من أبجدية السعادة الزوجية - هَدِّئ مِن رَوعِك

منذ 2022-05-14

سَاعتَها كن صَبورًا هادئًا، ولا يكُن أوَّل ما تفعَله صياحًا أو صُراخًا أو تعديًا بيدٍ أو قدمٍ، وإيَّاك أن تفعلَ، فتلك خَسَارة فَادحة، بل هدِّئ مِن روْعِك، والتَزم الصَّبر، واحْرص على الاتزان وعَالج كل مَوقف بحكْمة

 

   لا يمرُّ يومٌ على الإنسَان إلا ويتعرَّضُ لكثيرٍ من المواقفِ التي يكون بعضُها مما يتحمَّله البَشَر، ومنها ما قد يكون بسبب الضُّغوط الحياتية من صعُوبة في أسْباب المعِيشة أو شِدَّة في العمل أو اعتداءٍ من الغَير، أو ابتلاءٍ في بَدَن أو فقدان لحبيبٍ أو غير ذلك مما جَرتْ به مقاديرُ الله على العِباد، والتي ربمَّا تخرج الإنسَان عن هدوئه واتِّزانه.

   والأمر يحتاجُ إلى هدُوء واتِّزان، بل إلى مَزيد من الهدوءِ والاتزان والبُعد عَن الانفعال، وتجنُّب القلق والتَّوتر، فعن أَبي هريرة -رضي الله عنه - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِني، قَالَ: لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لا تَغْضَبْ» [رواه البخاري] .

     وقد كان لنا في رسُول الله الأسْوة والقُدوة الحَسَنة، فقَد كانَ واسِع الصَّدر، فاحتمَل من زوجَاته الكَثير، وقد كانتِ الغِيرة بينهنَّ تشغَل حيَاتهن، وهنَّ بشَر من البشَر، وكنَّ يتعاملن معه زوجًا بشَرًا، وربما وصَلت مضايقتهن له بعضَ الأحيان يتجاوز الحدود، وهو ما حصَل يوم آلى منهنَّ، ولا شكَّ بأن صَبره عليهنَّ - إضَافة إلى مسؤولياته التي لا حصْر لها - يعد من عظَمة سلوُكه صَلى الله عليه وسَلم.

  وقد امتلأَت كتبُ السِّيرة بصُورٍ كثيرة لتحمُّله وصبره عليهنّ ممّا قد يقع منهنّ من الغِيرة، كمَا كان يصبر على مناقشَتهنّ إيّاه، وقد كانتْ مثل هذه التصرُّفاتِ غير مقبولة في المجتمعِ الجاهلي، إلّا أنّ النبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أراد أن يُعلّم النَّاس أنّ هذا من الأخلاق العَالية للرَّجُل، ويظهر صَبر النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- في عدّة صُور، منها: صَبره على هَجرهنّ له؛ فقد كان النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتقبّل من نسَائه مناقشتهنّ إيّاه في كلامِه، وقد أنكَر عُمر بن الخطَّاب -رضِي الله عنه- على زوجته رَدّ كلامِه إليه، فقالت له:  «فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لَيُراجِعْنُه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ» ، بالإضافة إلى صَبره على سؤالهنّ إيّاه النَّفقة الزائدة ممّا ليس عنده؛ فقد كان النبيّ يتحمّلهنّ في ذلك، ويصْبر على الأمُور التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجيّة، ومن ذلك أنّه جلَس وحيدًا لا يأذن لأحَد بالدُّخول إليه إلّا لأبي بكْر، وعُمر -رضي الله عنهما-، ولمّا سألاه عن سبب سكُوته، أخبرهما أنّه بسَبب سُؤال زوجاته النَّفقة ممّا ليس عنده، وصبره على سؤالهنّ له في مسَائل شرعيّة؛ فقد كان النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أعلم النَّاس بدِين الله، وكنّ يسألنَه كثيرًا، ويُجادلْنه في بعضِ المسَائل الشَّرعيّة، وكان هو بدوره يُعاملهنّ بلُطف، ولِين، ومن ذلك حَديث النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مع حفصة -رضِي الله عنْها- في قصّة أصْحاب الشَّجرة عندما قال: (لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ: ( {وَإنْ مِنكُم إلَّا وارِدُها} ) « فقالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ» : {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا}، وصَبره على ما يقع منهنّ من تصرُّفات مختلفة، كفِعل إحْداهنّ أمرًا دُونَ عِلْمه، فلا يُعنّفها، بل يصْبر علْيها، ويرْحمها.

     و «عن عائشة -رضِي الله عنها- قالت: جَاء أبو بكر ورسول الله -صَلى الله علْيه وسَلم- واضعًا رأسه على فخِذي قد نام، فقَال: حبَسْتِ رسول الله -صلى الله علَيه وسَلَّم- والناس، وليسوا على ماء، وليسَ معهم مَاء، فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعَل يطْعنُ بيده في خاصِرتي، ولا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله -صلى الله علَيه وسَلَّم- على فخذي» . [متفق عليه]

    ومِمَّا يُحكَى أنَّ رجُلاً سأل عنْترة بن شدَّاد عن سرِّ شجاعته وانتصَاره علي الرِّجال، فقال عَنتَرة : ضَع إصْبعك في فَمِي وخُذ إصْبعي في فمِك، وعَضَّ كلَّ واحِد منهم الآخِر ، فصَاح الرَّجُل من الألم ولم يصْبر ، فأخْرج له عنترةُ إصْبعه. وقال: بهذا غَلبْتُ الأبطال...أي بالصَّبر والاحْتمال.

      قال المدَائني : رأيتُ بالبَادية امْرأة لم أرَ مثلها في الصَّبر والجَلَد، ولا أْحْسَن منها وجههًا ونضْرة، كانت دائمةَ التبسُّم والضَّحكِ ، فقلت : تالله إنْ فعَل هذا بكِ من الاعتِدال والسُّرور، فقالت : كلَّا والله إن لدَيَّ أحزانًا وخلْفي همومٌ، وسأخْبرك، وبدأَت المرْأة تحْكي له قِصَّتها قائلة : كان لديَّ زوجٌ ولي منه ابنان، فذبحُ أبوهما شَاةً في يوم عيد الأضحى والصَّبِيَّان يلعبَان، فقال الأكبر للأصغر: أَتريدُ أن أُريك كيفَ ذَبح أبي الشَّاة . قال : نعم، فذَبحَه ، فلما نظَر الي الدَّم خَاف وفزِع وهرب نحو الجبَل فأكله الذِّئبُ، فخرج أَبوه يبحثُ عنه فضَاع ومَات عطشًا، فأفردني الدَّهر، فقلتُ لها: وكيف أنتِ والصَّبر ؟ فقالت: لو دَام لي لدُمتُ له، ولكنَّه كان جرحًا فَشُفِي .

    وكُلِّ موقفٍ تظُن فيه أن عُلو الصَّوت والصِّياح والصُّراخ، أو السَّبِّ، أو الإهَانة، أو التَّعدِّي بأي شكْل من الأشْكال هو سَبيل العِلاج فغير صحيح، هو في النَّهاية لن يفْضِي إلى ما تريدُ، ولن يتحقَّق به المأمُول، ولن تتم المعَالجَة وفق ما ترجوه، والخَاسِر الوحيد هو أنت، فكَم من الأذَى النَّفسِي قد يحدُث! وكم من الألم الجسَدي الّذي قد يترتَّب على ذلك! فَعَالج بحكمة، والزم الهدُوء والحِلْم، وفي الحديث الشريف عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسُول الله -صلى الله علَيه وسَلَّم- "إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ".

   وأنتَ في أُسْرتك ومع زوجتِك وبين أولادك قد ترى منهم مالا يعجُبك، وقد يحدث بينكما أو بينكُم ما لا ترضاه، فقد ترفَع زوجتُك صَوتها عليك فتتأذَّى من ذلك، أو لا تلَبِّي لك طلبًا أو تتأخَّر عن استجابةٍ في أمر أَو غيرها من المواقف التي تمتَلئ بها حياتُنا اليوميَّة، وقد ترى منْ أبنائِك ما لا يرْضيك، وقد يقْترف أحدُهم خَطأً أو يتعدى بفعلٍ أو قولٍ، وربما لا تتَمالَك نفسَك فيكون ردَّ فعْلك قاسيًّا فتنالُ منهم دونما قصدٍ.

   وسَاعتَها كن صَبورًا هادئًا، ولا يكُن أوَّل ما تفعَله صياحًا أو صُراخًا أو تعديًا بيدٍ أو قدمٍ، وإيَّاك أن تفعلَ، فتلك خَسَارة فَادحة، بل هدِّئ مِن روْعِك، والتَزم الصَّبر، واحْرص على الاتزان وعَالج كل مَوقف بحكْمة، وقد يكونُ العِلاج الصَّمتَ أو الانْصِراف عن الحَديث أو النَّظر بدهْشة وتعَجُّب.

   ولا تنتهي مشَاكل الحياةِ وصُعوباتها، لكِنَّ الحِكمة والصَّبرَ والهدوءَ عند التعامل مع المشْكلة يسَّرع من حلِّها، ويخفِّف من تبعَاتِها، وإنَّك لتعجَب من ارتفَاع نسْبة الطَّلاق والخُلع في هذا العَصْر، ففي دراسة حديثة في بعْض إحْدى البلدان العَربيَّة بلغت حَالات الطَّلاق في العَام 2020م ما يربُو على 60 ألف حَالة، بنسبة مقدارها 12.7%، ومن أهَمِّ هذه الدَّواعي والأسْباب التي تؤَدي إليه، هو عدمُ تحمُّل أطْراف العَلاقة الزوجيَّة للآخَر، تحمَّل زوجَتك واصْبر على تصرُّفاتها، وكن هينًا لينًا معَها، ولتصْبري على زوجَك، ولتكُوني طيعَة له، واصْبروا على أبنائِكم، فالتربية ليست سهلة بسيطة، تحتاج منكم التعَامل بهدوءٍ في كل مواقِف الحيَاة، سَاعتها تنعمونَ بحياتكم، وتِجدون فيها السَّعادة والسُّرور.

  • 2
  • 0
  • 1,115
المقال السابق
قُم مِن اللَّيل
المقال التالي
يسِّر ولا تعَسِّر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً