التحذير من التشبه بالكفار
إن المصيبة عظيمة في كثير من شباب المسلمين وشابَّاتهم، عندما فُتنوا في لباسهم بالتشبُّه بأعداء الله، يحاكون الكفار في كل موضةٍ تُوجد عندهم، وفي كل صيحة لباس يتخذونها، بل أصبح عند بعض الناس تتبُّعُ موضات الكفار وعاداتهم ضرورة من الضرورات لا ينفكون عنها...
إنَّ دين الإسلام بدأ في الناس غريبًا؛ حيث كان الناس في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، لا يعرفون معروفًا ولا يُنكرون منكرًا، ولا يعرفون حقًّا أو باطلاً، ولا يميزون بين هدًى وضلال، فمَنَّ الله - عز وجل - على البشريَّة ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - بشيرًا ونذيرًا وهاديًا إلى صراط الله المستقيم وسبيله القويم، فبصَّر الله به من العمى، وهدى به من الجهالة، وأضاء للناس ببعثته طريقه القويم وصراطه المستقيم، وما ترك خيرًا إلا دلَّ الأُمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - في حديثه الصحيح: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغُرباء»، بدأ الإسلام غريبًا؛ أي إنَّ القلوب تستنكره والناس لا يعرفونه؛ لامتلاء قلوبهم بالضلالة، وعمارة أوقاتهم بالجهالة؛ فلا يعرفون دينًا، ولا يميِّزون بين حقٍّ أو باطل، أو هدًى أو ضلال، ثم أخبر - عليه الصلاة والسلام - أنَّ الدين سيعود غريبًا كما بدأ، وذلك - عباد الله - عند اندراس معالمه، وقِلَّة دِراية الناس به وعلمهم به، وهذا يدلُّ على أنَّ القلوب تتحوَّل، والنفوس تتغيَّر، فيصبح في كثيرٍ من الناس عدم دِراية بالعلم، وعدم فقه بشرع الله - تبارك وتعالى - فتكون القلوب ليست تلك القلوب وتكون النفوس ليست تلك النفوس؛ بسبب ما خَيَّم عليها من الجهل، وبسبب بُعدها عن دين الله - تبارك وتعالى - روى الطبراني في "معجمه" بسند ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ليأتينَّ على الناس زمانٌ تكون فيه القلوب قلوب الأعاجم»، والمراد بالأعاجم - عباد الله - أعداء دين الله من اليهود والنصارى، وغيرهم من أرباب الكفر والضلال، فقلوب أولئك - عباد الله - ليس فيها إلا الضلال والباطل، وهنا يخبِر - عليه الصلاة والسلام - أنه يأتي على الناس زمانٌ تكون فيه القلوب قلوب الأعاجم؛ بسبب عدم الفقه في دين الله، وكثرة الجهل، واتجاه النفوس إلى التشبُّه بالكفَّار، وتقليدهم في أعيادهم وعاداتهم وألبستهم، وغير ذلك من شؤونهم وهي حال بائسة - عباد الله- يتعوَّذ المسلم الناصح لنفسه منها أو من التلوث بها؛ أعاذنا الله وأعاذكم، وحمانا وحماكم.
عباد الله:
وقد جاء في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لتتبعُنَّ سَنن مَن كان قبلكم؛ شبرًا شبرًا، ذراعًا ذراعًا، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه»، ونبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - عندما أخبر بهذه الحقيقة أخبر الأمة تحذيرًا من ذلك، ونهيًا لهم عن الوقوع في تلك المهالك، عباد الله إن الواجب على كلِّ مسلم سمع هذا الحديث ووعاه قلبُه، أن يكون في غاية الحيطة والحذر من تقليد الكفار، والتشبُّه بأعداء دين الله - تبارك وتعالى - ويتأكد هذا الأمر في مثل هذا الزمان الذي انفتح فيه الناس على عادات الكفار وتقاليدهم، وطقوسهم وأعمالهم انفتاحًا واسعًا؛ فأصبحتِ البيوت المؤمنة والدور المسلمة يصلُ إليها من ثقافات الكفار، بل من سخافاتهم تصل إلى الناس في قَعْر بيوتهم؛ من خلال القنوات الفضائية، ومن خلال شبكات العنكبوت، ومن خلال المجلات الهابطة، وهنا - عباد الله - تتلوَّث الأفكار، وتفسد العقول، وتُخَلْخَل الأديان، وتُخرَّب الأخلاق، ويقع الناس في أنواع كثيرة من التشبُّه بأعداء دين الله، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - في حديثه الصحيح: «مَن تشبَّه بقومٍ، فهو منهم»، وهذه - عباد الله - مصيبة عظيمة على مَن ابْتُلي بذلك، فمن كان متشبِّهًا بالكفار، ماضيًا على التشبُّه بهم إلى أن يتوفَّاه الله، فإنه - والعياذ بالله - يُحشر معهم؛ قال الله - تعالى -: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات : 22]. قال غيرُ واحدٍ من المفسِّرين: {وَأَزْوَاجَهُمْ}؛ أي: أمثالهم ونظراؤهم، أي إن كل إنسانٍ يُحشر مع مَن كان يعمل مثلَ عمله، وقد قال الله - تعالى -: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير : 7]، وفي معنى هذه الآية قال غيرُ واحد من المفسرين: أي إن الناس يحشرون يوم القيامة، ويضمُّون إلى مَن كانوا يعملون مثلَ عملهم، فمَن الذي يَرضى لنفسه - عباد الله - أن يُحشر يوم القيامة مع كافر آثم، أو مجرمٍ هالك، يُحشر معه جنبًا إلى جنبٍ؛ بسبب تشبُّهه به، وتقليده له، وإعجابه به، والعياذ بالله.
عباد الله:
إن المصيبة عظيمة في كثير من شباب المسلمين وشابَّاتهم، عندما فُتنوا في لباسهم بالتشبُّه بأعداء الله، يحاكون الكفار في كل موضةٍ تُوجد عندهم، وفي كل صيحة لباس يتخذونها، بل أصبح عند بعض الناس تتبُّعُ موضات الكفار وعاداتهم ضرورة من الضرورات لا ينفكون عنها، ولا يتخلون منها، بل يتابعونها متابعة دقيقة.
عباد الله:
إنها - والله - مصيبة عظيمة عندما ترى في أبناء المسلمين من اتَّخذ ظهره وبطنه في بعض ألبسته دعاية للكفَّار والآثمين من الفُجَّار؛ حتى باتت ظهور بعض الشباب في بعض ألبستهم لوحاتِ إعلانات لكفَّار آثمين ومجرمين آثمين، ترى على ظهر الشاب من خلفه أو على بطنه من أمامه صورًا لأعداء دين الله، أو ذِكْرًا لهم ولأوصافهم ولأشخاصهم، بل لم يبالِ بعض الشباب بوضع الصليب على لباسه؛ بشراء ألبسة عليها صُلْبان النصارى والعياذ بالله، أين عقولنا عباد الله؟! أين غيرتنا؟! أين نخوتنا؟! أين اتِّباعنا لديننا!؟ أين حَذَرنا من أعداء ديننا؟! وهنا - عباد الله - تتأكد المسؤولية على الباعة، وتُجَّار الملابس أن يتقوا الله - عز وجل - في شباب المسلمين ونسائهم؛ حتى إنها أصبحت معضلة عندما يذهب أبٌ غيور، أو إنسان ناصح ببناته ونسائه؛ ليأخذ لهم ألبسة محتشمة، فإنه ربَّما لم يجد ذلك إلا بصعوبة وندرة؛ بسبب فتنة كثير من الناس باللباس، وحرصهم على التشبُّه بأعداء الله، فالواجب علينا - عباد الله - أن تكون عندنا عِزَّة بديننا، وتمسُّك بآدابنا، ومحافظة على نخوتنا وشِيَمِنا، وبُعد عن هذه المهالك المردية والتشبُّهات الآثمة التي لا تفضي بأصحابها إلا إلى الهَلَكَة في الدنيا والآخرة.
اللهمَّ إنا نتوجَّه إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العُليا؛ أن توقظ قلوبنا من رقدتها، وأن تحيي نفوسنا - يا ذا الجلال والإكرام - وأن تهدينا إليك صراط مستقيمًا، وأن تعيذنا أجمعين؛ نحن وأولادنا، ونساءنا وبناتنا من التشبُّه بأعداء الله - يا ذا الجلال والإكرام - إنك أنت سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وأنت حسبُنا ونعم الوكيل.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله، فإن القلب إذا ذهب عنه ضياؤه، وابتعد عنه نوره، وهو كتاب الله وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - يظلم القلب تمامًا؛ فلا يبصر حقًّا، ولا يرى هدًى لا ينسلخ - والعياذ بالله - من الحق والهدى شيئًا فشيئًا، ولهذا يحتاج المسلم الناصح لنفسه أن يسألَ الله - تبارك وتعالى - أن يسلمَ قلبه من الفِتَن، وأن يعيذَه من هلكاتها، وقد جاء في الحديث الصحيح، بل في الدعاء العظيم الذي أرشد إليه نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - أن يقول المسلم في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأهواء والأدواء»، وهذه المنكرات المتنوعة؛ أعني منكرات الأخلاق، ومنكرات الأهواء، ومنكرات الأدواء، إذا تلوثت بها القلوب، وتلطَّخت بها النفوس، عميت عن الحقيقة، ووقعت في ظلمات الضلال والعياذ بالله، فالواجب علينا أن نأخذ نفوسنا بالحزم، ونأخذها بالعزم، متبعين سنة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - مبتعدين عن هذه الأمور التي لا تصل بمن سلكها إلا إلى هلكةٍ - والعياذ بالله - في الدنيا والآخرة، والكَيِّسُ - عباد الله - من دانَ نفسَه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني، واعلموا - رعاكم الله - أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرُّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وصلُّوا وسلموا - رعاكم الله - على محمد بن عبدالله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صلَّى علي واحدة، صلَّى الله عليه بها عشرًا».
- التصنيف: