فوائد مختارة من تفسير الإمام الطبري (1)

منذ 2022-09-21

يقول: إنَّ ربي قريب ممن أخلص له العبادة, ورغب إليه في التوبة, مجيب له إذا دعاه.


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أهم تفاسير القرآن الكريم تفسير الإمام الطبري, رحمه الله المعروف بـــــ " جامع البيان عن تأويل آي القرآن ", قال رحمه الله: سألتُهُ العون على ما نويتُهُ من تصنيف التفسير قبل أن أعمله ثلاث سنين فأعانني....وحدثتني به نفسي وأنا صبي....واستخرت الله. 

وقد أثنى على تفسير الإمام الطبري العلماء من المتقدمين والمتأخرين, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التفاسير التي في أيدي الناس أصحها تفسير ابن جرير الطبري فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين. وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: له كتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله. وقال أبو حامد الاسفرائيني : لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً أو كلاماً هذا معناه. وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : يعدُّ هذا التفسير أعظم التفاسير المؤلفة...وكتابه أعظم الكتب المؤلفة في التفسير...موسوعة كبيرة في الآثار والأحاديث...قرر في هذا الكتاب عقيدة السلف...فكتابه سلِم من البدع في العقيدة, وقال: من أهم كتب التفسير بالمأثور وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدراً.

هذا وقد يسّر الله الكريم لي فقرأت تهذيبه للدكتور بشار عواد معروف, وعصام فارس الحرستاني, الموسوم بـــــ " تفسير الطبري من كتابه البيان عن تأويل آي القرآن" واخترتُ فوائد, ذكرها الإمام الطبري, رحمه الله تعالى, وهذا الجزء الأول منها, أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.

الله تعالى ذكره, سمَّى تنزيله الذي أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم, أسماء أربعة:

منهن: القرآن, فقال في تسميته إياه بذلك, {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} ﴾ [النمل:76]    

ومنهن: الفرقان, قل جلّ ثناؤه في وحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم يسميه بذلك:  {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً } [الفرقان:1]    

ومنهن: الكتاب, قال تبارك اسمه في تسميته إياه به, ﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً ﴾ [الكهف:1]    

ومنهن: الذكر, قال تعالى ذكره في تسميته إياه به, {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر:9]    

  • أسماء فاتحة الكتاب

صحّ الخبر....عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال:  « هي أم القرآن, وهي فاتحة الكتاب, وهي السبع المثاني» . فهذه أسماء فاتحة الكتاب.

سميت " فاتحة الكتاب ", لأنها يفتتح بكتابها المصاحف, ويُقرأ بها في الصلوات, فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة.

وسميت " أم القرآن ", لتقدمها على سائر سور القرآن, وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة.

وأما تأويل اسمها أنها "السبع" فإنها سبع آيات, لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.

  • جهاد أعداء الله, والصبر على ذلك:

& لا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم, ما كنتم على أمره, واستقتم على طاعته وطاعة رسوله, فإن الغلبة لكم والظفر دونهم....وما تنصرون على عدوكم أيها المؤمنون إلا أن ينصركم الله عليهم, لا بشدة بأسكم وقواكم, بل بنصر الله لكم, لأن ذلك بيده وإليه, ينصُر من يشاء من خلقه.

& الله المعجل الموت لمن يشاء حيث يشاء, والمميتُ من يشاء كلما شاء, دون غيره من سائر خلقه. وهذا من الله عز وجل ترغيب لعباده المؤمنين على جهاد عدوه بالصبر على قتالهم, وإخراج هيبتهم من صدورهم, وإن قلّ عددهم وكثًر عدد أعدائهم وأعداء الله, وإعلام منه لهم أن الإماتة والإحياء بيده, وأنه لن يموت أحد ولا يقتل إلا بعد فناء أجله الذي كُتِب له....ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة, وأخبرهم أن موتاً في سبيل الله أو قتلاً في الله, خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حطامها ورغد عيشها, الذي من أجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله, ويتأخرون عن لقاء العدو.  

& قاتلوا أيها المؤمنون أعداء الله وأعدائكم من أهل الكفر ولا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك جهادهم, فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو, إلا ما كان منها لله من عمل في سبيله, وطلب رضاه, فأما ما عدا ذلك فإنما هو لعب ولهو, يضمحل فيذهب ويندرس فيمر, أو إثم يبقى على صاخبه عاره وخزيه.

نعم الله عز وجل عل عباده, ووجوب شكرها:

& كل نعمةٍ على العباد في دينهم أو دنياهم فمن الله جلّ وعزّ.

& الإنسان جحود نعم ربه, يُعدّد المصائب, ويجحد النعم.

& ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة, وفي أموالكم من نماء, فالله هو المنعم عليكم بذلك لا غيره, لأن ذلك إليه وبيده.

& مآثر الآباء مآثر للأبناء والنعم عند الآباء نعماً عند الأبناء لكون الأبناء من الآباء

& يقول تعالى ذكره: لولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم, وأنه عواد على خلقه بلطفه وطوله, حكيم في تدبيره إياهم, وسياسته لهم, لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم, وفضح أهل الذنوب منك بذنوبهم, ولكنه ستر عليكم ذنوبكم, وترك فضيحتكم بها عاجلاً رحمة منه بكم, وتفضلاً عليكم فاشكروا نعمه, وانتهوا عن التقدم عما نهاكم من معاصيه.

& من شكر نعمة الله عليه وفضله عليه, فإنما يشكر طلب نفع نفسه, لأنه ليس ينقع بذلك غير نفسه, لأنه لا حاجة لله إلى أحدٍ من خلقه, وإنما دعاهم إلى شكره تعريضاً منه لهم للنفع, لا لاجتلاب منه بشكرهم إياه نفعاً إلى نفسه, ولا دفع ضر عنها.

& من يشكر الله على نعمه عنده فإنما يشكر لنفسه, لأن الله يجزل له على شكره إياه الثواب, وينقذه به من الهلكة...ومن كفر نعمة الله عليه, إلى نفسه أساء, لأن الله معاقبه على كفرانه إياه.

المتقين:

& الذين اتقوا الله تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه, فتجنبوا معاصيه, واتقوه فيما أمرهم به من فرائضه, فأطاعوه بأدائها.

& من اتقى الله كان به مؤمناً, وبما أمره به عاملاً, ومنه خائفاً, وله مراقباً, ومن أن يُرى عند ما يكرهه من عباده مستحيياً, ومن كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه, فحسن سمته وهديه, ورُئيت عليه بهجة الإيمان ونوره.  

& الذين اتقوا الله....إذا ألمَّ بهم لمم من الشيطان, من غضب أو غيره مما يصدُّ عن واجب حق الله عليهم, تذكروا عقاب الله وثوابه, ووعده ووعيده, وأبصروا الحق وعملوا به, وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم, وتركوا طاعة الشيطان.

& أهل تقوى الله إذا استزلهم الشيطان تذكروا عظمة الله وعقابه, فكفتهم رهبته عن معاصيه, وردتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله مما كان منهم زلة.

& الله يحب الذين بتقونه, فيخافون عقابه, ويحذرون عقابه, فيجتنبون ما نهاهم عنه وحرّمه عليهم, ويُطيعونه فيما أمرهم به.

& الله يلي من اتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه بكفايته ودفاع من أراده بسوء.

& العاقبة الصالحة من عمل كل عامل, لأهل التقوى والخشية من الله, دون من لا يخاف له عذاباً, ولا يرجو له ثواباً.  

& الله مع من اتقاه فخافه وأطاعه فيما كلفه من أمره ونهيه.

& الملائكةُ تقبض أرواح...المتقين, وهي تقول لهم: سلام عليكم, صِيرُوا إلى الجنة, بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة.

& أُدنيت الجنة....للمتقين, الذين اتقوا عقاب الله في الآخرة بطاعتهم إياه في الدنيا

الكافر والمشرك والمنافق:

& المنافق...سُمى مخادعاً لله وللمؤمنين, بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية, مما تخلص به من القتل والسّباء والعذاب العاجل, وهو لغير ما أظهر مُستبطن, وذلك من فعله _ وإن كان خداعاً للمؤمنين في عاجل الدنيا _ فهو لنفسه بذلك من فعله خادع, لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها, أنه يُعطيها أمنيّتها, ويُسقيها كأس سرورها, وهو موردها به حياض عطبها, ومجرعها به كأس عذابها, ومزيرها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به, فذلك خديعته نفسه.

& الكافر والمنافق...اختارا الحيرة والعمى على الرشاد والهدى, والخوف والرعب على الحفظ والأمن,...مع ما قد أعدَّ لهما في الأجل من أليم العقاب وشديد العقاب, فخابا وخسرا, ذلك هو الخسران المبين.

& المشركين...ما هم إلا كالبهائم التي لا تعقل ما يقال لها, ولا تفقه, بل هم من البهائم أضلُّ سبيلاً, لأن البهائم تهتدي لمراعيها, وتنقاد لأربابها, وهؤلاء الكفرة لا يطيعون ربهم, ولا يشكرون نعمة من أنعم عليهم, بل يكفرونها, ويعصون من خلقهم.

& شرُّ ما دبّ على الأرض عند الله, الذين كفروا بربهم, فجحدوا وحدانيتهُ, وعبدوا غيره

& يقول: إنَّ ربي قريب ممن أخلص له العبادة, ورغب إليه في التوبة, مجيب له إذا دعاه.

& يقول جل ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا, كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا.

& يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلن: قُل لهم يا محمد: [إن ربي يبسط الرزق] من المعاش والرياش في الدنيا, [ لمن يشاء] من خلقه, [ويقدر] فيضيق على من يشاء لا محبة فيمن يبسط له ذلك ولا خير فيه ولا زُلفة له, استحق بها منه, ولا لبُغضٍ منه لمن قدر عليه ذلك, ولا مقتٍ, ولكنه يفعل ذلك محنة لعباده وابتلاءً, وأكثر الناس لا يعلمون أن الله يفعل ذلك اختباراً لعباده, ولكنهم يظنون أن ذلك منه محبة لمن بسط له, ومقت لمن قدر عليه.

& الله قد يبتلي أولياءه, ومن أحبّ من عباده في الدنيا بضروب من البلاء, في نفسه وأهله وماله, من غير هوان به عليه, ولكن اختباراً منه ليبلغ بصبره عليه, واحتسابه إياه, وحسن يقينه منزلته التي أعدها له تبارك وتعالى من الكرامة عنده.

& يونس, ...كان من الذاكرين الله قبل البلاء, فذكره الله في حال البلاء, فأنقذه ونجاه.

  • التوبة:

& توبة العبد إلى ربه, أوبته مما يكرهه الله منه, بالندم عليه, والإقلاع عنه, والعزم على ترك العود فيه, وتوبة الرب على عبده, عودُه عليه بالعفو له عن جرمه, والصفح له عن عقوبة ذنبه, مغفرة له منه, وتفضلاً عليه.

& توبة العبد من ذنبه, إنما تضع عن العبد الأسماء الذميمة, والصفات القبيحة, فأما حقوق الأدميين التي أوجبها الله لبعضهم على بعضٍ في كل الأحوال, فلا تزول بها ولا تبطل.

                    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

  • 1
  • 0
  • 1,604

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً