بإقامة حدوده وأوامره, ولم يستطيع هو أن يُغير ذلك.

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حدٍّ يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط.

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن...يُسلم لأمر الله تعالى وحكمه, ممتثلاً ما أمر به, سواء ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه أو لو تظهر. فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على المزيد الانقياد بالبذل والتسليم لأمر الله.

                       كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

                                    

  • 10
  • 0
  • 2,039

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً