الإنسان في المنظور الإسلامي.

منذ 2022-06-07

لما قبل الإنسان حمل الأمانة عن الله تعالى وعده ربه أن يساعده وأن يعينه فكلأه بعزته واستحفظه ملائكته وجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما..

أيها الإخوة الكرام:

في سورة الإسراء آية يقول فيها رب العالمين سبحانه وتعالى  { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا

هذه الآية ماذا تقول؟

هذه الآية  {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }  هذه الآية تقول إن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله تعالى هو أعلى المخلوقات رتبة وأرفع المخلوقات درجة، قد فضله الله تعالى وقدمه وميزه على كثير من خلقه تفضيلا..

فالله تعالى خلق الإنسان بيده، وهو الذي سواه، وهو الذي نفخ فيه من روحه، وهو الذي صوره في أحسن صورة، وهو الذي اختاره في الأرض خليفة، وهو الذي علمه، وهو الذي أسجد له الملائكة المكرمين، وهو الذي أسكنه جنته..

 {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوٓا۟ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّىٓ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلْأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِى بِأَسْمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ، قَالُوا۟ سُبْحَٰنَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ، قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ۖ فَلَمَّآ أَن..بَأَهُم بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّىٓ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ ل إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ

الإنسان هو المخلوق الذي قبل عن الله عز وجل حمل الأمانة التي أشفقت منها السموات والأرض والجبال وأبين أن يحملنها وقالوا يا رب لا طاقة لنا بها، أما الإنسان فقال أنا لها..

امانة التكليف، أمانة الثواب والعقاب، أن يكون عبدا لله باختياره وإرادته، ويسأل يوم القيامة عن حسناته إن كان له حسنات فيثاب عليها، ويسأل يوم القيامة عن سيئاته إن كان له سيئات فيعاقب عليها، فكان الإنسان من بين جميع الخلائق هو الأعلى همة، وهو الأكثر ثقة في ربه وثقة في نفسه {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا

قال عبد الله بن مسعود : لما خلق الله ( الأمانة) مثلها ( صخرة) ، ثم وضعها حيث شاء ، ثم دعا لها السماوات والأرض والجبال ليحملنها ، وقال لهن : إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب .

قالوا : يا رب ، لا طاقة لنا بها .

وأقبل الإنسان من قبل أن يدعى فقال للسماوات والأرض والجبال : ما وقوفكم ؟ قالوا : دعانا ربنا أن نحمل هذه الأمانة فأشفقنا منها ولم نطقها ..

قال ابن مسعود : فحركها آدم بيده وقال : والله لو شئت أن أحملها لحملتها .

فحملها حتى بلغ بها إلى ركبتيه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ..

قالوا : دونك فاحملها ! فحملها حتى بلغ بها حقويه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ..

قالوا : دونك فاحملها ، فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فلما أهوى ليضعها ، قالوا : مكانك ! إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب ، وأمرنا ربنا أن نحملها فأشفقنا منها ، وحملتها أنت من غير أن تدعى لها ، فهي في عنقك وفي أعناق ذريتك إلى يوم القيامة ، إنك كنت ظلوما جهولا .

وعن ابن عباس أن الله تعالى قال لآدم : أتحمل هذه الأمانة بما فيها؟ قال يا رب وما فيها ؟

قال : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت . قال : أنا أحملها بما فيها بين أذني وعاتقي ..

فقال الله تعالى له : إني سأعينك ، قد جعلت لبصرك حجابا فأغلقه عما لا يحل لك ، ولفرجك لباسا فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك .

لما قبل الإنسان حمل الأمانة عن الله تعالى وعده ربه أن يساعده وأن يعينه فكلأه بعزته واستحفظه ملائكته وجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما..

كرم الله الإنسان وقدمه على غيره من الخلائق فهو يأكل بيديه، ويمشي مستويا على قدميه، وأحسن الله صورته، وأودع فيه عقلا يفهم به عن الله عز وجل أمره، وسخر الله له الشمس والقمر، وسخر له الليل والنهار، وسخر له البحار، وسخر له الأنهار، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعا منه..

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِۦ وَلِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}

ثم إن الله تعالى ربط الإنسان بالسماء برباط وثيق..

فمن أجله أنزل الوحي وأرسل الرسل ونزل الكتب وأيده بالهداية والتوفيق وأسبغ عليه النعم وأسبل عليه الرحمات، وعرفه بنفسه سبحانه، كل ذلك ليستعين الإنسان على أداء الأمانة التي تحملها عن الله تعالى، والتي بسبب تحملها وحسن القيام بحقها كرمه ربه وفضله على كثير من خلقه تفضيلا..

{﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِىَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ ﴾ }

ولما كان الإنسان هو صنعة الله تعالى، ولما كان خليفته في أرضه صان الله تعالى حياة ذلك الإنسان وحفظ عليه ماله وحفظ عليه عرضه فلا يمس منها شيء إلا بالحق، وقضى سبحانه وتعالى أن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لإنسان أبيض على إنسان أسود، ولا لإنسان أحمر على إنسان أصفر إلا بالتقوى..

{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ }

وفي حديث أبي هريرة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ » ".

عند الله تعالي الإيمان وحده هو الذي يميز إنسانا على إنسان، والعمل الصالح فقط هو الذي يقدم زيدا على عمرو ولا شيء غير ذلك، المؤمن في نظر الله عز وجل حي وغير المؤمن حاله كحال المقبور قال الله تعالى:

{﴿ وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ، وَلَا ٱلظُّلُمَٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ، وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلْحَرُورُ، وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَحْيَآءُ وَلَا ٱلْأَمْوَٰتُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ ﴾ }

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يزيننا بزينة الإيمان وأن يجملنا بكرامة القرآن إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير ..

الخطبة الثانية

بقي لنا في ختام الحديث عن الإنسان في المنظور الإسلامي وكونه المخلوق الأول عند الله تعالى بقي لنا أن نقول إن الله تعالى لما كرم الإنسان وفضله.. كرمه وفضله على كثير من خلقه لا على جميع خلقه..

فالملائكة أكرم وأفضل عند الله تعالى من البشر، ومنزلتهم عند الله تعالى أرفع من منزلة البشر إلا الأنبياء عليهم السلام..

والذي تطمئن إليه النفس في هذه المسألة- والله أعلم-:

أن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وهم جميعا من البشر أفضل من الملائكة جميعا، لأن الله- تعالى- قد أمر الملائكة بالسجود لآدم الذي جعله خليفة له في أرضه، فلم يسجد أحد للملائكة ولم تسجد الملائكة لأحد إلا لآدم..

وأن الرسل من الملائكة- كجبريل وميكائيل- أفضل من عموم البشر- سوى الأنبياء-، لأنهم أيضا قد اصطفاهم الله- تعالى- واختارهم لمهام عظيمة ، قال- تعالى- {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} .

وأن الصالحين من البشر- كالعشرة المبشرين بالجنة- رضوان الله تعالى عليهم أفضل من عامة الملائكة، لأن الملائكة ليست فيهم شهوة تدفعهم إلى مخالفة ما أمر الله به، فهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون..

أما بنو آدم فقد ركب الله- تعالى- فيهم شهوة تدعوهم إلى الوقوع في المعصية، فإذا قاوم البشر هذه الشهوات كانت هذه المقاومة بجهاد يؤدى إلى رفع الدرجات ، ليصبح الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى أكرم وأفضل الخلق في الدنيا والآخرة..

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }

أسأل الله بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمنا من الزلل وأن ينجينا برحمته من سوء العمل...

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 1
  • 0
  • 1,414

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً