من درر العلامة ابن القيم عن الأحزان والهموم
الثقلاء والبغضاء معاشرتهم توهن القوى, وتجلب الهم والغم, وهي للروح بمنزلة الحمى للبدن, وبمنزلة الرائحة الكريهة.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم رحمه في أكثر من كتاب من مصنفاته موضوع: الأحزان والهموم والغموم: وقد يسر الله الكريم فجمعت بعضاً مما ذكره في تلك الكتب أسأل الله أن ينفع بها الجميع
- الهموم والأحزان عقوبات عاجلة:
الغموم والهموم والأحزان والضيق عقوبات عاجلة, ونار دنيوية, وجهنم حاضرة.
[الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب]
- كراهة أمر مضى يحدث الحزن, وتوقع مكروه في المستقبل يحدث الهم:
المكروه الوارد على القلب ينقسم باعتبار سببه إلى قسمين: فإنه إما أن يكون سببه أمراً ماضياً فهو يُحدثُ الحزن وإما أن يكون توقع أمر مستقبل فهو يحدث الهم.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
- الهمّ والحزن يسطلهما الله على القلوب الفارغة من محبته وخوفه ورجائه:
من حكمة العزيز الحكيم أن سلَّط هذين الجندين على القلوب المعرضة عنه الفارغة من محبته وخوفه ورجائه والإنابة إليه, والتوكل عليه, والأنس به, والفرار إليه, ليردها بما يبتليها من الهموم. والأحزان والآلام القلبية عن كثير من معاصيها وشهواتها.
القلب خُلِقَ لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به والابتهاج بحبه, والرضي عنه, والتوكل عليه, ودوام ذكره, وأن يكون أحبَّ إليه من كل ما سواه, وهذا بمنزلة الغذاء والصحة...فإذا فقد غذاءه...فالهموم والغموم والأحزان مسارعة من كل صوبٍ إليه.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
تجد الكسالى أكثر الناس همّاً, وغمّاً, وحزناً, ليس لهم فرح, ولا سرور, بخلاف أرباب النشاط, والجدِّ في العمل أيِّ عمل, فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن عواقبه, وحلاوة غايته, كان التذاذُهم بحبِّه, ونشاطهم فيه أقوى.
[روضة المحبين ونزهة المشتاقين]
- من أسباب الهموم والغموم والأحزان:
تحصل الهموم والغموم والأحزان من جهتين:
أحدهما: الرغبة في الدنيا والحرص عليها.
الثاني: التقصير في أعمال البر والطاعة.
[عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين]
- معاشرة الثقلاء تجلب الهموم والعموم:
الثقلاء والبغضاء معاشرتهم توهن القوى, وتجلب الهم والغم, وهي للروح بمنزلة الحمى للبدن, وبمنزلة الرائحة الكريهة.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
- فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة تجلب الغموم والهموم:
ترك فضول النظر, والكلام, والاستماع, والمخالطة, والأكل, والنوم, فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً, وهموماً في القلب, تحصره, وتحبسه, وتضيقه, ويتعذب بها, بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
ــــــــــــــــــــــــ
- الهمُّ والحزنُ يضعفان العزم, ويُوهنان القلب:
الحزن...نهى سبحانه عنه في غير موضع, كقوله تعالى: ﴿ {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ﴾ [آل عمران:139] وقال تعالى: ﴿ {لَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} ﴾ [النحل:127] وقال تعالى {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه معنا} [التوبة:40] فالحزن هو بلية من البلايا التي نسأل الله دفعها وكشفها, ولهذا يقول أهل الجنة: ﴿ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ } ﴾ [فاطر:34] فحمدوه سبحانه أن أذهب عنهم تلك البلية ونجاهم منها وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) فالهم والحزن قرينان, وهما الألم الوارد على القلب, فإن كان على ما مضى فهو الحزن, وإن كان على ما يستقبل فهو الهم, فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يستعاذ منه, وذلك لأن الحزن يُضعف القلب ويُوهن العزم ويغير الإرادة ولا شيء أحبُّ إلى الشيطان من حزن المؤمن قال تعالى: ﴿ {إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا } ﴾ [المجادلة:10] فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره, والثواب عليه ثواب على المصائب التي يبتلى العبد بها بغير اختياره, كالمرض والألم ونحوهما.
[طريق الهجرتين وباب السعادتين]
وقال رحمه الله: الهمُّ والحزنُ يضعفان العزم, ويُوهنان القلب, ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه, ويقطعان عليه طريق السير, أو ينكسانه إلى وراء, أو يعوقانه, ويقفانه أو يحجبانه عن العلم الذي كلما رآهُ شمَّر إليه, وجدَّ في سيره فهما حِمل ثقيل على ظهر السائر.[زاد المعاد في هدي خير العباد]
ـــــــــــــ
- التوحيد والاستغفار أعظم دواء لإزالة الهموم والغموم والأحزان:
الهم يكون على مكروه يُتوقع في المستقبل يهتم به القلب، والحزن على مكروه ماضٍ من فوات محبوب، أو حصول مكروه إذا تذكره أحدث له حزنًا، والغم يكون على مكروه حاصل في الحال يوجب لصاحبه الغم، فهذه المكروهات هي من أعظم أمراض القلب وأدوائه، وقد تنوع الناس في طرق أدويتها والخلاص منها، وتباينت طرقهم في ذلك تباينًا لا يحصيه إلا الله، بل كل أحد يسعى في التخلص منها بما يظن أو يتوهم أنه يخلصه منها، وأكثر الطرق والأدوية التي يستعملها الناس في الخلاص منها لا يزيدها إلا شدة لمن يتداوى منها بالمعاصي على اختلافها من أكبر كبائرها إلى أصغرها، وكمن يتداوى منها باللغو واللعب، والغناء وسماع الأصوات المطربة، ونحو ذلك، فأكثر سعي بني آدم أو كله إنما هو لدفع هذه الأمور والتخلص منها، وكلهم قد أخطأ الطريق إلا من سعى في إزالتها بالدواء الذي وصفه الله لإزالتها، وهو دواء مركب من مجموع أمور متى نقص منها جزء، نقص من الشفاء بقدره، وأعظم أجزاء هذا الدواء هو التوحيد والاستغفار.
قال تعالى: ﴿ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ﴾ [محمد: 19]، وفي الحديث: (( «فإن الشيطان يقول: أهلكتُ بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بالاستغفار وبلا إله إلا الله» ...)) ... فالتوحيد يُدخل العبد على الله، والاستغفار والتوبة يرفع المانع ويزيل الحجاب الذي يحجب القلب عن الوصول إليه، فإذا وصل القلب إليه زال عنه همه وغمه وحزنه، وإذا انقطع عنه حضرته الهموم والغموم والأحزان، وأتته من كل طريق، ودخلت عليه من كل باب.
[شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل]
ــــــــــــــــ
وقال رحمه الله: أعظم أسباب شرح الصدر التوحيد, وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
- أشرح الناس صدراً, وأرفعهم ذكراً أتبعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتبع الناس لرسوله صلى الله عليه وسلم أشرحُهم صدراً, وأوضعهم وزراً, وأرفعهم ذكراً, وكلما قويت متابعتُه علماً وعملاً وحالاً واجتهاداً, قويت هذه الثلاثة حتى يصير صاحبُها أشرح الناس صدراً, وأرفعهم في العالمين ذكراً, وأما وضع وزره فكيف لا يوضع عنه وزره ومن في السماوات والأرض ودواب البر والبحر يستغفرون له ؟
وهذه الأمور الثلاثة متلازمة, كما أضدادها متلازمة, فالأوزار والخطايا تقبضُ الصدر وتُضيقه, وتُخمل الذكر وتضعُه, وكذلك ضيق الصدر يضع الذكر ويجلب الوزر, فما وقع أحد في الذنوب والأوزار إلا من ضيق صدره وعدم انشراحه, وكلما ازداد الصدر ضيقاً كان أدعى إلى الذنوب والأوزار, لأن مرتكبها إنما يقصد بها شرح صدره, ودفع ما هو فيه من الضيق والحرج, وإلا فلو اتسع بالتوحيد والإيمان ومحبة الله ومعرفته وانشرح بذلك لا ستغنى عن شرحه بالأوزار
[الكلام على مسألة السماع]
وقال رحمه الله: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر وقُرة العين وأكملُ الخلق متابعة له, أكملهم انشراحاً ولذة وقرة عين وعلى حسب متابعته ينالُ العبد من انشراح صدره وقُرة عينه ولذة روحه ما ينال.[زاد المعاد في هدي خير العباد]
ـــــــــــــ
- من سلم أمره لله استراح من الهموم والغموم:
من...علم أن الله على كل شيء قدير, وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير, وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه, وأنه أعلم بمصلحته من العبد, وأقدر على جلبها وتحصيلها منه, وأنصح للعبد منه لنفسه, وأرحم به منه لنفسه, وأبرُّ به منه بنفسه, وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة, فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر, فألقى نفسه بين يديه, وسلَّم الأمر كله إليه, وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قاهر, له التصرف في عبده بكل ما يشاء, وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه, فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات, وحمل كلَّه وحوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا تُثقله ولا يكترثُ بها, فتولاها دونه, وأراه لطفه وبره ورحمته وإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه لأنه صرف اهتمامه كله إليه وجعله وحده همه, فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه, وفرَّغ قلبه منها, فما أطيب عيشه! وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.
وإن أبى إلا تدبيره لنفسه, واختياره لها, واهتمامه بحظه, دون حق ربه, خلاّه وما اختاره, وولاه ما تولى, فحضره الهمُّ, والغمُّ, والحزنُ, والنكدُ, والخوف, والتعب, وكسفُ البال, وسوءُ الحال, فلا قلب يصفو, ولا عمل يزكو, ولا أمل يحصل, ولا راحة يفوز بها ولا لذة يتهنأ بها بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه[الفوائد
- الإيمان بالقدر والرضى والصبر تدفع الأحزان:
ما مضى لا يُدفع بالحزن, بل بالرضى, والحمد, والصبر, والإيمان بالقدر, وقول العبد: قَدرُ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ.[زاد المعاد في هدي خير العباد]
ـــــــــــــ
- سؤال الله عز وجل ذهاب الحزن والهمّ والغمّ بالقرآن:
قوله صلى الله عليه وسلم: (( «وأن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همي وغمي» )) لما كان الحزنُ والهمَ والغمَ يضادُّ حياة القلب, واستنارته سأل أن يكون ذهابها بالقرآن, فإنها أحرى أن لا تعود, وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحةٍ أو دنيا أو جاه أو زوجةٍ أو ولدٍ, فإنها تعود بذهاب ذلك.
[الفوائد]
- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تذهب الهمّ:
«عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال: (ما شئت)، قلت: الرُّبع ؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهم خير)، قلت: النصف ؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خير)، قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: (إذًا تُكفى همَّك، ويُغفر لك ذنبُك» [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح] ،
وسئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث، فقال: كان لأُبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (إن زدت فهو خير لك)، فقال له: النصف؟ فقال: (إن زدت فهو خير لك) إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؛ أي: أجعل دعائي كله صلاةً عليك، قال: (إذًا تُكفى همَّك، ويُغفَر لك ذنبُك)؛ لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا ومن صلى الله عليه كفاه هماه، وغفر له ذنبه، هذا معنى كلامه رضي الله عنه
[جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام]
ــــــــــــ
- نفي الخوف والحزن عن متَّبع هدى الله:
قوله تعالى: ﴿ { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } ﴾ [البقرة:38] فالله سبحانه جعل اتباع هداه وعهده الذي عهده إلى آدم سبباً ومقتضياً لعدم الخوف والحزن,...وهذا الجزاء ثابت بثبوت الشرط, مُنتفٍ بانتفائه.
ونفي الخوف والحزن عن متبع الهدى نفي لجميع أنواع الشرور, فإن المكروه الذي ينزلُ بالعبد متى علم بحصوله فهو خائف منه أن يقع به, وإذا وقع به فهو حزين على ما أصابه منه, فهو دائماً في خوفٍ وحزن, فكل خائف حزين, وكل حزين خائف, وكل من الخوف والحزن يكون على فوات المحبوب وحصول المكروه.
[مفتاح دار السعادة]
- التوكل على الله والاستسلام له مما يدفع الهموم:
ما يُستقبل لا يُدفع أيضاً بالهمِّ, بل إما أن يكون له حيلة في دفعه, فلا يعجز عنه, وإما أن لا تكون له حيلة في دفعه فلا يجزع منه...ويأخذُ له عُدته...ويستجن بجُنةٍ حصينة من التوحيد, والتوكل, والانطراح بين يدي الرب تعالى, والاستسلام له.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
- الجهاد يدفع الهموم والغموم:
تأثير الجهاد في دفع الهم والغم, فأمر معلوم بالوجدان فإن النفس متى تركت صائل الباطل...اشتد همها وغمها وكربها وخوفها فإذا جاهدته لله أبدل الله ذلك الهم والحزن فرحاً ونشاطاً وقوةً فلا شيء أذهب لجوى القلب وغمه وهمه وحزنه من الجهاد[زاد المعاد في هدي خير العباد]
ــــــــــــــــ
- من كان الله معه فالحزن بعيد عنه:
قال تعالى حكاية عن نبيه أنه قال لصاحبه ﴿ { لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ} ﴾ [التوبة:40] فدل على أنه لا حزن مع الله, وأن من كان الله معه فما له وللحزن ؟ وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله, فمن حصل الله له, فعلى أيّ شيء يحزن ؟ ومن فاته الله فبأيّ شيء يفرح ؟ قال الله تعالى ﴿ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } ﴾ [يونس:58]
[طريق الهجرتين وباب السعادتين]
- دفع الهموم والغموم بالإقبال على الله وإيثار مرضاته على كل شيء:
قال بعض العلماء: فكرت فيما يسعى فيه العقلاء, فرأيت سعيهم كله في مطلوب واحد, وإن اختلفت طرقهم في تحصيله, رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم, فهذا بالأكل والشرب, وهذا بالتجارة والكسب, وهذا بالنكاح, وهذا بسماع الغناء وهذا باللهو واللعب, فقلت: هذا مطلوب العقلاء, ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه, بل لعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده, ولم أر في جميع هذه الطرق طريقاً موصلةً إلا الإقبال على الله ومعاملته وحده, وإيثار مرضاته على كل شيء.
[الداء والدواء]
- تطهير القلب من الصفات المذمومة تشرح الصدر:
إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه, وتحول بينه وبين البُرء, فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره, ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه, لم يحظَ من انشراح صدره بطائل.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
ــــــــــــ
- المؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً, وأنعمهم بالاً, وأشرحهم صدراً:
أيّ نعيم أطيب من شرح الصدر ؟ وأيّ عذاب أمر من ضيق الصدر ؟
المؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً, وأنعمهم بالاً, وأشرحهم صدراً, وأسرهم قلباً, وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ) قالوا: وما رياض الجنة ؟ قال: ( مجالس الذكر )
هل النعيم إلا نعيم القلب ؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب ؟ وأي عذاب أشد من الخوف, والهم, والحزن, وضيق الصدر, وإعراضه عن الله والدار الآخرة, وتعلقه بغير الله, وانقطاعه عن الله, بكل واد منه شعبه, وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب.
[الداء والدواء]
- الفرح والسرور شفاء للهموم والأحزان:
الغم والهم والحزن أمراض للقلب, وشفاؤها بأضدادها من الفرح والسرور, فإن كان بحق اشتفى القلب وصحَّ وبرئ من مرضه, وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر ولم يزل, وأعقبه أمراضاً هي أصعب وأخطر.
[إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]
- الإيمان يشرح الصدر:
النور الذي يقذفه الله في قلب العبد, وهو نور الإيمان, فإنه يشرح الصدر ويُوسعِّه, ويُفرح القلب, فإذا فُقد هذا النور من قلب العبد, ضاق وخرج, وصار في ضيق سجن وأصعبه.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
ــــــــــــــــ
- العلم يشرح الصدر ويوسعه:
العلم يشرح الصدر, ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا, والجهل يورثه الضيق, فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع وليس هذا لكل علم, بل للعلم المورث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع, فأهله أشرحُ الناس صدراً.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
- دوام ذكر الله عز وجل له تأثير عجيب في شرح الصدر:
دوام ذكره على كل حال, وفي كل موطن, فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر, ونعيم القلب, وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
- محبة الله عز وجل أشرحُ شيء لصدر العبد:
للمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حِسّ به وكلما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ كان الصدر أفسح وأشرح ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن فرؤيتهم قذى عينه ومخالطتهم حمى روحه
الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى, ومحبته بكل القلب, والإقبال عليه, والتنعمبعبادته, فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك.[زاد المعاد في هدي خير العباد]
في لذة ذكر الله, والإقبال عليه, والصلاة بالقلب والبدن من المنفعة الشريفة العظيمة, السالمة عن المفاسد الدافعة للمضار غنىّ وعِوض للإنسان – الذي هو إنسان.... واللذة الحاصلة بذكر الله والصلاة...أدفع للهموم والغموم والأحزان.
[روضة المحبين ونزهة المشتاقين]
ــــــــــ
- الشجاعة تشرح الصدر:
الشجاعة: فإن الشجاع منشرح الصدر, واسع البطان, متَّسع القلب, والجبان: أضيق الناس صدراً, وأحصرهم قلباً, لا فرحة له ولا سرور, ولا لذة له.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
- الإحسان إلى الناس يشرح الصدر:
الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً, وأطيبهم نفساً, وأنعمهم قلباً, والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً, وأنكدهم عيشاً, وأعظمهم همّاً وغمّاً.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
قال يعقوب بن بختان: "وُلد لي سبع بنات، فكنت كلما وُلد لي ابنة، دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي: يا أبا يوسف، الأنبياءُ آباءُ بناتٍ، فكان يُذهب قوله همِّي".
[تحفة المودود بأحكام المولود]
وختاماً فالحذر من إزالة الهموم بالذنوب, فإنها لا تزول ولكنها تتوارى ثم تعود أعظم مما كانت, يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: السُّكر...صاحبها يحصل له لذة وسرور بها, يحمله على تناولها, لأنها تغيب عنه عقله, فتغيب عنه الهموم والغموم والأحزان تلك الساعة, ولكن يغلطُ في ذلك, فإنها لا تزولُ, ولكن تتوارى, فإذا صحا عادت أعظم ما كانت, فيدعوه عودُها إلى العود, كما قال الشاعر:
وكأسٍ شربتُ على لذةٍ وأُخرى تداويتُ منها بها
وتلك اللذة أجلبُ شيءٍ للهموم والغموم عاجلاً وآجلاً[روضة المحبين ونزهة المشتاقين
ــــــــــــــــ كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: