سبيل المؤمنين
إن للمؤمنين سبيلا قويما، ومنهجا واضحا، ليس دربا مشقوقا، أو طريقا مطروقا، بل سبيلا دكّته أقدام السابلة، ممتلئ بحشود المؤمنين الغفيرة، وبجماعات الصالحين الوفيرة، طريق مكتظ بالزحام، شبيه بالسبل الموصلة إلى الجنّة، التي يتزاحم عليها العباد.
إن للمؤمنين سبيلا قويما، ومنهجا واضحا، ليس دربا مشقوقا، أو طريقا مطروقا، بل سبيلا دكّته أقدام السابلة، ممتلئ بحشود المؤمنين الغفيرة، وبجماعات الصالحين الوفيرة، طريق مكتظ بالزحام، شبيه بالسبل الموصلة إلى الجنّة، التي يتزاحم عليها العباد.
والله تعالى يكره أمورا، ولكنه يحبّها في مواطن:
• فيكره القتل، وإزهاق الدم، ولكنّه يحبّها في سبيله!
• ويكره الخيلاء، ومشية التغطرس، ولكنّها يحبها عند التقاء الصفوف.
• ويكره سبحانه العجلة، لأنه يحب الأناة، ولكنّه يحب العجلة للخير، والتي تعني المسارعة، والمسابقة في أعمال البر.
• ويكره سبحانه المزاحمة، ويحب اللين بأيدي الضعفاء، ولكنّه يحب الزحام على أبواب الخير، يحب الزحام عند الحجر، وعند أبواب الجنة، ويحب الزحام في سبيل المؤمنين! لذلك فقد آوى من أوى إلى حلقة الذكر، مع الزحام الحاصل فيها، فقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «رجل أوى إلى الله فآواه الله»، ثم قال: «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم».
فعلى المؤمن أن يأطر نفسه على هذا السبيل القويم، وأن يتتبع مواطن زحام المؤمنين، فإنْ تزاحم السلف والخلف على حكم شرعي، وتلقّته جمهرتهم بالقبول، فهو _ بإذن الله _ من مواطن المزاحمة المحبوبة لدى الله، لأنه سبحانه لن يهدي خير أمّة إلى خير رسول، وخير كتاب، وخير هدي، ثم يجعل غالبيّتهم يتنكّبون الحق القويم ولو في مسألة قص ظفر، أو تشميت عاطس، فكيف بمسائل عظام، تدور حولها مصالح الفئام.
سيأتي متفيهق ليقول: لم يتعبّدنا الله إلا بما في كتابه أو سنّة رسوله، وكأن السير على نهج المؤمنين لم يأت في كتاب ولا سنّة! وهذا - والعلم عند أهل العلم - من ضرب الكتاب بعضه ببعض، والدخول إلى الحق بنيّة الخروج منه! ورحم الله أبا تراب، علي بن أبي طالب عندما جعلها حكمة سائرة، وحجة ظاهرة فقال لمن قال لا نحكم إلا كتاب الله: كلمة حق، أريد بها باطل.
بل للمؤمنين نهج مضيء، وهدي وضيء، سمّاه الحق سبحانه في سورة الفاتحة بــ صراط الذين أنعمت عليهم فأمرنا أن نسأل المولى الهداية لهذا الصراط المستقيم، في صلاتنا سبعة عشرة مرّة وأكثر، لأننا سنواجه سبعة عشر شبهة وأكثر تحاول صدّنا عن هذا الصراط.
يشعر سالك هذا النهج، والعامل بهذا الهدي بانشراح، وكأنه حين يسير مع السائرين في خُرفة من خرف الجنة، يستروح نسائمها، ويجد ريحها دون عمل الخير الذي يقوم به، وكأن الحق المطلق أقرب إلى أحدهم من شراك نعله.
يكاد السائر في هذا الطريق أن يسمع صوت رسول الله، ويلمح طيف أبي بكر، ويرى هيئة عمر، ويشعر بهيبة ابن المسيب، ويلمس كف الزهري، ويسمع همس ابن حنبل، ويحسّ بحضور ابن تيمية، نعم فهو يستنشق عبير الأتقياء، ويسمع خفق نعالهم في هذا السبيل القويم، وهذا الصراط المستقيم.
لا يجوز لإنسان علم عن هذا السبيل ولو بالظن أن يغادره، أو يتنكّبه، أو يتردد في السير عليه، لأن عاقبة هذا التردد وخيمة، وأثرها على القلب شديد!
إن كل انصرافة ينصرفها قلب المؤمن عن سبيل المؤمنين، تجلب له قشّة من هشيم المنافقين، إلى أن يمتلئ ذلك القلب بالهشيم، فتأكله النار.
إن من يذهب اليوم إلى القول بجواز الاختلاط المحرّم، ويقول في الغد بجواز الغناء، ثم يتسامح بعد غد مع المنافقين، ثم يزعم أن الإصلاح السياسي أولى من العقدي، ثم يمسي على لمز صالح، ويصبح على طعن عالم، إن هذا الإنسان لم ينتهج سبيل المؤمنين، ولم يتولّهم، ومن لم يتوّلهم يولّه الله ما تولّى!
إن من حقوق هؤلاء المؤمنين الموالاة، وهي تقتضي المحبة والنصرة، ولا والله ما تولّى المؤمنين من قسم لهم من قلبه البغض، ولمن لسانه المعاداة تلو المعاداة، والتي تبدأ بالسخرية، وتثنّي بتشويه السمعة، وتثلّث بالاستعداء الثقافي!
إن من أعظم أبواب الخير التي يرزقها العبد، الذلة لإخوته المؤمنين، واستشعار أن رحمة ما تحف به إن كان بحضرتهم، حتى لقد صرّح الأول بأن خطأ الجماعة أحب إليه من صواب الفرد!، إنك عند الله عظيم عندما ترى مؤمنا قد أعفى لحيته، أو قصّر ثوبه، أو تمسّك بما صرنا نظنّه من قشور الدين، في زمن كل ما فيه يدعوا إلى ترك ذلك التمسّك، زمن صار إعلامه، وصحفه، ومثقفوه، وأستاذته، وحتى بعض علمائه، يدعون إلى التخفف من مظاهر الالتزام الظاهري، بحجّة التركيز على الالتزام الباطني، وكأنّهما ضدّان!
أقول إنك عند الله عظيم عندما ترى هذا المتمسّك، فتخضع خضوعا ما لا لشخصه، بل لتلك السنّة التي ارتضاها رب العالمين لسيّد المرسلين، فتخضع وتذل، حتى وإن كنت مقصرا، ولكنّ قلبك يكبر هذا الرجل المتمسّك بالسنّة يوم فساد الأمة.
بل لو تدبّرنا أمر الله تعالى للنبي الكريم بأن يعامل المؤمنين معاملة خاصة فقال سبحانه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر : 88]! لعلمنا أين مكان أولئك الذين صارت أعراض أهل الخير غبوقهم وصبوحهم، والله المستعان على ما يصفون.
حاصل الكلام، هو أنّ للمؤمنين سبيلا، أُمرنا بالسير عليه، بل توعّدنا بالإضلال إن لم نسر عليه، فيجب علينا أن نبحث عنه، وهو في الحقيقة لا يحتاج إلى بحث، بل هو ما عليه عامّة المؤمنين، وما ارتضته قلوب روّاد المساجد، وما ذربت به ألسنة أهل العلم، هذا هو سبيل المؤمنين، يقول الحق سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء : 115].
______________________________________________________________
الكاتب: علي الفيفي
- التصنيف: