عقوق الآباء للأبناء
فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
إذا تأملنا آيات القرآن نجد أن الله عز وجل قد وصى الأبناء على الآباء ولم يوص الآباء على أولادهم لأن عاطفة الأبوين تجاه أبناءهم فطرة فهم يحبونهم دون قيد أو شرط فالأب يضحى بحياته من أجل ابنه ولكن ما نراه الآن ونسمعه من مشاكل للأبناء نجد أن سببها الآباء يشكون من عقوق أبنائهم وهم أنفسهم من زرع بذرة العقوق فى السابق ثم هو يحصد الزرع اليوم من أبناء مشوهين حاقدين على المجتمع كارهين لوالديهم ليس لديهم انتماء
أسمع من يقول هل يعق الأب ابنه ؟ نعم يعقه عندما يختار زوجه لا تصلح لتربية أبناء أسوياء أهتم بمظهرها وما تضع من مساحيق ولم يسأل عن دينها وعن تربيتها فى بيت أهلها هل هى ذات دين تتقى الله فى اولادك ؟
انظر إلى هذا الرجل الذى جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكو عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنَّبَه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويُحسن اسمه، ويُعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
هذا الموقف يعطينا درسا أن نخلص النية فى إنجاب ذرية صالحة تتقى الله قبل كل شىء وليس مجرد إنجاب والسلام فهذا هو نبى الله زكريا عليه السلام عندما طلب الولد ليس لدنيا ولا ليكون عزوة له و حتى لا يقول الناس إنه عقيم لا ينجب ولكن انظر لدعاءه :" {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا } " سورة مريم
خاف أن يضيع الدين من بعده كما شاهد في بني إسرائيل من تبديل الدين فطلب الولد ليصلح فى الناس ويخدم دين الله ولم يطلبه لنفسه ليتفاخر به ويتباهى وهكذا امرأة عمران تدعو الله بالولد وتدعو باخلاص ان يكون لله كانت تطلب الولد ليخدم فى بيت المقدس فرزقها مريم ومن ذريته نبى الله عيسى عليه السلام تخيل بإخلاص الأم يمتد الخير لأجيال وليس لولدها فقط وأنت أيها الوالد هل فكرت يوما قبل أن تنجب ما هدفك من الإنجاب ؟ قبل أن تأتى إلى الحياة بأولاد يكونون سبباً فى شقاءك وعبئا على المجتمع يوما ما
ويشكو الوالد أن ابنه لا يصلى وابنته غير محجبة وهل دربت أولادك على الصلاة منذ الصغر فكنت قدوة لهم فى الالتزام بالصلاة وهل كانت الأم قدوة بناتها فى الالتزام بالحجاب أمام غير المحارم ؟واحضار لباس خاص بالصلاة للبنت فتعتاد عليه فقبل أن تشكو عقوق الابن وعدم طاعته انظر من نفسك هل أنت قدوة حسنة لهم ؟!
وتشكو الأم من تقليد أبنائها للممثل أولاعب الكرة الفلانى فى طريقه لبسه أو قصة شعره بل وفى تصرفاتهم أنها لا تتناسب مع عادتنا وتقاليدنا فهل جلست معهم يوما تقصين عليهم سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وقصص الصحابة وأمهات المؤمنين ليكونوا لهم القدوات الحقيقة
ومن صور العقوق أيضا عندما تقارن الأم ابنها بمن هو أهدأ منه أو أذكى منه كما تفعل بعض الأمهات مثلا أمهات عندما يرجع الأبناء بالشهادة تجدها تقول له فلان أخذ تسعين وأنت أخذت سبعين يفرق عنك إيه ؟ فهذا يخلق لديه اضطربات نفسية وتجعل منه انسان حاقداً على من حوله وقد يكونون إخواته فتنشا بينهم العداوات وتتقطع الصلات ويكون مبرر الأم فى ذلك تقول أنا اقارن لأحفز وليس لاعجزه ف قبل أن تقارن الأم بين أبنها والآخرين يجب أن تعلم أن كل ميسر لما خلق له إذ يقول الله تعالى :" { {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} ..} [الآية:286 ] فالأبناء متنوعون فى قدراتهم فهذا يملك الذكاء الاجتماعى والتواصل مع الآخرين وهذا هادىء الطبع يحب الكتابة والأعمال الأكاديمية وهكذا على اختلافهم فعلينا أن نتقبل اختلاف الأبناء ونستمتع بمواهبهم وقدراتهم
وعندما لا يعدل الآباء بين ابنائهم فى العطاء فقد غرسوا بذرة العقوق فيهم والكراهية بين الأخوة كما فعل إخوة يوسف عندما أحسوا أن أباهم يميز يوسف عنهم بالحب والإحتواء إذ يقول تعالى :" { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} " [سورة يوسف]
فأصبح هدفهم هو قتل يوسف أو إبعاده عن أبيهم بأى شكل لأنه منافس لهم فى حب أبيهم فإذا كانوا فعلوا ذلك وهم أبناء نبى وفى رعايته فما بالك بأبنا ئنا نحن ممن لا يعمل على تزكية قلبه من الأحقاد والضغائن فالعدل مطلوب حتى فى القبلة والحضن كما أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ( «(تصَدَّق عليَّ أبي ببَعضِ مالِه، فقالت أمِّي عَمْرةُ بنتُ رَواحةَ: لا أرضى حتى تُشهِدَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فانطلَقَ أبي إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيُشهِدَ على صَدَقتي، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفعَلْتَ هذا بوَلَدِك كُلِّهم؟ قال: لا. قال: اتَّقوا اللهَ واعدِلوا في أولادِكم. فرجَعَ أبي، فرَدَّ تلك الصَّدَقةَ» " [اخرجه البخارى وفى لفظ (فلا تُشهِدْني إذَن؛ فإنِّي لا أشهَدُ على جَورٍ)]
ومن صور العقوق إدخال المال الحرام على الأبناء فكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به فعندما تجد ابنك لا يطيعك بل ويفعل المعاصى فى حق الله رغم نصحك له فارجع إلى نفسك واسألها هل تطعمه حلالاً ؟! إذ كيف لجسد غذى بالحرام أن يطيع الله ويبر بوالديه
ومن صور العقوق أيضا أن تجعل منه انساناً أنانياً بكثرة التدليل وإجابته لكل ما يطلب فيصبح لا يفكر إلا بنفسه ولا يُقدم على مساعده غيره ولا يحس بالآخرين فهل أخذته يوما إلى دار أيتام ؟أو سعيت معه لقضاء حوائج الفقراء أو كبار السن ؟!حتى يعلم معنى المشاركة والتضحية من أجل الآخرين فلا تجده يوما يتخلى عنك ويتركك فى أشد وقت تحتاج فيه إلى السند لهثاً وراء المال
ومن صور عقوق الابن توجيه النقد المستمر والإهانة والتحقير من شأنه بقولك اسكت أنت لا تفهم شيئا أو اسمع الكلام وأنت ساكت أو شتمه بألفاظ قبيحة مما ينتج عنه شخص فاقد الثقة فى نفسه مشوه نفسياً لا يستطيع اتخاذ قرار فى حياته ويظل مطبوعاً فى ذهنه هذا التوبيخ حتى بعد الكبر والغريب أنك إذا نبهت الأم على ذلك تقول لقد نشأنا هكذا وأنا أربيه على ما تربينا عليه وكأن لسان حالها : " {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [(22) الزخرف] ثم يجنى المجتمع ثمرة تشويه شخصية هذا الابن
إن الله عزوجل لما خاطب المؤمنين بعد غزوة أحد لم يوبخهم على هزيمتهم ولكن مدحهم أنهم الأعلون إذ يقول تعالى :" {وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} " وعاملهم برفق رغم الحدث العظيم الذى أوذى فيه النبى صلى الله عليه وسلم وشجت رباعيته فأى ابتلاء أكبر من ذلك ولكن تأمل كيف عالج القرآن الموقف بالرفق واللين ولم يقل لهم اذهبوا إلى الجحيم
و يعطينا عمر بن الخطاب الدرس فى اعطاء الفرصة للابناء فى التعبير عن الرأى عندما اعطى ابن عباس وهو صغير أن يعبر عن رأيه
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه يَوْمًا لأصْحَابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فِيمَ تَرَوْنَ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ: {{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}} [البقرة: 266]؟ قالوا: اللَّهُ أعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولوا: نَعْلَمُ أوْ لا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: في نَفْسِي منها شَيءٌ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: يا ابْنَ أخِي، قُلْ ولَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: أيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بطَاعَةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ له الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بالمعاصِي حتَّى أغْرَقَ أعْمَالَهُ." ونحن نعرف عن عمر أنه كان شديداً فى التعامل قبل الإسلام فكيف يرق قلبه ويقبل الرأى من الصغير ولكنه الإيمان إذا ملأ القلوب عرفت معنى الرحمة والعطف ولتعلم كل أم أن ابنك لن يحترم ذاته ويقدرها إلا عندما تقدريها أنت
ولنا فى إبراهيم عليه السلام الإسوة الحسنة فعندما رأى رؤية أنه يذبح ابنه ذهب إليه وقص عليه الرؤيا وأخذ رأى ابنه اسماعيل فى قصة الذبح إذ يقول تعالى :" {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ} " سورة الصافات برغم أنه أمر إلهى واجب التنفيذ لكنه احترم رأيه وإن كان صغيرا ويتجلى فى هذا الموقف حرص إبراهيم عليه السلام على بناء شخصية ابنه , فهل سعى كل أب وأم على تزكية أنفسهم حتى يتعاملوا مع أبنائهم بإخلاص لله وليسوا مجرد شىء من ممتلكاتهم يفعلوا به ما يشاءون إنها نفوس بشرية بين أيديكم فاتقوا الله فيها واعطوهم مساحة من حرية الرأى لتكون الاستجابة لما تأمرونهم به أسرع وأيسر من الاستبداد بالرأى
قل لي أيها الأب وأيتها الأم متى آخر مرة قبّلت ابنك أو قلت له إنى أحبك ؟ متى آخر مرة فتحت معه باباً للحوار المتعقل ولم تعنفه ؟ وكم مرة دعوت له بصلاح الحال وأن يغفر الله لك الذنب الذى حال دون صلاح ولدك ؟وكم مرة اعتذرت له على خطئك فى حقه ؟ ألم تعلم أن الله أمرنا أن نقول الخيرإذ يقول تعالى :" { {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} }
إذا كان هذا مع الأغراب عنك فأولى الناس بالكلام الطيب والعطف هم ابناؤك الذين فى رعايتك فأنت ستسأل عن ما نطق به اللسان من شتم أو تجريح فهو ليس حق مكتسب لديك تهين من تشاء وقت ما تشاء إذ يقول تعالى :" {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} " [ق:18]
وفى النهاية إن هداية ابنك بيد الله وأن القلوب بيدى مقلبها يقلبها كيف يشاء فلا تكن عوناً للشيطان على ابنك واتق الله فيه ولا تستخرج منه العقوق .
- التصنيف: