صورة من حياة الرسول ﷺ قبل بعثته
لكننا في يومنا هذا سنختصر وسنقتصر في الحديث فقط عن مواقف حياتية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل أن يتنزل عليه الوحي وقبل أن يبعث نبيا..
أيها الإخوة الكرام: في مثل هذه الأيام، يحضر الحديث وبقوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
وإن كانت المجالس في أي وقت، وفي كل وقت، تطيب روائحها، وتصيبها البركة، وتحضرها الملائكة، وتغشاها الرحمات، بالحديث عن سنته وأخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلّم ..
لكننا في يومنا هذا سنختصر وسنقتصر في الحديث فقط عن مواقف حياتية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل أن يتنزل عليه الوحي وقبل أن يبعث نبيا..
الهدف من هذه المواقف التي نعرضها أن نرى عصمته صلى الله عليه وسلّم، أن نرى حفظ الله له، أن نرى فطرته السوية التي فطره الله تعالى عليها خاصة وأنه صلى الله عليه وسلّم كان في يوم من الأيام صبيا كما الصبيان، وكان غلاما يافعا كما الغلمان، وكان شابا، وكان كهلا .. كأطهر وأنقى وأعقل وأرشد وأشرف وأزكى وأكرم من أنجبت أم القرى مكة..
لم يغصب حقا، لم يقطع رحما، لم يؤذ جارا، لم يثبت أنه شرب خمرا يوما من الأيام، لم يثبت أنه جار على حق أحد، لم يؤثر عنه غشا، ولا كذبا، ولا غدرا، ولا فجورا، بل كان كما وصفته السيدة خديجة رضى الله عنها يعين الضعيف، ويغيث اللهفان، يحمل الكل ويكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويقري الضيف، ويعين الناس على نوائب الحق صلى الله عليه وسلّم..
لم يتمسح يوما بصنم، لم يسجد يوما لوثن:
كان صلى الله عليه وسلّم يرى اللات والعزى رجسا ونجسا لا يمسها بيده ولا يطوف حولها، حتى ورد أنه طاف بالكعبة يوما ومعه ولده بالتبني ( زيد بن حارثة)، وقد كان ينادى ( زيد بن محمد) صلى الله وسلم على نبينا محمد..
طاف المعصوم صلى الله عليه وسلّم وزيد معه بالكعبة وحول الكعبة أصنام وداخل الكعبة أصنام وفوق الكعبة أصنام فلم يمس المعصوم صنما ولم يتمسح بوثن، ولم يسجد لشيء منها، ولم يسمح لابنه أن يمسها، قال يا زيد لا تمسها، فلما عاد زيد ومسها نهره النبي صلى الله عليه وسلّم فقال ألم تنه عن هذا؟!
وقال الزبير بن العوام:
حَدَّثَنِي جَارٌ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ : " «أَيْ خَدِيجَةُ، وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ، وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ الْعُزَّى أَبَدًا» ". قَالَ : فَتَقُولُ خَدِيجَةُ : خَلِّ اللَّاتَ، خَلِّ الْعُزَّى. قَالَ : كَانَتْ صَنَمَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ، ثُمَّ يَضْطَجِعُونَ..
لم يحلف رسول الله يوما باللات، ولا بالعزى، ولا بمناة الثالثة الأخرى، ولم يحضر لهم عيدا، وما أبغض رسول الله في حياته شيئا بغضه اللات والعزى...
أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة ، و ابن سعد في الطبقات : " أنه جاء في قصة بحيرا الراهب أنه استحلف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باللات والعزى حينما لقيه بطريق الشام في سفره مع عمه أبى طالب وهو صبى ، لما رأى فيه علامات النبوة ، فقال بحيرا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تسألني باللات والعزى شيئاً ، فوالله ما أبغضت بغضهما شيئاً قط ) .
لم يأكل رسول الله يوما من الأيام من ذبيحة ذبحت على النصب بين يدي الأصنام..
فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما : ( أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لقي زيد بن عمرو بن نفيل ب (واد في طريق التنعيم إلى مكة) وزيد بن عمرو بن نفيل هو أحد الحنفاء حاله كحال ورقة بن نوفل الذين لم يعبدوا الأصنام، وطافوا جزيرة العرب يبحثون عن دين إبراهيم عليه السلام..
لقى زيد هذا رسول الله محمدا قبل أن ينزل على النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ الوحي ، فقدم زيد بن عمرو بن نفيل إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ سفرة (طعام) فأبَى الرسول أن يأكل منها..
فقال زيد : يا محمد كل الطعام فإني لست آكل مما يذبحون على أنصابهم ، أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه..
قال ابن عمر وإن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول : الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟!! يقولها إنكارا عليهم..
شارك الرسول قبل بعثته الناس في الخيرات، ولم يشاركهم المنكرات، حضر الحسنات الطيبات، وغاب عن السيئات الخبيثات، كان زكيا صلى الله عليه وسلم، كان طاهرا نقيا، ينأى بنفسه عن النقائص والمعائب والموبقات، وتهفو نفسه إلى التزاحم على الخيرات والمحمودات..
ومن المحامد التي حضرها، وشارك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ( حلف الفضول)
وقد كان رسول الله يعتز بسبب حضوره هذا الحلف حتى قال:
« لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أن لي به حمر النعم» .
سبب هذا الحلف أن رجلا من زبيد ( بلد باليمن ) قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة..
فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك، فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيْم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرد إليه حقه..
ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه، وأبرموا هذا الحلف، الذي سمي بحلف الفضول لأن من قام به كان في أسمائه الفضل، كالفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة. .
لقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يساهم ويشارك قريشا حياتهم وموقفهم حيثما رأى في هذه المواقف حقا وعدلا، رافضا في الوقت نفسه كل معتقد شركي، وكل خلق فاسد..
لنخلص إلى أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل بعثته أو بعد بعثته هي المثال الذي يحتذى، وهي القدوة التي يقتدى بها قال الله تعالى « لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا»
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وان يحسن عةقبتنا في الأمور كلها إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن مواقف من حياة رسول الله قبل بعثته.. بقى لنا أن نقول:
لقد اقتضت حكمة الله ـ سبحانه ـ أن يجعل أنبياءه ورسله بشراً كغيرهم من البشر ، لكنهم أفضل البشر بل افضل الخلق أجمعين قال الله تعالى { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُۥ ۗ }
لا يميز الانبياء والرسل عن عموم البشر سوى أن الله تعالى يعصمهم من المساوئ والمعائب، وأن الوحي يتنزل عليهم من السماء { قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُوا۟ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا }
فالأنبياء يشتركون مع سائر الناس في الصحة والمرض ، والجوع والشبع ، والسعي والجهد، والحياة والموت، حالهم كحال الناس..
ثم ينفردون ويتميزون بخصائص النبوة والرسالة..
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ كغيره من الأنبياء، معصوم، قد حفظه الله ـ قبل البعثة وبعدها ـ عن كل ما لا يتفق معه كنبي قدوة، مبلغ عن الله سبحانه وتعالى..
فنشأ وشبَّ الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ محفوظا ومعصوما ، عن كل ما يعاب قبل بعثته وبعدها، فلم تعرف له سقطة، ولم تقدح فيه زلة، ذلك لما يريد الله به من كرامته ورسالته..
كما قال ابن هشام في السيرة : " .. فشب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والله تعالى يكلؤه ويحفظه ، ويحوطه من أقذار الجاهلية ، لما يريد به من كرامته ورسالته ، حتى بلغ أنْ كان صلى الله عليه وسلّم أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقاً ، وأكرمهم حسباً ، وأحسنهم جواراً ، وأعظمهم حلماً ، وأصدقهم حديثاً ، وأعظمهم أمانة ، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال ، حتى سمي في قومه الأمين ، لِما جمع الله فيه من الأمور الصالحة " .
نسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
- التصنيف: