من أقوال السلف في صفات العقلاء -1

منذ 2022-07-13

قالت عائشة رضي الله عنها: قد أفلحَ من جعل اللهُ له عقلاً. وقال مطرف بن الشخير رحمه الله: ما أوتى أحد أفضل من العقل.

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالعقل نعمة عظيمة, قالت عائشة رضي الله عنها: قد أفلحَ من جعل اللهُ له عقلاً. وقال مطرف بن الشخير رحمه الله: ما أوتى أحد أفضل من العقل. وقال الإمام ابن عقيل رحمه الله: العقل أفضل ما منحه الله خَلقَه. وقال الحسن البصري: لا يتم دين امرئ حتى يتم عقله. وقيل لابن المبارك رحمه الله: ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال: غريزة عقل. وقال الإمام ابن حبان رحمه الله: عمود السعادة العقل، والعقل لو كان شجرة، لكانت من أحسن الشجر. وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: قال ابن كنجك: خير المواهب العقل.

ويكفى العاقل أن الشيطان يكابد المؤمن العاقل, قال وهب بن منبِّه رحمه الله: قرأتُ في بعض ما أنزل الله تعالى: إن الشيطان لم يكابد شيئاً أشدَّ عليه من مُؤمنٍ عاقل, وإنه ليسوقُ مئة جاهلٍ, فيستجرهم حتى يركب رقابهم, فينقادون له حيث شاء, ويُكابد المؤمن العاقل, فيصعُب عليه حتى ينال منه شيئاً من حاجته.

وقال: وإزالة الجبل صخرةً صخرةً أهون على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل.

والعقل عقلان, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والعقل عقلان: عقل غزيري, وهو أبُ العلم ومربيه ومُثمرة. وعقل مكتسب مستفاد, وهو ولد العلم وثمرته ونتيجتُه. فإذا اجتمعا في العبد فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, واستقام له أمرُه, وأقبلت عليه جيوشُ السعادة من كل جانب, وإذا فقدهما فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه, وإذا انفردا نقص الرجلُ بنقصان أحدهما.

ومن فضائل العقل كما ذكر العلامة ابن القيم أنه: آلةُ كلِّ علم وميزانُه الذي يُعرفُ به صحيحه من سقيمه وراجحُه من مرجوحه, والمرآة التي يُعرف بها الحسن والقبيح.

وهناك أشياء تزيد في العقل وتنميه, قال أبو حازم رحمه الله: العقل التجارب

وقال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: كل شيء محتاج إلى العقل والعقل محتاج إلى التجارب

وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: العقل ينمو بالتعلم والتحصيل والدربة والمران.

وثمرة العقل: طاعة الله, وحسن معاملة الخلق, قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: ثمرة العقل طاعة الله فيما أمرك ونهاك وعدلك في معاملة الناس في التأدب لهم والإنصاف, فعقل لا يثمر طاعة الحق, ولا إنصاف الخلق, كعين لا تبصر, وأذن لا تسمع.

والعقل له آفات ينبغي الحذر منها, قال الإمام ابن حبان رحمه الله: "آفة العقل العُجب والعاقل لا يستحقر أحدًا لأن من استحقر السلطان أفسد دُنياه، ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته ومن استحقر العوام أذهب صيانته. وآفة العقل الصلف [الكِبْر] والبلاء المردي، والرخاء المفرط لأن البلايا إذا تواترت عليه أهلكت عقله والرخاء إذا تواتر عليه أبطره ورأس العقل المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون. 

قوت الأجساد: المطاعم، وقوت العقل: الحكم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، كذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت.

من عقوبات الذنوب والمعاصي: أنه تؤثر بالخاصية في نقصان العقل فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله والآخر عاص إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل وفكره أصحّ ورأيه أسدّ والصواب قرينه."

للسلف أقوال في صفات العقلاء يسّر الله فجمعت بعضاً منها الله أسأل أن ينفع بها.

ـــــــــــ

  • يتبع ما جاءت به الرسل:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: المخالفين للرسل سفهاء لقوله تعالى: ﴿ {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } ۚ [البقرة :130] وقوله في المنافقين: ﴿ {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} [البقرة:13] وقوله تعالى: ﴿ {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142] فإنهم وإن كانوا أذكياء وعندهم علم بالصناعة والسياسة هم في الحقيقة سفهاء لأن العاقل هو الذي يتبع ما جاءت به الرسل فقط.

  • يتلقى أحكام الله عز وجل بالقبول والانقياد والتسليم:

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كل من كان أبعد عن التصديق بما جاءت به الرسل والعمل به كان أنقص عقلا.

** قال العلامة السعدي رحمه الله: لا يعترض على أحكام الله إلا سفيه جاهل معاند, وأما الرشيد المؤمن العاقل, فيتلقى أحكام ربه بالقبول والانقياد والتسليم, كما قال تعالى: ﴿ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ}  ﴾ [الأحزاب:36]

عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: قدم عيينة بن حفن بن حذيفة, فنزل على ابن أخيه الحُرِّ بن قيس وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القرء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا كانوا أو شبابًا، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: كان أصحاب مجالس عمر هم القُرَّاء؛ أي: حملة القرآن؛ لأنهم هم أصحاب العقل وأصحاب الهداية.

ــــــــــــــ

  • مُطيع لله عز وجل, مجتنب للذنوب والمعاصي, لا يقع فيما لا ينبغي:

** قال وكيع بن الجراح: إنما العاقل من عقل عن الله أمره ليس من عقل أمر دنياه.

** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: أول شعب العقل هو لزوم تقوى الله وإصلاح السريرة؛ لأن من صلح جوانيه [باطنه] أصلح الله برانيه [ظاهره]، ومن فسد جوانيه أفسد الله برانيه.

** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: حد العقل استعمال الطاعات والفضائل, وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل, وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل قال الله حاكياً عن قوم: ﴿ {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نوراً والمعصية تطفئ نور العقل ولابدّ وإذا طفئ نوره ضعف ونقص قال بعض السلف ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله

 وهذا ظاهر فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى وتحت قهره, وهو مطلع عليه,...وملائكته شهود عليه, ناظرون إليه, وواعظ القرآن ينهاه, وواعظ الإيمان ينهاه, وواعظ الموت ينهاه, وواعظ النار ينهاه, والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة أضعافُ أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها, فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كلّه والاستخفاف به ذو عقل سليم ؟

** قال الله سبحانه وتعالى: ﴿  {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}   [الزمر: 18]؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: أعقل الناس أطوعُهم لله تعالى، ولهذا قال تعالى: ﴿  {وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}  ﴾.

ـــــــــــــــ

** قال العلامة الشنقيطي رحمه الله العقل الصحيح هو الذي يعقِل صاحبه عن الوقوع فيما لا ينبغي, كما قال جل وعلا عن الكفار: ﴿ {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ﴾ [الملك:10] أما العقل الذي لا يزجر عما لا ينبغي فهو عقل دنيوي يعيش به صاحبه, وليس هو العقل بمعنى الكلمة.

  • يعمل لآخرته, ولا يغتر بزخرف الحياة الدنيا:

** قال علي رضي الله عنه: العاقل الذي لم يحرمه نصيبه من الدنيا حظهُ من الآخرة.

** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: العاقل المصيب من عمل ثلاثاً :من ترك الدنيا قبل أن تتركه, وبنى قبره قبل أن يدخله, وأرضى ربه قبل أن يلقاه.

** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: العاقل الحازم الموفق يقول لنفسه " قدّري أنك قد مِتِّ, ولا بد أن تموت, فأي الحالتين تختارين ؟ الاغترار بزخرف هذه الدار, والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة أم العمل لدار أكلها دائم وظلها ظليل, وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ العيون ؟ " فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه, وربحه من خسرانه

  • يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته:

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: غير خاف على عاقلٍ لزوم حق المُنعم, ولا منعم بعد الحق سبحانه على العبد كالوالدين, فقد حملت الأم بحمله أثقالاً كثيرة, ولقيت وقت وضعه مزعجات مثيرة, وبالغت في تربيته وسهرت في مدارته, وأعرضت عن جميع شهواتها لمراداته, وقدَّمته على نفسها في كل حال, وقد ضم الوالد إلى تسببه في إيجاده, ومحبته بعد وجوده, وشفقته في تربيته الكسب له والإنفاق عليه, والعاقل يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته.

ــــــــــــ

  • ينظر إلى العواقب, فيجتنب اللذات التي عاقبتها الآلام والحسرات:

** قال سلمة بن دينار رحمه الله: النظر في العواقب تلقيح العقول.

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: العاقل الكيس دائماً ينظر إلى الغايات من وراء سُتور مبادئها, فيرى ما وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خُلط فيه سم قاتل فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم, ويرى الأوامر كدواء كريه المذاق مُفضٍ إلى العافية والشفاء, وكلما نهاه كراهةُ مذاقه عن تناوله أمرهُ نفعه بالتناول.

& لما كانت خاصة العقل النظر إلى العواقب والغايات, كان أعقلُ الناس أتركهم لما ترجحت مفسدته في العاقبة وإن كانت فيه لذة ما ومنفعة يسيرة بالنسبة إلى مضرته

& خاصة العقل تحملُ الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير, واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبه من الألم العظيم والشر الطويل.

& أعقل الناس من آثر لذته وراحته الآجلة الدائمة على العاجلة المنقضية الزائلة, وأسفه الخلق من باع نعيم الأبد وطيب الحياة الدائمة واللذة العظمى التي لا تنغيص فيها ولا نقص بوجه ما, بلذة منغصة مشوبة بالآلام والمخاوف, وهي سريعة الزوال وشيكة الانقضاء.

** قال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: قال أبو الفرج: إنما فضل العقل على الحس بالنظر في العواقب, فإن الحس لا يرى إلا الحاضر, والعقل يلاحظ الآخرة ويعمل على ما يتصور أن يقع, فلا ينبغي للعاقل أن يغفل عن تلمح العواقب.

** قال العلامة السعدي رحمه الله: خاصية العقل النظر للعواقب, وأما من نظر إلى عاجل طفيف منقطع, يفوت نعيماً عظيماً باقياً فأنى له العقل والرأي ؟ !!

ــــــــــــ

  • يعتني دائمًا بإصلاح سريرته وحراسة قلبه من الآفات:

** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: الواجب على العاقل الاهتمام بإصلاح سريرته، والقيام بحراسة قلبه عند إقباله وإدباره، وألَّا ينسى تعاهد قلبه بترك ورود السبب الذي يورث القساوة له عليه.

** قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

& العاقل المؤمن هو الذي يكون دائمًا في نظر إلى قلبه ومرضه وصحَّته وسلامته وعطَبِه، فمرض القلب أخطر من مرض البدن بكثير، والعاقل يعتني بهذا عناية أشد، & الذي ينبغي للعاقل أن يهتم بتنعيم قلبه، ونعيم القلب الإنسان بالفطرة، وهي التزام دين الله عز وجل.

** قال الإمام ابن حبان رحمه الله:

& محبة المرء المكارم من الأخلاق وكراهته سفاسفها هو نفس العقل.

& الواجب على العاقل إذا لم يُعرف بالسماحة ألَّا يُعرف بالبخل، كما لا يجب إذا لم يعرف بالشجاعة أن يعرف بالجبن، ولا إذا لم يعرف بالشهامة أن يعرف بالمهانة، ولا إذا لم يعرف بالأمانة أن يعرف بالخيانة.

** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:

& قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [ آل عمران: 146] فإذا كان عليماً بذات الصدور, تعين على العاقل البصير أن يحرص ويجتهد في حفظ باطنه, من الأخلاق الرديئة, واتصافه بالأخلاق الجميلة.

& أدب العبد عنوان عقله, وأن الله مريد به الخير.

  • 3
  • 0
  • 3,055

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً